الاصلاحية |
ليس الوضع السياحي في اللاذقية بخير، وما يمكن أن نراهُ من «عجقةٍ» سياحيّةٍ صيفاً، لا ينجم عن سياسةٍ سياحيةٍ جادّة وناجحة، ولكن الذي يحصل هو ضمن الحدود المتواضعة جداً، وليس أكثر من استجابةٍ بسيطة لطبيعةٍ رائعة وهب الله بها بلادنا، التي تكتنز الكثير من الطاقات والقدرات السياحية المهدورة.
علي محمود جديد | فالطبيعة الرائعة والخلاّبة التي تمتاز بها المنطقة الساحلية، الغافية على شاطئ البحر، والمُطلّة عليه من تلك الجبال الخضراء الشاهقات، التي تشقّها الأنهار والوديان، وتُدغدغها الينابيع والعيون، وتكسوها البساتين والغابات فتكسبها جمالاً ساحراً، هذه الطبيعة تبدو في أغلبها وكأنها ما تزالُ بكراً، وهي شبه متروكةٍ للتقادير والصدف، رغم أنها يمكن أن تُشكّلَ رافداً قوياً لاقتصادنا الوطني، في حال تمكنّا من إدارة الاستثمار فيها بشكلٍ جيد، وشجّعنا عليه فعلياً، وبعيداً عن التعقيدات والاشتراطات التي لا طائل من أغلبها.
السيد محمد خطاب أحد خبراء السياحة المخضرمين في محافظة اللاذقية، والذي كان مديراً سابقاً للسياحة فيها، تحدث عن السر الكامن وراء عدم تناسب النهوض السياحي في هذه المحافظة، مع واقعها الجمالي الطبيعي الساحر قائلاً: بصراحة لا يوجد إرادة حكومية حقيقية بعد، من أجل إقامة سياحة، ونهوٍض سياحي فعّال في هذه المحافظة، يتناسب مع جماليتها، كما أنّ هناك عوائق كثيرة ما تزال قائمة، ومتطلبات سياحية غائبة عنّا، أو مُغيّبة بفعل العادات والتقاليد، المُسيطرة على حياتنا وأفكارنا، وهي تحدّ كثيراً من حرية السائحين، وتقف حائلاً أمام تأمين احتياجاتهم ورفاهيتهم المنشودة، ومهما حاولنا تجاهلها، فإن هذا لا يفيد بشيء إن كنّا بالفعل نريد حياةً سياحية متألّقة وجذّابة، ومنافِسة.
وحول نفس الموضوع اعتمد مدير السياحة الحالي السيد رامز بربهان الجواب الجاهز دائماً عند القطاعات الفاشلة، وهو أن الأزمة، ومضاعفاتها الناجمة عن الحرب الظالمة على سورية، كان لها بالغ الأثر في جمود الحركة الاستثمارية، وتوقف المستثمرين عن العديد من المشاريع السياحية التي كانت بحكم المؤكدة.
ولكن هذا الفرق الكبير بين جمال الطبيعة وطاقاتها الكامنة، وبين الإقبال على السياحة، وعلى الاستثمار السياحي في هذه الطبيعة، واتخاذ خطواتٍ جادّة وواثقة لاستغلالها سياحياً، أمر ليس بجديد، فلقد كان هو السائد قبل الأزمة والحرب الظالمة على سورية، ما يعني أنّ هناك سياسة سياحية فاشلة بحالة مزمنة، لا ترقى إلى محاكاة هذه الطبيعة.
لم يُكترث كثيراً لهذا الطرح، وكالعادة يكون الكلام الصادر عن الهيئات السياحية كبيرا في جماله ومُطمئنا، ولكن المشكلة على الأرض إذ لا نجد شيئاً مميزاً، وأضاف بربهان: «هناك خطة كبيرة وواسعة اعتمدتها وزارة السياحة من العام 2017 إلى 2021، للنهوض بالواقع السياحي في سورية، ومن ضمنه السياحة في المنطقة الساحلية، وبإنجاز هذه الخطة سيتغيّر الواقع السياحي بشكلٍ كبير»، غير أنه قال بأنّ هذه الخطة ليست للنشر الآن، وقد أتاح لي – مشكوراً – إجراء تصفّحٍ سريع لهذه الخطة، ولا أذكر أنني رأيتُ فيها بنداً جديداً لم نسمع به من قبل، ولم يجرِ الحديث عنه كثيراً، فلا أدري كيف يمكن الركون إلى مثل هذه الخطة في الوقت الذي لم تنتهِ به بعد تلك الاستراتيجيّة التي كانت وزارة السياحة قد وضعتها تحت عنوان ( استراتيجية الوزارة 2016 – 2018)، والتي تضمّنت أربعة أهداف رئيسيّة، لم يتحقق منها شيء بعد، إلاّ على نطاق ضيّق.
الهدف الأول من هذه الاستراتيجية تتمثّل في إيجاد آليات نوعية للتنمية السياحية وإعادة الإعمار وفق الموارد المتاحة، والعمل على إعادة إعمار المباني والمنشآت السياحية المتضررة، التابعة للوزارة وللقطاع الخاص الناجمة عن الأعمال الإرهابية، وتحقيق تدفق رؤوس الأموال الوطنية والصديقة، وتعزيز دور القطاع الخاص نحو مراحل استثمار سياحي مغرية وجذابة في مناطق محددة، ومن ثم التوسع عبر زيادة معدل السياحة حتى تحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة، وطبعاً هذا كله لم نرَ منه شيئاً! كما لم نرَ شيئاً من هدف دعم إقامة مشاريع سياحية صغيرة ومتوسطة تُسهم في تنمية المجتمع المحلي، ولم نرّ أي عملٍ مع الشركاء المحليين كالمنظمات والمؤسسات والجامعات الحكومية لإعادة الإعمار، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، كما أننا لاغ نعرف – بصراحة – ما هي المسؤولية الاجتماعية سياحياً، ولا كيف سيجري العمل على تعزيزها؟!
ومن ضمن بنود الهدف الأول برزت مسألة تنمية وتشجيع الاستثمار الوطني في الصناعات التقليدية واليدوية، وهذا شيء جيد بالتأكيد، لأن الصناعات اليدوية تُعتبر جاذبة للسياحة، غير أن تنميتها وتشجيعها لا يأتي بمجرّد ندوة، رغم أنّ هذه الندوات أخذت مؤخراً نمطاً مختلفاً يشير إلى اهتمام واضح قد يحقق بعض النتائج، حيث أطلقت وزارة السياحة مؤخراً برنامجاً وطنياً للتنمية المستدامة للحرف التقليدية، وقيل خلال الإطلاق أنّ الوزارة تدعم الحرف التراثية السورية، سواء من خلال إقامة المعارض وورشات العمل، وإطلاق العديد من المبادرات التي تساهم بالترويج للحرف اليدوية المميزة، ومنها مبادرة (هديتك من سورية)، والتي تهدف لإيجاد منافذ بيع للحرف اليدوية المميزة خارج سورية، فضلاً عن إطلاق برنامج ترويجي للحرف التقليدية يتم العمل عليه بالتعاون مع شركاء – كما تروي الوزارة – في اتحاد الحرفيين والأمانة السورية للتنمية، في إطار السعي للتركيز ليس فقط على موضوع الترويج وإنما تأمين الأسواق التراثية المناسبة، ضمن الاهتمام الحكومي لتعويض الضرر الحاصل للحرفي السوري، والذي يعتبر سفيراً لسورية في الخارج.
في الواقع مثل هذا الكلام سمعناه كثيراً، وسمعنا الأحسن منه، ما يدفعنا لعدم أخذه على محمل الجد، ولكن وبصراحة دخول (الأمانة السورية للتنمية) كشريكٍ له هذه المرّة، فهذا يعطي الأمر بارقة أملٍ كبيرة، لأننا نعرف جميعاً مدى جديّة هذه الأمانة إن تبنّت أمراً معيناً.
أمّا بالنسبة للهدف الثاني: فمن بنوده تشجيع الاستثمار السياحي، وتهيئة المناخات الاستثمارية المواتية لإعادة بناء الثقة مع المستثمرين، وهذا هدف جيد، تَضَمّن اعترافاً موضوعياً بفقدان الثقة عند المستثمرين، وهذا ما يجب العمل عليه جيداً وبنائه سلوكياً وقانونياً، لم نرَ شيئاً منه حتى الآن، ولكننا سننتظر.
ومن بنود الهدف الثاني طرح مناطق تطوير سياحي في الساحل السوري جاذبة للاستثمارات، يقوم فيها المستثمرون وشركات التطوير الكبرى المتخصصة بتمويل وتنفيذ البنى التحتية، وعرضها للاستثمار السياحي كمدن وقرى سياحية متكاملة.. وهذا شيء رائع أيضاً ولكننا لم نرَ منه شيئاً بعد، ولسوف ننتظر أيضاً.. ومن البنود أيضاً تبسيط إجراءات التراخيص السياحية وصولاً لإحداث النافذة الواحدة لتكون الواجهة الوحيدة أمام المستثمر السياحي، هذا شيء رائع أيضاً، ولا أدري ما الذي يمنع من ذلك أن يكون، ومنذ عشرات السنين؟!
الهدف الثالث: تَمثَّل في بعض بنوده بانتهاج توجهات جديدة في سياسات الترويج الداخلي والخارجي، وهذا أقرب إلى الكلام عمّا هو إلى الفعل، لاسيما أن ضبط وترشيد الإنفاق الحكومي كان من صلب هذه الخطة، والذي يريد ترشيد الإنفاق لن يستطيع الترويج الجيد سلفاً.
وتحدّث الهدف الرابع عن رفع كفاءة الإطار المؤسسي وتطوير إمكانياته لتلبية متطلبات القطاع السياحي، هذا لم نفهم منه شيئاً!.. وتحدّث الهدف الرابع عن الارتقاء بمستوى الأداء في الوزارة، وغرس ثقافة التميز بين جميع الموظفين وعلى اختلاف مستوياتهم، واعتماد الأداء والكفاءة كمعايير للقياس والتقييم تجسيدا للشفافية والموضوعية، وهذا الكلام سمعنا منه الكثير، فالمعايير هي ذاتها، ما تزال للوساطات والمحسوبيات، فهنا مكمن الكفاءات، ومعايير القياس.
أشير أخيراً إلى أن السيد مدير السياحة في اللاذقية زوّدنا مشكوراً بتقرير عن أداء مديريته خلال عام 2017، وقد أقنعت نفسي بعدم نشرها لأنها في الحقيقة هي أعمال في أغلبها لا علاقة لها بالسياحة، كمنح استمارات تأهيل سياحية، ومنح تأهيل ميداني، ومنح رخص إشادة، وتعديل رخص، وموافقات على ترخيص، والقيام بجولاتٍ رقابية وتنظيم ضبوط، العمل على تنمية الريف الفقير، والغريب أنني أنا (كاتب هذا المقال) من ذلك الريف الفقير ولم ألحظ أن مديرية السياحة قد فعلت شيئاً من هذا القبيل.. ولا أيّ شيء!
يبدو أننا لم نستطع بعد الخروج من عباءةِ صفِّ الكلام وتنميقه، وكأننا بذلك قد انتصرنا على مشاكلنا وعراقيلنا، لذلك قلنا في البداية، ونقول الآن في النهاية ليس الوضع السياحي في اللاذقية بخير .
جريدة الايام
Post Views:
0