الإصلاحية | منصة التحكيم:
هل علينا أن ننتظر الأمم المتحدة لتقول لنا كم أصبح عدد سكان سورية في العام 2017؟.
هل علينا أن ننتظر برنامج الغذائي العالمي لنقوم بمسح يرصد حالة الأمن الغذائي في سورية وتأثيرات الحرب عليها؟.
هل علينا أن ننتظر منظمة الصحة العالمية لنعرف الأوضاع الصحية للسوريين والأمراض التي زادت الحرب من انتشارها وخطورتها؟.
لماذا نسمح لكل “من هب ودب” ليدلي بدلوه في ملف خسائر الأزمة، ويقدم تقديرات وأرقام إحصائية أنتج معظمها بطريقة لا تمت إلى علم الإحصاء بصلة؟.
كل ذلك يحدث لأن مؤسساتنا الوطنية تخلت خلال سنوات الحرب عن دورها ومهمتها في إنتاج الرقم الإحصائي، تحليله ومعالجته، نشره محليا ودولياً..!!.
في حين كان يفترض أن يحدث العكس، أي أن تنشط هذه المؤسسات وتنجز عملاً أعمق وأكثر تخصصا مما كان سابقاً لثلاثة أسباب هي:
-إن الرقم الإحصائي يشكل جزءاً رئيسياً من مفهوم الأمن القومي للبلاد، فإنتاج الرقم الإحصائي الوطني بما يحمله من دلالات ومؤشرات في مختلف المجالات يجب أن يكون تحت سيطرة الدولة، التي تحدد وفق معايير وشروط واضحة وشفافة ما ينشر منه على الرأي العام، وما يجب أن يبقى سرياً خاصا باستخدامات مؤسسات الدولة في صناعة توجهاتها، وصياغة سياساتها واستراتيجياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وحتى الرياضية وغيرها.
وإلا ما الذي يضمن عدم وجود غايات أو أهداف لدى بعض الجهات الإقليمية والدولية من ترويج أرقام وبيانات إحصائية خاصة بسورية، ليس لها أي مرجعية أو منهجية علمية في إنتاجها، ومثالنا على ذلك الأرقام المتعلقة بعدد اللاجئين في الدول المجاورة !!.
-حاجة البلاد إلى بيانات ومؤشرات إحصائية وطنية منتجة وفق أدق الأساليب والمناهج العلمية والإحصائية العالمية المتقدمة، وذلك بغية استخدامها في توصيف الواقع السوري بعد سبع سنوات من الحرب وتقرير ما تحتاجه البلاد على المستوى الإجرائي والاستراتيجي. وهذا يفترض استقلالية الجهة المكلفة بإنتاج الرقم الإحصائي، أي المكتب المركزي للإحصاء، بعيداً عن تدخلات السلطة التنفيذية..
وللأسف فإن معظم الوزارات والمؤسسات العامة تبني سياساتها وتقر مشاريعها وتوجهاتها المستقبلية، وهي لا تملك بيانات ومؤشرات إحصائية كافية وملبية لحاجات التخطيط. وهنا علينا أن نفرق بين البيانات والمؤشرات المنتجة والمعتمدة من قبل المكتب المركزي للإحصاء، وتلك المنتجة من قبل جهات عامة بحكم عملها، إنما لا تتمتع تلك المؤشرات بأي صفة رسمية لحاجتها للتدقيق والمطابقة..!!.
-إن جميع الجهات الدولية التي تروج بيانات وأرقام إحصائية خاصة بالشأن السوري ليس لها على أرض الواقع أي نفوذ يمكنها من جمع المعلومات وإنتاج الأرقام الإحصائية، لا بل إن العديد من التقديرات الإحصائية المنشورة تفتقد للجدية والمسؤولية العلمية والمهنية والفنية، وأحيانا يكون مصدرها لا يتعدى بضعة موظفين يعملون من خلف مكاتبهم، ويخرجون بأرقام هي أقرب إلى “العشوائية”. وكما يشخص باحث صديق على إطلاع بآلية عمل كثير من المنظمات الدولية فإن الأرقام المتعلقة بالشأن السوري تنتج على هذه الشاكلة!!.
في حين أن المكتب المركزي للإحصاء، وعلى وضعه الراهن، بإمكانه أن يستثمر شبكة العينات الضخمة التي أحدثها خلال السنوات السابقة، والاستفادة من خبرة موظفيه المنتشرين على امتداد الجغرافيا السورية لجمع معلومات وإنجاز مسوح هامة وضرورية في هذه المرحلة، وقطع الطريق على التقديرات والبيانات المشكوك بمصداقيتها وغاياتها وأهدافها، بحيث تغدو إحصائياته الرسمية هي المعتمدة على المستوى المحلي والدولي.
طبعاً.. هذا لا يلغي فرص التعاون الكثيرة التي يمكن أن تتم بين المكتب المركزي للإحصاء والمنظمات الإقليمية والدولية، سواء في مجال إنتاج الرقم الإحصائي، أو توفير البنية التحتية اللازمة لذلك، أو في معالجة وتحليل البيانات والمؤشرات الإحصائية المنتجة.. إنما ذلك يتم وفق احتياجات سورية وما تقرره من أولويات، وليس ما تريده هذه المنظمة أو تلك.
من ذلك كله نقول: إن الحكومة مدعوة إلى إحداث نقلة نوعية جديدة في عمل المكتب المركزي للإحصاء مع مراعاة استقلالية عمله من جهة، وإلى إعادة تأطير التعاون مع مختلف المنظمات الدولية في هذا المجال من جهة ثانية، بحيث نصل قريبا إلى مرحلة يتم فيها سحب كل البيانات والمؤشرات الإحصائية الخاصة بسورية، وإحلال البيانات والمؤشرات المصنعة سورياً..
هامش1: خسرت سورية الكثير من كفاءاتها، ومن بين ذلك عدد من الباحثين البارزين في المجال الإحصائي، وحال المكتب المركزي للإحصاء يشير بوضوح إلى تأثيرات حجم تلك الخسارة.
هامش2: عندما نتحدث عن أن الرقم الإحصائي جزءاً من الأمن القومي لأي بلد، فهذا لا يعني أن يأخذ طابع السرية وملاحقة من يتعاطى منه، تحليلاً ومعالجة. فمفهوم الأمن هنا مرتبط بدقة الرقم ومصداقيته وأهميته البالغة في تقرير مستقبل البلاد… وثمة فرق شاسع بين أن يبنى هذا المستقبل على تقديرات وأرقام غير دقيقة، وأحياناً غير صحيحة، وبين أن يبنى على معطيات ومؤشرات إحصائية تمثل الواقع بتجلياته المختلفة.
سيرياستيبس | زياد غصن
Post Views:
0