رائد خليل | ثقافة وفن |
أتقنَ المطرب الشعبي الراحل محمد صادق حديد العزف على وتر واحد، وجعل لمقام ( أبو صادق) المبتكر معنى للعشق كتبه من أول آه إلى بحة الختام..!
وكأنَّ في كل جرة رباب على وتره المصنوع من الوريد شهيقاً للحظة الممزوجة بدمعة عين الشمع..!
تطوف العتابا حول أشعارٍ مترعة بالوجد والحنين وليالي العمر المبعثرة التي نالت منه فاستعاض عنها باحتضان لا يهدأ.. لآلة رسمت ملاحمها على صدره المليء بذاكرة المكان.
هكذا نمت على فيوض وتره همهمات لم تتلعثم أبداً، فازداد ظل المغني وارتجف البيان..!
عليي طيبين الأهل مانم
كرام وبيهم النمام ما نم
بعد هجرك حبيب القلب ما نام
إلا ودمعتي تبل التياب..
في قول هذا الهجران ، عيون معلقة على مشجب البريق.. لاتخلو من حرقة الختام.
وفي “عتابا” محمد صادق حديد، يصغي الإصغاء لرجفة متفردة تترك آثارها على وريقات الصدور وتعانق الروح بعد انتعاش من ضمة، من شدة، من كسرة تضاهي ذوبان الانتظار..!
كفى تنحت بعضمي لا يا.. باني
انضنيت ومن صدودك لايب اني
حلو ادري خديدك لايباني
كفى ماصاب قلبي من الهداب..
وأحياناً تنزلق المسرة، فتتوجس سويعات المشكاة.. على جيدها خرزة بطعم اللوم وألف حيف وألف آخ من حبيب هجر.. وهو الحارس على مدينته”سلمية” دون أزيز.. يمتشق فيها اللحن بكل أطيافه.
يا طارش لأحبابي بس رحلهم
على متوني بشيّل بس رحلهم
إنْ رادوا بيغنمهم بسرحلهم
شرط يحموا قفاي من الدياب
الآه في صرخات( أبو صادق) تلملم الكحل المرمي في مقلة الكلام، فمتى تتوالى أشكال الملامح والأوجاع تشققت من جرة في سياق الموال..؟
كأنّ لسان الحال يقول: نحن من يعضّ على إصبع النوايا ولا نفارق..!
مريت أمس العصر جيت أنشدك يا دار
يا دار قولي الصدق وين اللي يسكنك صار
قالت هليتي رحلوا ما دزو لي أخبار
ابكي واهل الدمع ما حدا يقول وش صار
والما براسو هوى ع العمر مالو كار
موتو وحياتو سوى متل الحجر بالدار
أحلى ليلي العمر أيام كنا صغار
عصفور بين الزهر قطف ورود وطار
وأبشع ليلي العمر أيام صرنا كبار
صارن بنات الدهر ينادون يا ختيار
عبالي تحارب اهلك بيدربنا
البغضة والمحبة بيد ربنا
لو الزينين مرّن بيدربنا
يغيرك ماحلي بعيني حباب
يُذكر أن المطرب الراحل محمد صادق حديد1938-2007 من مواليد قرية “بري الشرقي” منطقة سلمية، وقد أبدع في ستينيات القرن الماضي.. ومازالت مدرسته حية كربابته التي حكت الكثير من الآهات.
“البعث”
Post Views:
0