الاصلاحية_عناية مركزة:
خود سرارهم من زوارهم.. من جيرانهم.. من جلسائهم، من أصحابهم..الخ، قبل وبعد المنصب، يمكن ذلك وبكل يسر، فمعظم الشخصيات التي شغلت مناصب وزارية خلال فترة الأزمة، لم يهبطوا من كوكب آخر، أكثر من ذلك بعضهم لم يتوقع أبداً الوصول إلى الكرسي الوزاري، ولم يكونوا مهيئين لتفادي الصورة الذهنية التي تشكلت عنهم خلال فترة تمتعهم بصفة مواطن عادي أو موظف أو مدير.
ينقل أحد الموظفين (درجة ثانية) كانت تربطه علاقة جيدة بأحد الوزراء الحاليين الذين منت عليهم الأزمة بحقيبة وزارية عندما كان مديراً مركزياً، ينقل عنه قوله إن طموحه يتوقف عند منصب معاون وزير لا أكثر، طبعاً المصارحة جاءت على خلفية مباركة الموظف للمدير وتمنياته له بأعلى المناصب..!!
جاءت الأزمة وحملت معها معايير جديدة لم تكن معتمدة سابقاً في آلية تنصيب الوزراء، وتحققت تمنيات الموظف لمديره وجاء وزيراً ضمن تشكيلة “المنشق” رياض حجاب الوزارية وحافظ على منصبه حتى تاريخه، طبعاً العلاقة انتهت بين الصديقين (المناصب بتغير).
ما تقدم يقودنا إلى البحث عن الشخصيات التي استفادت من “الأزمة”، أو لنقل خدمتهم الأزمة ليصلوا إلى مراتب إدارية عالية، كرتبة مدير عام أو وزير على وجه التحديد.
في بداية العام 2011 وبالتوازي مع بدء الحراك الذي صور حينها على أنه “شعبي”، تشكلت حكومة “عادل سفر” على أنقاض حكومة “ناجي العطري”، كانت سورية وقتها في ذروة تعافيها اقتصادياً وحتى خدمياً مع وجود بعض المنغصات مردها الفساد الذي علقت عليه كثير من أسباب الأزمة، ومنها سطع نجم “رياض حجاب” كوزير زراعة نشيط على خلفية جولاته الميدانية (في إحدى الجولات وربما أشهرها عندما قال لمن معه أعطوا هذه المرأة بقرة ومنهم من نقل أنه قال أعطوها نعجة)..!!
لم تعمر حكومة “سفر” التي حملت معها بعض الوجوه الجديدة والتي تشكلت وفق معايير الحكومات التي سبقتها (ثلاثة من وزرائها تناوبوا على رئاسة الحكومة السورية فيما بعد آخرهم الرئيس الحالي المهندس عماد خميس)، ففي منتصف العام 2012 ، شكل “المنشق” رياض حجاب الحكومة السورية، ينقل عنه خلال فترة اختياره للفريق الوزارة، سؤال كان دائماً ما يطرحه عندما ترشيح له هذا الاسم أو ذاك، مفاده “سألوه يقبل يستلم..؟؟!!”، في ذلك الحين كانت الأزمة تتصاعد وخرجت الكثير من المناطق عن سيطرة الدولة، وتزايدت وتيرة الانشقاقات، بالتوازي مع استهداف الشخصيات الحكومية بالخطف والاغتيالات، إضافة إلى بدء تراجع العملة المحلية، وتردي الواقع الاقتصادي وارتفاع حدة الضغوط الدولية، مترافقة مع تسويق إعلامي لاقتراب انهيار الدولة ومؤسساتها، كل ذلك جعل الكثير من الشخصيات المطروحة لتسليمها المناصب الوزارية تتعفف عن ذلك، ومن هنا دخلت وجوه جديدة لم تكن تحلم يوماً بحقيبة وزارية، ينقل بعض الصحفيين عن وزير الموارد المائية “بسام حنا” عندما كان معاوناً لوزيرة الإسكان في حكومة “سفر”، زهده من المنصب وقربه من التقاعد ليبتعد عن أي تصريح إعلامي، وفوجئ الكثيرون بورود اسمه ضمن تشكيلة حكومة “حجاب” ربما هو أيضاً تفاجأ مثلهم..!!، ورغم فشل الوزيرة هالة الناصر في وزارة الإسكان إبان حكومة “سفر” على حد توصيف كثير من العاملين معها والمتابعين لها آنذاك، إلا أن الثقة تجددت بها وسلمت حقيبة السياحة بعهد “حجاب” أيضاً.
الدكتور قدري جميل ومثله الدكتور على حيدر وجودهما كان طارئاً في حكومة “حجاب” بعد أن وصلا إلى البرلمان كشخصيات من معارضة الداخل على ما كانت توصف حينها، فالأول تسلم حقيبة وزارة التجارة الداخلية إضافة لمنصب نائب اقتصادي لرئيس الحكومة، كان الهم بحماية المستهلك فصار اسمها (وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك) والثاني أحدثت له حقيبة اقتضتها الضرورة (المصالحة الوطنية)، ورغم الحرص وقتها على انتقاء شخصيات مضمونة الولاء، بالتوازي مع موجة الانشقاقات التي كانت تحدث حينها، خرج قدري جميل إلى روسيا ولم يعد حتى تاريخه، فيما بقي علي حيدر في منصبه حتى تاريخه.
وتسلم المحامي عمران الزعبي حقيبة الإعلام، الرجل سجل ظهوراً إعلامياً مكثفاً مع بداية الأزمة، وحدد خياراته مبكراً وعرض نفسه للخطر، واعتبر من أكثر الشخصيات التي تصدت إعلامياً للدفاع عن الموقف الرسمي السوري في الوقت الذي ذهبت العديد من الوجوه باتجاه عدم الظهور وتسجيل مواقف محددة مما يحدث، الأمر الذي أهله لمنصب وزير الإعلام رغم عدم امتلاكه أي خبرات سابقة في مجال إدارة المؤسسات الإعلامية.
طبعاً بعد أشهر من تشكيله الحكومة فر “رياض حجاب” خارج سورية معلناً انشقاقه، وسجل أعلى مرتب وظيفي لشخصية منشقة، على إثر ذلك كلف وزير الإدارة المحلية عمر غلاونجي بتسيير شؤون المجلس كأكبر الوزراء سناً، إلى أن سمي الدكتور وائل الحلقي رئيساً لمجلس الوزراء،الرجل حافظ على تشكيلة “حجاب” باستثناء حقيبتي العدل والصناعة وبطبيعة الحال الصحة على اعتبار أن المنصب بات شاغراً، ما لبث أن أجرى ” الحلقي” تعديلاً وزارياً في بداية الشهر الثاني من العام 2013 وصدور المرسوم رقم 61، وكانت التعديلات دائماً ما تشمل الوزراء الذين قضوا أكثر من سنة في منصبهم ليستفيدوا من ميزة وزير سابق، في عهد الحلقي الأول كما في الثاني توسعت الهيكلية الحكومية وأحدثت حقائب وزارية جديدة، كان ذلك بمثابة إفساح المجال لدخول شخصيات جديدة للنادي الوزاري، كانت الأنظار تتجه للشخصيات التي اعتبرت وقتها أنها تبلي بلاءً حسناً في الدفاع عن الموقف الرسمي للدولة السورية على شاشات التلفزة المحلية أو الخارجية، هذا البلاء الحسن عوّم كثير من الشخصيات، فمنحت على إثر ذلك التعديل الدكتورة كندة الشماط أستاذة القانون الخاص في كلية الحقوق جامعة دمشق حقيبة الشؤون الاجتماعية طبعاً بعد أن “انشقت” عنها حقيبة “العمل” التي تسلمها الدكتور حسن حجازي الذي كان يشغل منصب المعاون في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وعلى نفس المستوى منح التعديل حقيبة المالية للدكتور إسماعيل إسماعيل، وحقيبة النفط للمهندس سليمان عباس، والزراعة للمهندس أحمد القادري، والإسكان لـ “حسين فرزات” والأشغال العامة لـ “حسين عرنوس.
في الشهر الثامن من نفس العام أجرى الحلقي تعديلاً جديداً، وصدر المرسوم 310 لعام 2013 وحمل معه شخصيات جديدة لم يكن لها تجربة إدارية ويجهلها معظم الشارع السوري، فذهبت حقيبة “السياحة” للمهندس بشر يازجي (الوزير الحالي) قادماً من مجلس الشعب الذي لم يمض به كثيراً من الوقت، سوق وقتها على أنه قادم من قطاع الأعمال ومستثمر في القطاع السياحي، ليتبين فيما بعد أن تجربته الوحيدة مع “السياحة” تتمثل بتقدمه لمشروع استثماري لموقع عائد لاتحاد نقابات العمال وبعد فشل المشروع دخل دعوى تحكيم القضائي وربحها، أيضاً التعديل شمل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وذهبت لسمير عزت قاضي أمين بعد أن انتزعت من “قدري جميل” مع احتفاظه بمنصب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية إلى أن ذهب ولم يعد وذهب معه المنصب أيضاً، فيما سلمت حقيبة وزارة التعليم العالي للدكتور مالك علي، وحقيبة التجارة الخارجية للدكتور خضر أورفلي والصناعة لكمال الدين طعمة.
في الشهر الثامن من العام 2014 شكل “الحلقي” الحكومة للمرة الثانية، كان وضع سورية أكثر استقراراً وبدأت شهوة كثير من الشخصيات مفتوحة على منصب “الوزير”، التشكيلة الجديدة منحت المرشح السابق لرئاسة الجمهورية الدكتور حسان النوري حقيبة أحدثت خصيصاً له على ما يبدو تحت اسم “التنمية الإدارية”، يقال أنها كانت جائزة ترضيه له بعد خسارته انتخابات رئاسة الجمهورية ولا زالت الحقيبة في يده إلى الآن.
تشكيلة المرسوم رقم 273 لذلك العام أيضاً كافأت “عصام خليل” ومنحته حقيبة الثقافة، المحامي وصاحب مجلة أسامة عرف خلال الأزمة للشارع السوري على أنه محلل سياسي واستراتيجي، وكان من ضمن الفائزين بعضوية مجلس الشعب، سأله مرة مجموعة من الأطفال كيف أصبحت وزيراً، أجابهم باختصار وفق ما نقله الإعلام: ” درست ونجحت ثم تقدمت لانتخابات مجلس الشعب وانتخبت وبعدها صرت وزيراً”..!!
من أبرز الوافدين الجدد في تلك التشكيلة أيضاً كان وزير الصحة الحالي طبيب النسائية ومعاون مدير مشفى الزهراوي، تربطه مع “الحلقي” زمالة الاختصاص فأطاح بسلفه الذي لم يلبث طويلاً في المنصب رغم أنه كان من ضمن اختيارات “الحلقي”.
على خلاف ما حدث مع حكومة “الحلقي” وحكومة “حجاب المنشق” ذهبت الحكومة الحالية مع المهندس عماد خميس عند تشكيلتها، باتجاه مختلف ولم يعد مجال لإرضاء ومكافأة شخصيات معينة، وأكثر من ذلك عاودت دمج وزارات ببعضها، وعلى ما يبدو كان هناك زحاماً على المناصب ما أخر تشكيلها ودارت حولها كثير من الشائعات، اليوم تستعد حكومة “خميس” على ما يقال إلى تعديل نتمنى أن لا يكون لإرضاء فلان وعلتان، وتكريم أحدهم لمجرد أنه لم يغادر سورية.
من الأرشيف “فهد كنجو”
Post Views:
0