الاصلاحية |متابعات |
اعتبرت دراسة صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” اعتبرت مسودة مشروع قانون الاستثمار، بحسب ما ورد في مضمون المواد والفقرات التي جاءت في متن الصيغة الأولية المطروحة للنقاش (المسودة الثالثة)، يكتنفها مجموعة كبيرة من نقاط الضعف والخلل.
وعرضت الدراسة التي أعدها الباحث في المركز وهو أيضاً عضو المجلس الاستشاري في رئاسة مجلس الوزراء الدكتور مدين علي تلك النقاط وفق الآتي:
- تسيطر على بعض مواد القانون وفقراته مساحة واسعة من الضبابية وعدم الوضوح، إذ وردت عبارات مطاطة، تفتح المجال لتفسيرات متباينة واستنسابية، وتقديرات جزافية، ووجهات نظر شخصية مختلفة، ما سيجعل مشروع القانون فيما لو تحول إلى قانون، مدخلاً لتوسيع دائرة الفساد، وتغليب المصالح الفئوية الضيقة، على حساب الصالح العام والمصالح العليا للدولة والمجتمع السوري.
ما يعني أن مشروع القانون بصيغته الأولية المطروحة لا يعد إطاراً يكرس الشفافية والوضوح، ولا يشكل رافعة لتحفيز الاستثمار والتنمية وإعادة الإعمار؛ بل على العكس من ذلك، إذ إنه وبسبب الغموض الذي يكتنف بعض الصياغات وبسبب العبارات المطاطة والمخاتلة التي تتخلل بعض مواده، أو فقراته، قد يتحول إلى غطاء قانوني لشرعنة الفساد، ما سيزيد الطين بلة، ويضع العراقيل القانونية أمام أي محاولة إصلاح جدية وحقيقية.
- لا توحي مسودة مشروع القانون المطروحة، بأن ثمة تغيراً قد حصل في سورية لجهة ما يتعلق بالرؤية والذهنية والنهج، ولا حتى في آليات ومداخل مقاربة الشأن العام والسياسة العامة، وكأن شيئاً لم يحصل في سورية، والأمور مرت وتمر بسلام، ما يعني أن الحرب الضروس والدمار الكبير لم يكونا كافيين، للتأمل والتركيز، لاستخلاص العبر والدروس. وعليه فإن مشروع القانون بالصيغة المطروحة، لا يلبي طموح الشعب السوري، ولا يرتقي إلى مستوى التحديات، التي فرضتها الحرب، المقدر أن تستمر لسنوات، وربما لعقود من الزمن.
- يُلاحظ بصورة عامة أن القانون يمنح هيئة الاستثمار صلاحياتٍ ومهاماً إضافية، ليست من اختصاصها، ولا يمكن، ولا يجوز أن تكون من اختصاصاتها، ولا تملك من الناحية العملية، الخبرة التاريخية، ولا الإحاطة، ولا الكوادر، ولا القدرة الكافية للقيام بها. وهي مهام تندرج بالأساس في نطاق مهام ومسؤوليات واختصاص هيئة تخطيط الدولة، المعنية اختصاصاً بإعداد الخطط، ورسم البرامج، وتحديد الأولويات والبرامج واقتراح السياسات.
- إن صيغة المسودة المقترحة تكرس مزيداً من تركيز الصلاحيات وتركزها بيد هيئة الاستثمار على حساب البنى والمؤسسات الحكومية التخطيطية والتنموية، والقانونية والقضائية …. وغيرها صاحبة السلطة والاختصاص، وهذا غير صحيح من الناحية العملية.
كما أشارت الدراسة إلى ما قالت إنها ملاحظات تفصيلية حول مضمون المواد والفقرات:
- ورد في المادة (1) فقرة (ح) المتعلقة بتعريف الاستثمار عبارة (عن طريق أحد المصارف أو شركات الصرافة والحوالات)، ويبقى السؤال المطروح لماذا هذا التحديد غير المبرر من الناحية العملية!؟
- في المادة (3) وردت عبارة “مخالفة” في الفقرة (و). والسؤال من يحدد أن المستثمر مخالف أو غير مخالف؟ وعلى أي أساس؟ لا بد أن يتضمن النص تحديداً لجهة أو لطرف ثالث، غير هيئة الاستثمار (التي لا يمكن أن تكون الخصم والحكم)، تُسند إليها أو له مسؤولية تحديد وجه المخالفة، وحجمها وطبيعتها. وعليه نعتقد بأن الفقرة بصيغتها الراهنة ضبابية، لا تكرس الشفافية والوضوح، ولا تحفز على الاستثمار، بل قد تفتح الباب للفساد والإفساد وتركيز السلطة والصلاحيات.
- المادة (4) الفقرة (أ) تقول إنه سيكون هناك قائمة بالمشروعات والقطاعات ستصدر سنوياً، يحددها المجلس الأعلى للاستثمار. والسؤال هل لدينا تصور حتى الآن حول المشهد الاقتصادي، كيف سيكون؟ وبأي أولوية محكوم، وبأي اتجاه سيذهب؟ وعلى أي أساس سيحدد المجلس القائمة؟ وهل أن ذلك من صلاحيات هيئة الاستثمار؟ كما تتضمن الفقرة (أ) من المادة (4) عبارة تقول إن “المزايا والحوافز يمكن أن تتغير سنوياً”. أليس في ذلك مشكلة، يمكن أن تخلق نوعاً من التردد والتشويش والقلق، وربما الإحباط، جراء المعاملات التمييزية بين مستثمر وآخر، وربما على استنسابية ومعايير غير موضوعية؟ كما ورد في الفقرة (د) من المادة 4 عبارة تقول أنه: “يجب الأخذ والقبول باعتراض مجلس الإدارة” حول الخلافات. وهذا غير صحيح، لأنَّ الفصل والبت بالموضوع، يجب أن يكونا من قبل القضاء أو جهة أخرى ثالثة، وعدم ترك الأمور لتقديرات مجلس الإدارة فقط، ما قد يخلق بيئة للاستنسابية والتفاوض والابتزاز.
- المادة (5) فقرة (أ). تتحدث عن مزايا لمناطق متضررة. وهذا يحتاج إلى نقاش وتدقيق، كيف، وعلى أي أسس يتم تحديد المناطق المتضررة؟ وما هي أوجه الضرر وأنواعه؟ نحن نتحدث عن الاستثمار في سورية بصورة عامة، فالمزايا يجب ألا تمنح لمناطق معينة، تصنف كمناطق متضررة؛ بل يجب أن تمنح المزايا لجميع المشاريع، وفي مختلف المناطق في عموم المحافظات السورية، أما المناطق المتضررة فيمكن أن تُخصّص بمعاملة خاصّة عن طريق قانون خاص، يتضمن بعض المزايا والتسهيلات الخاصة. أيضاً في الفقرة (ب) المادة نفسها (5)، ترد عبارة “تمنح الإعفاءات والمزايا، بناءً على قائمة تصدرها الهيئة وبالتنسيق مع الجهات ذات الصلة” السؤال: من هي هذه الجهات؟ وهل يجوز حصر منح المزايا والإعفاءات بناءً على قائمة تصدرها الهيئة، بالتنسيق مع جهات ذات صلة غير معروفة؟ وهل يدخل ذلك في نطاق اختصاصاتها ومسؤولياتها؟ أليس من المحتمل أن يفتح العمل بموجب هذه النصوص الباب للتقديرات والمحسوبية والمصالح الشخصية والفئوية الضيقة، وبالتالي يفتح باب الفساد على مصراعيه بوساطة قائمة حركية تتغير بصورة مستمرة، بناءً على مقاسات معينة؟ لذا نرى أنه من الواجب إعادة النظر بهذه الفقرة جملة وتفصيلاً، وبالتالي تحديد المراجع المتخصّصة التي لديها الخبرة العملية، والدراية بضرورات التنمية وأولوياتها (هيئة تخطيط الدولة على سبيل المثال، مجالس استشارية ذات صلة وخبرة)، التي على أساس خبراتها وتقديراتها ودراساتها يتم منح المزايا والإعفاءات، ومن ثم تحديد الأولويات.
- ورد في الفقرة (أ) من المادة (6) عبارة “مناطق وقطاعات وأنشطة، تقترحها الهيئة بناء على احتياجات الاقتصاد الوطني” السؤال المطروح هو: من يقرر وكيف تتقرر الاحتياجات والأولويات. هل تستطيع الهيئة بواقعها وقدراتها وخبراتها المتواضعة وحدها أن تقرر الاحتياجات والأولويات؟! إن استحقاقات العملية أكبر من ذلك بكثير. إنها عملية معقدة تحتاج إلى دراسات معمقة للاقتصاد السوري لتحديد الأولويات والاحتياجات، وكذلك تحديد رهانات التنمية وخياراتها، وكيفية إعادة الإعمار، كما تحتاج إلى وجود رؤية وطنية شاملة، تتحدد بدورها في ضوء نتائج حوار وطني حول المسألة الاقتصادية ونموذج التنمية، وبخلاف ذلك تبقى المسألة خاضعة للمزاج والفساد.
كما ورد في الفقرة (ب) من المادة (6) عبارة “تحديد قائمة بالمشاريع التي تستفيد من المزايا والإعفاءات”. أيضاً القضية تحتاج لمراجعة، لابد من وجود أسس واضحة وشفافة، كي لا يتحدد مصير المستثمر ومستقبله في ضوء مصالح معينة، وتقديرات غير موضوعية، أو في ظل قانون يشرعن الفساد. كما تحتاج الفقرة (ج) من المادة (6) لإعادة نظر، بحيث يتم تحديد الأسس التي بناءً عليها يتم منح المزايا، ذلك طبقاً لضوابط ومعايير محددة على أسس علمية.
- المادة (9) الفقرة (ب) المتعلقة بالآلات والتجهيزات: من يقرر، ومن هي الجهة التي ستدقق بالمواصفات والمعايير، وتعد التقارير حول الآليات والتجهيزات والتقنيات؟ هل تكفي وجهة نظر هيئة الاستثمار ورأيها في ذلك؟ ألا يشكل ذلك باباً للفساد. في ضوء ما تقدم نقترح إعادة النظر بالمادة (9) الواردة في مسودة القانون.
- المادة (10) موافقة الهيئة على الآلات والتجهيزات لا تكفي، يجب فتح تحقيق، وتحديد طرف ثالث يبت بالموضوع، كي لا يصبح ترخيص الاستثمار إجازة استيراد بمجرد موافقة الهيئة على الاستيراد.
- المادة (11): وردت عبارة “الجهات المختصة” وهنا نعتقد أنه لابد من تحديد الجهة المتخصّصة.
- ورد في المادة (14) مقولة “صعوبات يقدرها مجلس الإدارة”. لابد من وجود طرف ثالث يقدر هذه الصعوبات، وعدم ترك المسألة بحدود صلاحيات مجلس الإدارة. كما ورد في المادة 14، فقرة (د) أنه يجب عدم السماح للخبراء والعمال والفنيين بتحويل أكثر من (50%) من الأجور. والسؤال: كيف نسمح للمستثمر أن يحول كامل أرباحه، ولا يسمح لخبير أن يحول أجره!؟ لذا نرى ضرورة التغيير لجهة السماح للخبراء والفنيين تحويل ما يريدون من أجورهم. كما نرى ضرورة انسجام القانون لجهة ما يتعلق بعمليات التحويل مع أنظمة القطع الصادرة عن مصرف سورية المركزي، سواء كان بصيغتها الراهنة أو بصيغة معدلة.
- ورد في المادة (15) بأنه يجب على المستثمر أن يقدم دراسة جدوى كشرط للترخيص. إن دراسة الجدوى أساس ومطلب هام، لكن واقع التجربة التاريخية، يؤكد أن دراسة الجدوى الاقتصادية في سورية، تحولت سابقاً إلى مجرد وثيقة لاستكمال الإضبارة، لا أكثر ولا أقل، تشترى من مكاتب ومحاسبين قانونيين، وتجربة القروض المتعثرة فيها من الدروس والعبر ما يكفي. لذا نرى ضرورة أن تكون دراسات الجدوى حقيقية، تعدها وتدققها جهات أكاديمية وبحثية متخصصة بشؤون الاقتصاد والتنمية، معتمدة من قبل الدولة، ولديها خبرة كاملة بالاقتصاد السوري.
- نقترح في المادة (17) إضافة فقرة تقول “يحق للمستثمر الطعن واللجوء إلى بدائل أخرى غير المحددة في مسودة مشروع القانون لحل النزاع إذا التمس ظلماً.
- ورد في الفقرة (ب) من المادة (18) عبارة تقول “يحق للهيئة تمديد سنة إضافية” وهنا نقترح إضافة شرط أن يتم تقديم المبررات والأسباب الموجبة وعرضها للجهات المتخصّصة للتدقيق والدراسة والموافقة عليها، ومن ثم تقوم الهيئة بالتمديد. كما ورد في الفقرة (ج) المادة (18) وردت عبارة ” مالم يكن هناك أسباب ومبررات تقتنع بها الهيئة” وهنا نقترح ألا تكون الهيئة صاحبة الحق الوحيدة في البت بالموضوع.
- ورد في المادة (19) عبارة “موافقة مجلس الإدارة” وهنا يجب ألا تنحصر الموافقة بمجلس الإدارة فقط. كما أنّه لابد من الحصول على موافقة جهات أخرى متخصّصة بقضايا الأمن الوطنيّ.
- ورد في المادة (25) عبارة “يصدر المجلس قائمة سنوية بالمشاريع والقطاعات والأنشطة التي تستثنى من أحكام هذا القانون” نقترح ألا تحصر المسؤولية بالمجلس فقط؛ بل يجب إشراك جهات أخرى كهيئة تخطيط الدولة ووزارة الاقتصاد ولجان متخصّصة.
- ورد في المادة (26) عبارة “تحدد المناطق التنموية والمتضررة من قبل المجلس بناء على اقتراح الهيئة” هل أن ذلك من اختصاصات الهيئة؟ وهل تمتلك الهيئة المعايير والأسس اللازمة للتحديد!؟ إن المسألة تتجاوز حدود قدرات الهيئة وإمكاناتها وصلاحياتها. بمعنى لابد من وجود مؤسسات ولجان أخرى لديها الخبرة العلمية والعملية.
وانتهت الدراسة إلى استنتاجات تقول إن مسودة مشروع قانون الاستثمار المقترحة، لاتشكل بماهي عليه، مقاربة منطقية لخلق بيئة استثمارية، يمكن الانطلاق منها، والتأسيس عليها، وعليه وضعت الدراسة عدة اقتراحات:
- عدم التسرع في استصدار القانون، وفتح باب المشاركة في مناقشته أمام مراكز الأبحاث والأكاديميين، ومختلف القوى السياسية والاقتصادية، التي لها كلّ الحق في المشاركة في مناقشة مشروع القانون، نظراًلما قد يترتب عليه من آثار ومنعكسات تنموية وتوزيعية، تشكيلية وهيكلية من منظور بنيوي تكويني، تهم مختلف الشرائح، وجميع المكونات المجتمعية على امتداد الجغرافيا السورية.
- إعادةالنظر بصلاحيات هيئة الاستثمار، وإجراء مطابقة بين قانون الهيئة، وما يتضمنه مشروع القانون المقترح. وإذا كانت مسودة القانون كما وردت، منسجمة مع صلاحيات الهيئة وقانونها، لذانقترح إعادة النظر بصلاحيات الهيئة ومهامها، تحديداً لجهة ما يتعلق بدورها في تحديد مضمون التنمية ورهاناتها، والمناطق التنموية والأولويات والاستراتيجيات، وغير ذلك من صلاحيات ومهام، تتحدث عنها مسودة المشروع، وكأنها من اختصاص الهيئة وصلاحياتها.
- رد الاعتبار بالاختصاص والمسؤولية والمهام لجهةمايتعلق بإعدادالخطط والبرامج ورسم الاستراتيجيات التنموية لهيئة تخطيط الدولة، وتحديد مهام هيئة الاستثمار كذراع فنيةمتخصصة، ينحصر دورها ومهامها وصلاحياتها في نطاق عملية الترخيص والمتابعة، وتقديم الدعم اللوجستي.
- إحداث غرف محاكم ومراكز متخصصة في عملية التحكيم وفض النزاعات والخلافات المتعلقة بقضايا الاستثمار، واستبعاد أي دور لهيئة الاستثمار في هذا السياق.
- يجب أن تتم صياغة مواد القانون وفقراته بعبارات واضحة وشفافة، لاتحتمل التأويلات ولا التفسيرات ولا وجهات النظر الشخصية ولا المقاربات الاستنسابية والقياسية.
- صياغة القانون،بحيث يتضمن إشارة واضحة وصريحة لأسماء الجهات المتخصّصة، وعدم ترك عبارات من قبيل (الجهات المختصة).
- عدم التمييز بالمعاملات والمحفزات والتفضيلات بين مناطق متضررة، ومناطق غير متضررة، فالقانون هو قانون استثمارلكل سورية،ولجميع المناطق دون تمييز. مابخصوص المناطق المتضررة فيمكن أن يكون لها قانون خاصٌّ بها.
وأوضحت الدراسة أنه وفي جميع الأحوال إن استصدار صك تشريعي (قانون استثمار) يعد مدخلاً ً هامّاً، لكنه غير كافٍ،لأن تحفيز الاستثماري حتاج لتوافر شروط ومتطلبات أخرى، تتجاوز بأهميتها مسألة الحوافز والإعفاءات والتسهيلات التي يمكن أن يتضمنها قانون الاستثمار، منها: الاستقرار السياسي والأمني، وضوح الرؤية الاقتصادية والخيارات التنموية والقطاعية، بنية مصرفية وسياسة نقدية ومالية شفافة ومرنة، وضوح القوانين والتشريعات، استقرار السياسات والقوانين الاقتصادية، وجود أسواق حقيقية بالمعنى الجغرافي والاقتصادي، وجود قضاء عادل ونزيه وشفاف مطابق للمعايير الدولية، موارد بشرية مؤهلة ومدربة بصورة جيدة، وجود بنية تحتية صلبة وناعمة (طرق ومطارات وموانئ وسكك حديد وانترنت واتصالات وكهرباء ومياه …) قوية ومتينة. يمكن التأسيس عليها لبناء قاعدة اقتصادية إنتاجية حقيقية لمرحلة مابعد الحرب.
اقرأ ايضاً: المجلس الأعلى للاستثمار يعاود نشاطه بجلسة “عصر” ذهني لانتاج قانون استثمار “عصري”!
Post Views:
0