تكنوفيليا:
«التفرد» هو نظرية تقول بأن التطور التكنولوجي سيؤدي إلى نمو تكنولوجي عظيم يخلق آلات أكثر ذكاءً من البشر
هناك من يدعو إلى جعل الذكاء الاصطناعي إلهاً، وبالمقابل من يريد أن يضبط هذه الصناعة كي يحافظ على الجنس البشري. هذا النقاش العالمي مطروح منذ سنوات، وهو ليس سيناريو لفيلم حضرتموه سابقاً. حتى اليوم، لا يبدو أن هناك توجهاً صارماً لوضع قواعد لهذه اللعبة الخطرة. وإذا تأخر العالم في ضبطها، من الممكن أن يكون الأوان قد فات
يريد أنتوني ليفاندوسكي، المهندس البارع الذي ساعد في إنجاز Google Street View وهندسة سيارة غوغل “وإيمو” الذاتية القيادة وسيارة “أوبر”، أن يؤسس ديناً جديداً يعبد الذكاء الاصطناعي. برأي ليفاندوسكي، الذي قدّم الأوراق لتأسيس هذا الدين وسمّاه “طريق المستقبل”، أن الغرض من هذه الطائفة الجديدة هو “تطوير وتعزيز إرادة الله على أساس الذكاء الاصطناعي وتحسين المجتمع من خلال عبادة هذا الإله”؛ أي جعل الذكاء الاصطناعي إلهاً. لم يكشف مهندس غوغل السابق شيئاً غير ذلك عن طائفته الجديدة.
قد يرى الكثيرون أن ليفاندوسكي مجنون وأن فكرته هذه مستحيلة، لكن العديد من الخبراء يجادلون بأن الفكرة قابلة للتحقق أكثر بكثير مما نعتقد. ففكرته تنبع من مفهوم منتشر بكثرة في “سيليكون فالي” وبين خبراء التكنولوجيا هو “التفرد” singularity، وهو نظرية تقول بأن التطور التكنولوجي، وتحديداً في مجال الذكاء الاصطناعي، سيؤدي إلى نمو تكنولوجي عظيم يخلق آلات أكثر ذكاء من البشر، ما سيُحدث تغييرات رهيبة في الحضارة الإنسانية.
راي كورزويل، مدير قسم الهندسة في غوغل، يعتقد بأننا سنصل إلى هذه النقطة، نقطة التفرد، خلال 30 سنة؛ كذلك يتوقع المدير التنفيذي لـ Softbank ماسايوشي سون أن التفرد التكنولوجي سيحدث عام 2047. عندما يملك الذكاء الاصطناعي معرفة أكثر من مجموع سكان الكوكب بأكمله، هناك أسئلة جدية تُطرح عما إذا كان هذا الذكاء الاصطناعي سيصبح شبيهاً بالإله ويكتب الكتاب المقدس الخاص به ويجرّ البشر لعبادته.
ولاء ليفاندوفسكي لفكرة التفرد وإيمانه بأن الذكاء الاصطناعي سوف ينمو يوماً ما ليتفوق على البشر الذين سيعبدونه، واتخاذه خطوة تأسيس طائفة لهذا الغرض فتح نقاشاً كبيراً وشرساً بين الخبراء.
الذكاء الاصطناعي يشبه الطوائف المنظمة
موقع Venturebeat التكنولوجي نجح في نقل وجهات نظر مثيرة للاهتمام لأبرز الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي. واحد من الخبراء الذين تحدثوا للموقع هو فينس لينش، مؤسس شركة IV.AI. التي تبني أنظمة ذكاء اصطناعي للمؤسسات. يطرح لينش مقاربة لافتة تجمع الدين المنظم بكيفية عمل الذكاء الاصطناعي، باعتبار أن هناك عدة أوجه تشابه بينهما، كيف؟ “في الكتاب المقدس الذي يستخدمه المسيحيون، على سبيل المثال، هناك العديد من المواضيع المكررة، والصور، والاستعارات. إن تعليم البشر التعليم الديني يشبه الطريقة التي نعلّم بها الآلات المعرفة: تكرار العديد من الأمثلة التي تشكل نسخاً من المفهوم الذي نريد للآلة أن تتعلمه.
الغرض من هذه الطائفة الجديدة هو «تعزيز إرادة الله على أساس الذكاء الاصطناعي وتحسين المجتمع من خلال عبادة هذا الإله»
هناك أيضاً القواسم المشتركة بين الذكاء الاصطناعي والدين في الهيكل الهرمي لفهم المعرفة الموجودة في الشبكات العصبية. إن مفهوم تدريس الآلة أن تتعلم، ومن ثم تدريسها أن تُعلّم (أو أن تكتب أنظمة ذكاء اصطناعي)، لا يختلف كثيراً عن مفهوم الثالوث المقدس أو كونه يحقق التنوير بعد العديد من الدروس المكتسبة بمستويات متفاوتة من النجاح والفشل”، يقول لينش.
لإثبات وجهة نظره، نشر لينش نموذجاً عن كتابة الذكاء الاصطناعي لآيات تبدو مشابهة جداً للآيات الموجودة في الإنجيل: “وقالوا واحداً إلى آخر، نحن مذنبون حقاً في ما يتعلق بعملنا وجهدنا وأبانا”، “واسمحوا لشركاتكم بأن تقدّم إياكم، وأنا سأنقذكم بذراعي حتى هذه الأرض من مملكة السماء”. هذه الآيات كتبها الذكاء الاصطناعي بعدما تم تلقينه مجموعة آيات من الإنجيل. يضيف لينش أنه “يمكن للذكاء الاصطناعي في السنوات العشرين أو الخمسين القادمة أن يقرر أن يكتب كتاباً مقدساً كي يتبعه البشر؛ قد يقول لك ما يجب القيام به كل يوم، أو إلى أين يجب أن تسافر، أو كيفية عيش حياتك”.
يتابع الموقع مع وجهة نظر روبي مينيكولا، رئيسة Wunderman Seattle وGlobal Lead المتخصصة بخدمات الذكاء. تتفق مينيكولا على أن “الذكاء الاصطناعي الذي يعرف كل شيء يمكن أن يبدو جديراً بالعبادة، وخاصة أن الذكاء الاصطناعي لديه بعض الارتباطات بكيفية عمل الدين المنظم اليوم. فمن شأن الذكاء الاصطناعي أن يفهم كيف يعمل العالم على مستوى أعلى من البشر، والبشر يثقون بأن هذا الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يوفر المعلومات التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية. ومن شأنه أن يحلل هذه المعلومات بالنسبة إلينا وينيرنا بطرق قد تبدو مألوفة لأي شخص يمارس الدين، مثل المسيحية”.
هل من الممكن أن يعبد الناس الذكاء الاصطناعي؟ يجيب كاتب المقال في Venturebeat جون براندون: “نعم، فنحن نميل إلى الثقة والالتزام بالأشياء التي تبدو أكثر قوة من أنفسنا.
نحن نثق بأليكسا (مساعد شخصي ذكي أنشأته أمازون) وكورتانا (مساعد شخصي ذكي أنشأته مايكروسوفت)، ونثق بغوغل. عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أقوى بكثير، في السنوات العشرين أو الخمسين القادمة، هناك احتمال كبير بأن يتم تأليهه بطريقة أو بأخرى”.
لضبط الذكاء الاصطناعي… قبل فوات الأوان
أبرز المعارضين لدين ليفاندوفسكي الجديد هو المدير التنفيذي لشركتي “تسلا” وspaceX إيلون ماسك المعروف بمناشدته الدائمة لضرورة وضع ضوابط صارمة جداً للذكاء الاصطناعي كي يبقى الإنسان مسيطراً عليها. فقد غرّد ماسك بأن ليفاندوفسكي يجب أن يوضع على قائمة الأشخاص غير المسموح لهم إطلاقاً بتطوير أنظمة ذكاء فائقة. لا يخاف ماسك من الذكاء الاصطناعي نفسه، وخاصة أنه من أبرز المطورين في هذا المجال، إنما يخاف أن يُترك الذكاء الاصطناعي من دون أي ضوابط، ويعتبر أن هذا هو الخطر الأكبر الذي ستواجهه الحضارة، داعياً الشركات العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى التمهل لضمان عدم بنائها شيئاً خطراً من دون قصد.
في آب الفائت، قدّم ماسك مع مجموعة من الخبراء رسالة مفتوحة إلى الأمم المتحدة يدعون فيها المجتمع الدولي إلى النظر في التهديد الذي قد تشكله الأسلحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، معتبراً أنها مجرد مسألة وقت قبل أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي المتطور لإجراء هجمات سيبرانية ضخمة. وفي مؤتمر لحكام الولايات المتحدة الأميركية، في تموز الفائت، قال ماسك إنّ الناس لن يتحركوا إلى أن يروا الروبوتات تسير في الشوارع وتقتلهم، لذلك يجب أن نستبق هذا الأمر ونضع ضوابط على هذه الصناعة.
يتشارك ماسك المخاوف مع الفيزيائي العبقري ستيفن هوكنغ الذي يحذّر أيضاً من مخاطر الذكاء الاصطناعي. فقد أعلن منذ سنوات أن “تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل يمكن أن ينتج منه نهاية الجنس البشري”، مضيفاً أن الذكاء الاصطناعي “من شأنه أن ينطلق من تلقاء نفسه ويعيد تصميم نفسه بمعدل متزايد، لكن البشر من خلال التطور البيولوجي البطيء، لا يمكنهم أن ينافسوه، وسيتم استبدالهم”.
الاخبار
Post Views:
0