فاصل سياسي | د.عمار فاضل |
بعد صدور اتفاق “مناطق خفض التصعيد” في 4\5\2017 في الجولة الرابعة لمؤتمر أستانة ، أشرنا إلى أن الملف السوري بات اليوم ملفين يفصل بينهما الفرات ، وأن المعركة القادمة هي معركة الحدود ، وأن أي تغيير على مستوى الحدود العراقية السورية سيكون له تأثير مباشر على جنوب لبنان.
تسارعت تحرّكات السعودية لاستثارة الاسرائيلين لشن حرب ضد حزب الله ، وذلك تقديراً من السعودية لخطورة عودة خط”طهران – بيروت” , وهو تخوّفٌ تتفق به مع الكيان الاسرائيلي ، فكان احتجاز الحريري في الرياض وإعلان استقالته من هناك كبادرة سعودية تجاه اسرائيل لتهيئة كل الظروف لها لضرب لبنان ، ذلك أن الاسرائيلي يدرك أن الحفاظ على حالة السلم الأهلي في لبنان تمثّل أقوى سلاح مواجهة ضد الكيان الاسرائيلي ، لكن حسابات موازين القوى جعلت من اسرائيل تتأنى قبل أن تقدم على أي خطوة رغم سيلان لعاب العديد من مسؤوليها وتصريحاتهم النارية لاستغلال هذه الفرصة ، وانقضى الأمر من الجانب الاسرائيلي بمواكبة السعودية في تصريحاتها ومباركة جهودها في مواجهة عدو يؤرق اسرائيل منذ عقود ، فكل ما كان يريد الكيان الصهيوني فعله في المنطقة تقوده اليوم السعودية والإمارات ، من تدمير سورية والعراق وتمييع الموقف المصري , وتحوير سمت الصراع من “عربي- اسرائيلي” إلى صراع “سني- شيعي” يبشّر بموت القضية الفلسطينيّة.
مرّت الأشهر الستة لاتفاق مناطق خفض التصعيد حسبما كان ينص الاتفاق , وكانت النتيجة خطاباً ثلاثيّاً مشتركاً يحمل نبرة الانتصار على لسان أقطاب محور المقاومة “الأسد – سليماني – نصرالله” في معركتهم ضد طفرة استغلّت اضطراب السياسات الدولية في الشرق الأوسط لتجد لنفسها مكاناً على الخارطة الجيوبوليتيكيّة للمنطقة.
لم تكن داعش برأينا صناعة طرفٍ بعينه ، لكن استثمروا فيها ظنّاً منهم أنه استثمارٌ في سمت الصراع المنشود أمريكياً واسرائيلياً وهو “السني – الشيعي” ، دون أن يتراءى لهم خطورتها كونها تمثّل تجسيداً لصراع آخر “سنّيٍ – سنّي” ظهر على العلن بالخلاف “الإخواني – الوهابي” بين السعودية وباقي دول الخليج من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى , وفي مناسبات عدة بشكلٍ غير مباشر أبرزها استفتاء البرزاني في شمال العراق ، وبشكلٍ مباشرٍ من خلال مقاطعة قطر ومحاولة حصارها.
وما زيارة الرئيس الأسد الأخيرة إلى سوتشي سوى رسالة أن خط “طهران – دمشق – بيروت” بات يصل موسكو بالبوكمال ، ويشكّل مثلثاً يُنهي قرابة عقدين ونصف من التدخّل الأمريكي في الشرق الأوسط خدمةً للمصالح الاسرائيليّة , وإن لم يكن هذا الواقع يعجب البعض لكنه باتاً واقعاً مدعّماً بمعادلات ميزان القوى وليس مجرّد حديثٍ إعلاميٍّ بغرض الحشد والتعبئة , وعلى الطرف الآخر أن يبحث لنفسه عن صيغةٍ ما في جنيف القادم ، وأن يجعل من مؤتمر الحوار السوري القادم في سوتشي منصّةً له للنزول عن الشجرة إن كان يريد التصرف وفقاً للغة السياسة القائمة على حسابات ميزان القوى ، ولعلّ الترنّح الاسرائيلي في قضية شن حرب على لبنان تمثّل إشارةً واضحةً من طرفٍ يقرأ ميزان القوى جيّداً هذه المرّة ، بعد حرب تموز 2006 ، في أنّ محور المقاومة اليوم في وضعٍ لا يسمح باستفزازه ، وأن الحرب إن كانت ستعلن فعلى السعوديين أنفسهم اتخاذ مثل هذا القرار وتحمّل تبعاته لا أن ينتظر الاسرائيلين لفعلها.
ولعل مؤتمر الرياض القادم والتبدّلات الأخيرة في الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة ستعكس صورةً عن توجّه السعودية القادم نحو التهدئة وحسابات العقلانية السياسية لإيجاد تسويةٍ تجنّب المنطقة حرباً كارثيّةً , أو نحو الاستمرار بالتصعيد واستنزاف نفسها في حرب وصلت إليها.
“رأي اليوم”
Facebook Comments