الإصلاحية | منصة التحكيم |
«بسبب الفساد، يُحرم الناس من أبسط احتياجاتهم ويذهبون إلى الفراش جوعى كل ليلة، في حين يتمتع أصحاب النفوذ والفاسدون بأنماط الحياة المترفة دون عقاب»
د. رشا سيروب | احتلت سورية المرتبة 178 عالمياً من بين 180 دولة شملها تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي يقيس «مؤشر مدركات الفساد».
بذلك تكون سورية الدولة الثالثة الأكثر فساداً على مستوى العالم (تأتي بعد سورية دولتان فقط هما جنوب السودان والصومال)، والدولة الأولى الأكثر فساداً على مستوى دول شرق المتوسط وشمال إفريقيا (MENA). وذلك حسب التقرير الصادر في 21 شباط 2018.
سورية في مؤشر مدركات الفساد:
مهما شكّكنا في مصداقية هذا المؤشر وصوابيته ـ ونحن لا نختلف في رأينا مع الآخرين بأن معظم التقارير (إن لم نقل جميعها) الصادرة عن جهات ومؤسسات دولية سواء حكومية أو مستقلة تكون ذات بعد سياسي (يتم تسييسها لمصالح وغايات مختلفة) ـ لكن هذا لا ينفي وجود مشكلة حقيقية نعاني منها جميعاً وهي الفساد.
لم يعد الفساد مجرد حالة استثنائية تصيب قطاعاً معيناً لفترة معينة، أو تتضرر منها فئة محددة لأسباب معينة، الفساد أصاب الجميع وفي جميع الأوقات، وقد أصبح ظاهرة تستدعي قرع جرس الإنذار والتأهب بالطاقات القصوى للحد منها.
منذ 2003 أُدرجت سورية في مؤشر مدركات الفساد لأول مرة عام 2003، وحينها بلغ مؤشر مدركات الفساد 34، وحافظ على مستواه في عامي 2004 و2005، وتُعد هذه السنوات الأفضل أداء والأقل فساداً مقارنة مع السنوات اللاحقة (2006 ـ 2017)، إذ بدأ المؤشر ينخفض تدريجياً إلى 29 وثم 24 ليصل إلى أدنى مستوى له (21) عام 2008، مما يدل على أن الفساد في سورية لم يظهر فجأة خلال سنوات الحرب أو نتيجة تأزم العلاقات على المستوى الدولي (إذا سلّمنا أن التقرير مسيّس).
“لم يتم التعامل مع قضايا وملفات الفساد بشكل جدي .. وكانت سوريا تتقدم إلى الوراء طوال السنوات”
بالتأكيد تفاقم الوضع وزاد سوءاً خلال السنوات السبع العجاف الأخيرة، لأنه من الطبيعي أن ينتعش الفساد ويتكاثر في فترات الحرب وعدم الاستقرار السياسي والأمني التي تعد بيئة خصبة توفر كافة الشروط المطلوبة لنمو الفساد وازدهاره، وقد بلغ أدنى قيمة له (13 نقطة) عام 2016، لكن بيانات سنوات ما قبل الحرب دلت على أن ظاهرة الفساد في القطاع العام بلغت ذروتها خلال سنوات ما سمّي بـ «الازدهار الاقتصادي» خلال الأعوام 2005 ـ 2010 رغم التخلي عن اشتراكية الدولة والحد من تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إطار التحول نحو اقتصاد السوق الاجتماعي وانتهاج الخطط الخمسية الاسترشادية.
والشكل البياني أدناه يبين تطور مؤشر مدركات الفساد خلال السنوات (2003 ـ 2017)
تقوم المنظمة في الوصول إلى قيمة المؤشر من خلال احتساب معدل نتائج ثلاثة مصادر مختلفة على الأقل، وفي سوريا اعتمدت المنظمة على خمسة مصادر لتحديد قيمة المؤشر عن عام 2017 الذي بلغ 14، وهذه المصادر هي: (مؤشرات التحولات الصادرة عن منظمة «برتلسمان»، تصنيف المخاطر للدول الصادر عن وحدة التحريات الاقتصادية لمجموعة «الايكونوميست»، تصنيف المخاطر للدول الصادر عن منظمة «غلوبال إنسايت»، الدليل العالمي لمخاطر الدول الصادر عن مؤسسة خدمات المخاطر السياسية، مشروع أنماط الديمقراطية (V-Dem )
وهذا ما يعطينا دلالة واضحة أنه لم يتم التعامل مع قضايا وملفات الفساد بشكل جدي، بل تم الاكتفاء برفع شعارات والتصريح والتنديد بضرورة مكافحة الفساد من قبل الحكومات المتعاقبة، وبذلك كانت سوريا تتقدم إلى الوراء طوال السنوات السابقة لدرجة لا يجوز السكوت عنها.
“الدول التي تتصدر أعلى معدلات الفساد هي الدول التي تتدنى فيها مستوى حرية الصحافة ونشاط المجتمع المدني”
لقد أشار تقرير مؤشر مدركات الفساد عن عام 2017 أن وسطي المؤشر في دول العالم بلغ 43 وأن الدول التي تتصدر أعلى معدلات الفساد هي الدول التي تتدنى فيها مستوى حرية الصحافة ونشاط المجتمع المدني.
لقد تصدرت سورية قائمة الدول الأكثر فساداً في المنطقة والعالم، وهذا يستدعي منا اتخاذ قرار جريء لمعالجة الفساد بحيث أصبحت المعالجة ضرورة حتمية وخياراً لا مناص منه، بدلاً من الصمت أو التستر على الفاسدين تحت ذريعة الظروف الاستثنائية التي نمر بها (الحرب)
لماذا معالجة الفساد ضرورة حتمية؟
لا يقتصر أثر الفساد على البعد الاقتصادي وتركز الثروة وهدر الموارد العامة، بل تكمن خطورته في أبعاده الأخرى الاجتماعية والسياسية، فالفساد يفسد النسيج الاجتماعي والأخلاقي ويقوّض من سيادة القانون ويفضي إلى انعدام الثقة في الدولة ومؤسساتها، ما يؤدي إلى لجوء الأفراد إلى هويات (ما دون وطنية) اثنية أو طائفية أو عرقية أو حتى مناطقية، والتي تهدد كيان الدولة.
مشكلة الفساد أن أثره ونتائجه لا تقتصر على فترة محددة، بل تمتد منعكساته للأجيال القادمة مما يعيق القدرة على النهوض ويحول دون تحقيق التنمية المستدامة (التي شرطها الأساسي تحقيق التنمية دون الإخلال بحقوق الأجيال القادمة).
لذا فإن معالجة الفساد ضرورة ملّحة وأولوية، ولا يمكن تحقيقها من خلال التهديد والوعيد ومن خلال شعارات واستعراض إعلامي، بل يتطلب ذلك وجود إرادة سياسية حقّة تهدف إلى الحد من الفساد، ويحتاج ذلك إلى حرية الإعلام والصحافة من أجل الكشف أو الإشارة عن مكامن الفساد، ومجلس شعب فاعل قادر على المساءلة والمحاسبة، وقضاء حقيقي نزيه، مع ممارسة باقي الجهات الرقابية لدورها الرقابي والوقائي والتطويري لأداء مؤسسات القطاع العام.
ما هو مؤشر مدركات الفساد؟
يصدر في كل عام عن منظمة الشفافية الدولية مؤشر يقيس درجة إدراك المواطنين والمؤسسات للفساد ويبين قدرة الحكومة على مواجهته، ويطلق على المؤشر اسم «مؤشر مدركات الفساد» المعروف اختصاراً CPI وعرّفت المنظمة «الفساد» بأنه «إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق المصلحة الخاصة»، إذاً يقيس هذا المؤشر مدى انتشار الفساد الذي تتم ممارسته من قبل القطاع الحكومي.
يتم بناء المؤشر وفقاً لآراء مجموعة من الخبراء والمسؤولين التنفيذيين في قطاع الأعمال المشتغلين في البلدان التي يشملها التقرير، ويقومون بتقييم عدد من مظاهر الفساد في القطاع العام مثل (الرشوة، وممارسات فاسدة لاستكمال المعاملات التجارية، اختلاس المال العام، استغلال الوظيفة العامة لتحقيق المكاسب الشخصية، المحاباة في الوظيفة العامة، السيطرة على الدولة من قبل أصحاب النفوذ، قدرة عموم المواطنين في الوصول إلى المعلومات التي تتعلق بالشؤون العامة ..)، ويتم الحصول عليها من استبيانات ومسوحات صادرة عن جهات مختلفة (استند تقرير عام 2017 إلى 13 دراسة مسحية تقييمية للفساد من 12 مؤسسة مستقلة ومختصة في تحليل الحوكمة وبيئة الأعمال)، وتقوم المصادر بتقييم عدة نقاط من أهمها:
- مدى قدرة الحكومة على تعزيز آليات النزاهة والشفافية
- الملاحقة القضائية الفعلية للمسؤولين الفاسدين والعقاب
- الروتين والبيروقراطية المفرطة التي من شأنها أن تزيد من فرص ظهور الفساد
- وجود قوانين تضبط التصريح بالمكاسب المالية ومنع تضارب المصالح، وتوفير الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد والصحفيين والمحققين
ولا يشمل المؤشر فساد القطاع الخاص، ميسرو الفساد (مثل شركات التدقيق، والمحامين..)، ولا يشمل أيضاً تبييض الأموال والاحتيال الضريبي والأسواق غير النظامية.
وتشير الدرجة التي تحتلها الدولة في المؤشر إلى مستوى الفساد المدرك في القطاع العام على مقياس بين (0-100) حيث يشير الصفر إلى البلدان الأكثر إدراكاً وملاحظة للفساد في قطاعه العام، والأقل قدرة على مواجهة الفساد، ويشير رقم 100 إلى الدول الأكثر نزاهة.
وقد ميّزت المنظمة ما بين الفساد الكبير والفساد الصغير، وأوضحت:
- أن الفساد الكبير ينشأ عن الأفعال المرتكبة من قبل مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة، وهو ما ينجم عنه تشويه للسياسات وللوظائف العامة للدولة.
- أما الفساد الصغير فهو يشير إلى إساءة استخدام السلطة من قبل الموظفين الحكوميين في المناصب الوظيفية الوسطى والدنيا من خلال أدائهم اليومي مع المواطنين العاديين الذين يحاولون الوصول إلى الخدمات والسلع الأساسية مثل التعليم والصحة والنقل وغيرها.
المصدر هاشتاغ سيريا
Post Views:
0