بعد الموز والمحللين السياسيين الاستراتيجيين .. “فغالي” أهم الصادرات اللبنانية إلى سوق الأزمة السورية

فهد كنجو

واسع الجبهة، حاد النظرات، قاسي الملامح، سريع البديهة، ذكي الإجابات، فصيح الجسد، بهذه الكلمات وصف مذيع قناة “سما” الفضائية ضيفه المتنبئ أو المنجم أو المتوقع “مايك فغالي” في 30 /12 من عام 2014 الأسبق، وقتها نصح المذيع عدم الدخول بجدل مع ضيفه “فغالي” وخاصة بما يتعلق بعمله، وعلى مدار عدة ساعات التزم المضيف بالنصيحة لنفسه أمام ضيفه، وتركه يرسم المستقبل وفق ما يداعب ميول وتمنيات المشاهد المستهدف.

تلك لم تكن المرة الأولى التي يحل “فغالي” ضيفاً على وسيلة إعلامية سورية، فنجم الشاشة البرتقالية (قناة OTV اللبنانية الناطقة بلسان التيار الوطني الحر) سجل أكثر من ظهور له بعد ظهوره في ساحة السبع بحرات في إحدى المسيرات وقبله أيضاً، ولعل تاريخ 30 /12 من كل عام بات الموعد الرسمي لإطلالته المزمنة على الشاشة “السماوية” قبل أن يعاود الظهور في اليوم التالي على شاشته البرتقالية الأم ضمن فعاليات رأس السنة.

في لبنان لكل وسيلة إعلامية أو قناة تلفزيونية منجميها وعرافيها وأيضاً عرابيها وكل ينجم وفق الميول السياسية لأصحاب المحطة.

اعتادت الدولة الجارة على تصدير كل ما هو أصفر (النكتة السياسية الصفراء _ الرايات الصفر _ الإعلام الأصفر _ الفن الأصفر _ إضافة إلى الموز وبطبيعة الحال لونه أصفر)، وكان لسورية نصيب واسع من تلك الصادرات، بالنسبة للموز استطاعت حكومة “خميس” إرساء معادلة الموز مقابل البرتقال، معادلة ساهمت بتخفيض كيلو الموز من 1200 ل.س إلى ما دون 350 ل.س في أسواق الهال السورية، معادلة يصعب تطبيقها في السوق الإعلامية، فبعشرات المحللين السياسيين والاستراتيجيين عززت الجارة الصغرى حضورها الإعلامي على شاشاتنا الوطنية، أمر غير قابل للمقايضة، ومن المستبعد مقايضتهم ببعض متنبئي الأرصاد الجوية مثلاً، فهي بضاعة تبدو غير رائجة على شاشات بلد الأرز التي تعتمد على جميلات تسمح لهن تقنيات عرض الأحوال الجوية من إبراز مفاتن الأزياء الراعية لفقرة المناخ.

يسجل “قاسي الملامح” علامة فارقة ضمن جوقة المستثمرين في الأزمة السورية، إذ يرفض “واسع الجبهة” إرجاع مصدر توقعاته إلى مطابخ القرار السياسي، على عكس باقي المحللين والقراء السياسيين الذي اقتحموا شاشاتنا ويحاولون إيهام المشاهد أنهم ليسوا مجرد مطلعين على الطبخة السياسية والعسكرية وحسب، وإنما مشاركين في إعدادها أيضاً، ليتبين فيما بعد أنهم لم يخرجو من سياق التوقع والتنجيم، الربع ساعة الأخيرة للأزمة تجاوزت الست سنوات..!!

في سهرة الأمس 30 /12 /2016 وعلى مدار 4 ساعات حل “حاد النظرات” مجدداً على الشاشة السماوية، ولأن كل مرة يحاوره محاور جديد يقع في فخ التكرار، التكرار يدعم أيضاً توقعاته بتقرير عن صدقيتها، يجتهد فريق الإعداد في إسقاط توقعاته على أحداث حصلت بالفعل، ويبتعد عن مناكفته حول توقعات لم تحدث، على عكس القنوات اللبنانية التي تنظر بعينين تجاه كل ما ساقه المنجمين خلال عام، تبدو القناة السورية أكثر جدية، إذ لم يستطع جل من حاور ” ذكي الإجابات” الخروج من عباءة الجدية التي نشاهدها عند محاورة محللي الأحداث وقارئي السياسة، الذين تنبأ لهم “فصيح الجسد” في سهرة الأمس بقرب اختفاءهم من على الشاشات، أكثر من ذلك اتهمهم بسرقة توقعاته والاستناد عليها في قراءاتهم، فيما خانته فطنته عندما استعار من توقعات غاليلو بريطانيا العالم الفلكي المشهور “باتريك مور” وتوقع مقتل الرئيس التركي أمام الجموع.

اعتادت القنوات اللبنانية في استضافة أمثال “فغالي” ضمن مناسبات وبرامج ترفيهية، فيما لعبت الجدية في قنواتنا على اعتبارهم جرعة تفاؤل جدية ترضي ميول الأحبة وتكيد العدى.

في سهرة الأمس استحقت سيدة سورية أم لشابين وأربع فتيات بعمر الزواج أول اتصال مع المنجم المصنف رابعاً على مستوى العالم وفق ما قاله المحاور، بعد أن حققت 136 رسالة لشركة الاتصالات التي رعت استضافة بائع الوهم، ونامت قريرة العين بعد أن توقع لها اعتماداً على ذبذبات صوتها فرحتين بتزويج اثنتين من بناتها، وبـ أكثر من 500 رسالة مأجورة اطمأنت ثلاثينية على صحة زوجها وطفليها، وقريباً من الرقم اطمأن شاب على مستقبله مع خطيبته.

في سهرة الأمس كما كل عام اطمأن البسطاء من السوريين على مستقبل بلدهم سياسياً وأمنياً واقتصادياً وفق ما أراد المخرج، فعلى الصعيد السياسي طمأنهم بعودة السفارات إلى دمشق، وعلى الصعيد الأمني أمنهم في منازلهم وشوارعهم، وعلى الرغم من أن الدولار لم يتراجع سعر صرفه إلى 100 ل.س كما سبق له أن توقع بشرهم باستقراره دون أن يقع في فخ تحديد الرقم خشية منه على البيوت التي قد يطالها الخراب على حد تعبيره.

على مدار 6 أعوام من الأزمة استورد الإعلام السوري عشرات المحللين والمنجمين والعرافين العارفين بحالنا وأحوالنا، فقط ليطمئنوننا على واقعنا ومستقبلنا ويرمموا الهواء إلى جانب أقرانهم من السوريين، فاتورة ذلك ربما تكون باهظة يتكتم من حاز على إجازة استيرادهم عن تحديد الرقم.