الإصلاحية | فاصل سياسي |
المشهد الحالي بإسقاط الطائرتين الإسرائيليتين، يعكس قراراً سوريّا مُبيّتاً بتغيير قواعد الاشتباك، وتوجيه رسالة ردع عن الاستمرار في التخطيط لحرب، كانت نُذر احتمالات بدئها تستبين بالتقديرات مع منتصف الربيع إلى مطلع الصيف، وكانت تُدعى “حرب الشمال”؛ التي تعني حرباً على سورية أولاً ومع احتمال أن تمتد إلى لبنان، تراها بعض مراجع إسرائيل ضرورة وقائية قد لا تتكرر؛ لأن معادلة ردع الحرب مع إسرائيل وصولاً إلى الخيار (صفر) باتت تتبلور في كل من سورية ولبنان لأسباب عديدة ليس آخرها مصنع الصواريخ في لبنان.
د. عماد فوزي الشعيبي | العامل الثاني في إسقاط الطائرتين الإسرائيليتين هو إرسال رسالة (ردع الحرب) من خلال تقديم نموذج عن عيّنات لما يمكن أن يحدث لسلاح الطيران الإسرائيلي عند استخدام دمشق لأنواع جديدة من أسلحة الدفاع الجوي؛ حيث يظهر واضحاً أن دمشق استخدمت واحدة منها وهي التي كانت تدخرها كلها للحرب الفعلية كعنصر من عناصر المفاجأة الاستراتيجية. ولعل دمشق قد قدّرت أن الحرب واقعة فلم ترَ مانعاً من استخدام عيّنة من مخزونها الاستراتيجي لردع الحرب. كما أن الرسالة هي أيضاً للقوات الأمريكية في الشمال والشمال الشرقي السوري، بعد التعرّض للقوات السورية مؤخراً، ما يعني رسالة أخرى عن القدرات التي يمكن أن توقع بالطائرات الأمريكية ما أوقعته بنظيرتها الإسرائيلية، حيث نقلت سورية عدداً من منظومات الدفاع الجوي مؤخراً للشمال. حيث ربما لا تود دمشق الاشتباك المباشر مع الأمريكيين، لكن رسالتها بالتحذير عبر الإسرائيليين، قد تكون ذات أثر مهم في إعادة الحسابات الأمريكية.
وبالبقاء في حقل العمليات مع إسرائيل: واقع الحال أن المذهب العسكري الإسرائيلي يقوم على عدة عوامل أهمها نقل الحرب إلى أرض (الآخرين!)، وهو ما تعرض للجمٍّ في حرب 2006، واستخدام القوة الجوية فائقة التفوّق لتنفيذ تكتيك الأرض المحروقة للتقدّم البرّي بدون خسائر لا يحتملها عدد سكان إسرائيل القليل وطبيعة الاستيطان فيها القائم على مبدأ الأمن، والحرب بأقل الخسائر البشرية الممكنة. وهذا هو ما أرادت دمشق توجيهه من خلال الاستهداف للطيران الإسرائيلي هذه المرة. وهذا يعني إنذاراً بأن الحرب المُقبلة إن حدثت ستكون تحت خطر عمليات بلا مذهب عسكري متماسك أو فاعل. ولهذا قلنا إنها محاولة ردع الحرب.
السيناريوهات القادمة واسعة الطيف:
أن ترد إسرائيل كما فعلت على بطاريات الصواريخ السورية؛ وهنا نحن أمام احتمالات إما أن ترد دمشق فتعاود إسرائيل جراء دخولها في إحراجات تدهور قيمة دّرة تاجها الاستراتيجي، فتكون دورة الحرب. أو أن تكتفي دمشق بالرد الأول لتعتبره رادعاً ورسالة كافية إلى أنها تردع ولا تطلب الحرب. وتمتنع عن الرد على الرد.
أن يحدث تداخل روسي يردع إمكانية الحرب بكلام أوضح مع إسرائيل، تتجنب فيه موسكو لغة الإنذار، نظراً إلى طبيعة (بناء) علاقاتها الإقليمية مع كل من إيران وتركيا وإسرائيل القائمة على التعاون لا الصدام، إلا إذا وجدت موسكو نفسها أمام لحظة الحقيقة، فتقدّر أن العملية الإسرائيلية تهدف إلى الحرب فعلاً وان تحالفها مع دمشق مُعرّض للخطر الاستراتيجي، فتضطر للتداخل بدءاً بإنذار مُشابه لإنذار 1956 أو للتداخل العمليات المتدحرج نحو حرب إقليمية-دوليّة شاملة.
فتصريحات لافروف بخصوص أن أمريكا تريد ما هو أوسع من مواجهة داعش (وربما إيران) في سورية بتقسيمها والاستيلاء على ثرواتها، أكثر من كاشف بخصوص نفاذ صبر موسكو من (لعبة الثروات) التي لم يُصرّح حولها، والتي تقف خلف أغلب ما يجرب في المنطقة. وهنا ستكون قصة الحرب الإسرائيلية أوسع من إيران وحزب الله والقوة السورية، لتتصل بما يتجاوز ذلك في (لعبة الأمم).
أن تكون إسرائيل قد بيّتت الحرب مع واشنطن لاشتباك مع إيران، بالوكالة الإسرائيلية يتيح لواشنطن التدخل طالما لديها قوات عسكرية في المنطقة، فتكون سورية ساحة العمليات، أو أن تكون إسرائيل قد قرأت أن هذه هي اللحظة الفاعلة لتوريط الأمريكي في الحرب، طالما أن الاشتباك قد تطور إلى معارك، فتكون الحرب، التي لن تخوضها إسرائيل وحدها هذه المرة. فكل الدراسات التي تأتي من إسرائيل تقول إن هذه اللحظة قد لا تتكرر لكسر تعاظم قدرة الردع في الضفة المُقابلة لها. وهنا سننتظر ما سيؤول إليه الحوار بين الدولة العميقة في واشنطن (أم ما يحبذ البعض تسميته دولة الأمن القومي) وضغوط جماعة المحافظين الجدد المُصّرة على الضربات الخاطفة التي تخلف العماه chaos (الفوضى العمياء)، وجهاز ترامب الحاكم، لمعرفة إلى أين ستمضي هذه اللحظات الفارقة.
في ظل كل هذه التقديرات المتشابكة سيبقى علينا أن ننتظر أيضاً الصراع الدائر والموحي بين الجنرالات الإسرائيليين الذين يرون أن نتنياهو يدفعهم نحو حرب لا قدرة على تحمل مستتبعاتها الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل، وبين نتنياهو الذي، إن فرض هذه الحرب فإنه سيشي بأنه ينفذ اتفاقاً استراتيجياً فعلاً مع واشنطن، وأنه ينفذه بلا تردد ودون الالتفات إلى العسكر.
المصدر: مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد”
Post Views:
0