الاصلاحية | منصة التحكيم |
في إحصاء غير رسمي ، تسلل رقم “أسود” إلى التداول في العام 2010 ، يزعم أن كلفة الفساد في سورية وصلت إلى ما نسبته 30 % من الناتج الإجمالي للبلاد ..وكان الناتج في ذلك الحين 2700 مليار ، أي 2،7 تريليون ليرة ، وتكون حصّة الفساد بذلك 900 مليار ليرة .
ناظم عيد | الرقم ليس لافتاً بما أننا مازلنا غير متفقين على تعريفٍ واضح للفساد ، سيما أن الفساد لا يقاس بالأرقام فقط ، كما أننا لسنا في وارد الحديث عن الظاهرة .
إلّا أن المهم في الأمر هو أبرز المطارح المصنّفة “أكثر فساداً”…وهنا لن نحتاج إلى مزيدٍ من القرائن لنتيقّن بأن قطاع التعاون السكني تبوأ مرتبة متقدمة في هذا المضمار ، خصوصاً في تلك الحقبة الذهبية التي شهدت فورة استثمار عقاري غير مسبوقة ، ولم يكن سراً – حتى في عقود سابقة – أن مجالس إدارات الجمعيات السكنية أثرت على حساب طالبي السكن أصحاب الحاجات ، وصاحب الحاجة “أرعن” إلا باستثناءات قليلة.
وباسترجاع مجمل المشهد العام ، يقف أمامنا سؤال ملح كأنه يتحدّنا أو يسخر منّا ، طالما لم نجد من يفصح عن إجابة شافية بشأنه ، وهو لماذا انتصر نظام الجمعيات السكنية على كل الانعطافات والتحولات الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية في سورية ، وبقي كإرث هزيل – ربما بات الوحيد – من تركة الاشتراكية ؟؟!!
والإجابة ليست لغزاً محيراً ، بل باتت من البدهيات حتى الشعبيّة ، بعد الروائح النتنة التي فاحت من هذا القطاع المغلّف بسرديات الشك والريبة !!
فقد استطعنا تحديث أدق تفاصيل حياتنا التنفيذية بكل قطاعاتها ، و أبقينا على “كذبة” بعض الجمعيّات السكنيّة أو بعضها كبؤرة فساد وابتزاز عفنة ، و حلقة بغيضة للمتاجرة بأحلام وحاجات الباحثين عن مسكن ،؟!
للتو “زفّ” لنا المهندس حسين عرنوس وزير الأشغال العامّة والإسكان بشرى سعيدة ، مفادها أن قانوناً جديداً للتعاون السكني في طريقه للنقاش في مجلس الشعب ، أي إلى الإقرار ومن ثم استكمال أسباب الصدور..بالطرق التقليديّة.
الواقع ورغم أن الوزير عرنوس يتحدّث عن “إنجاز” لوزارته ، إلا أن الإنجاز الفعلي الذي كان سيُسجّل له في تاريخ مديد من عقود السنين القادمة ، لو أنه اقترح وبدأ – بحدود صلاحيات وزارته – بإجراءات إلغاء مجل فكرة التعاون السكني ، وبتر ظاهرة الجمعيّات تماماً ، لما اعتراها من ارتكابات ، وإن كان ثمة استثناءات ، لكنها لا تشفع باستمرارها..
ولعلّه يدرك – هو الشخص المتزن واللمّاح – أن لا خسارة بتاتاً في مثل هذا الإجراء ، بل ثمة وفر و أرباح هائلة ستتحقق إن فعل .
وعلى الأرجح لم يغب عن ذهن الوزير والرجل التنفيذي المخضرم ، أن معظم ” أرباب ” الجمعيات السكنية وحواشيهم دفنوا الفقر والعوز إلى أبد الآبدين ، وخرجوا من بملكيات و رساميل أهّلتهم لخوض غمار استثمارات عصيّة على الخسارة ، معظمها كان في القطاع العقاري بعد أن عرفوا خباياه وباتوا خبراء فيه لا يُشقّ لهم غبار.
بالفعل لا داعٍ للتعاون السكني مطلقاً ، و إن كانت الفكرة لازمة في حينها ، رغم أننا لسنا ممن يملكون الحجة للدفاع عنها و إثبات نجاعتها ، لأننا سمعنا وعايننا مشتركين شاخوا قبل أن يحظوا بمسكن اكتتبوا عليه في جمعيّة ، إلا أنهم صنفوا أنفسهم في عداد الغانمين ، بسبب فروقات الأسعار التي رتبتها 20 أو 30 سنة من مدد التنفيذ .
أما البديل فهو اتحاد المقاولين ، وهيئة التطوير العقاري ..ألم تتحدث وزارة الإسكان عن قانون تطوير عقاري عصري في طريقه للظهور أيضاً ، أم هذا مجرد هُراء واستعراض كلامي أيضاً ؟؟
المهم كسر و إلغاء الحلقة الوسيطة وهي الجمعيات ومجالس إداراتها ، لتبقى العلاقة بين محصورة طالب سكن ومقاول ..الأول يعرف مصلحته جيداً والثاني كذلك ، ورقابة التنفيذ قائمة من قبل اتحاد المقاولين و نقابة المهندسين و مجالس المدن والمحافظات ، أما حقوق الطرفين فمحفوظة بموجب عقود واضحة وصريحة.
وقد ثبت بالتجربة أن المستثمر العقاري أو المقاول – فرداً كان أم شركة – أذكى من أن يغرق في مشروع لمدة طويلة لأنه يهرب من دورات رأس المال البطيئة ، بالتالي ينجز مشروعه “على المفتاح” قبل أن تكون الجمعية قد انتهت من شراء الأرض و دراسات الموقع.
على وزارة الإسكان والحكومة أن تنهي فوراً “مسرحية” الجمعيات السكنية ، وتمسح معالم هذه البؤرة المتجددة للفساد ، وحسبها أن تنجح في معالجة وضع الجمعيات القائمة وفكفكة تعقيداتها، بعد أن تعلن أن لا تراخيص جديدة مهما كانت المسوغات ، فهذا الملف بات معيباً ولا يجوز أن نحمله معنا إلى “سورية ما بعد الأزمة” ، فهو بحدّ ذاته أزمة.
الخبير السوري
Post Views:
0