أحوال شخصية| أماني صديق |
أثار ما نشرته إحدى الصحف المحلية حول إعداد مشروع قانون لتعديل مواد في قانون العقوبات العام عن فرض عقوبة بالحبس من عشرة أيام إلى ستة أشهر على كل من يعقد زواجاً خارج المحكمة سواء أكان المتعاقدين (الزوجين) وممثليهم والشهود المختصة قبل إتمام المعاملات التي ينص عليها قانون الأحوال الشخصية ، والحجة أن 70 % من حالات الزواج عرفي، أثار جدلاً واسعا في المجتمع السوري وأوساط رجال القانون.
الاصلاحية | خاص | إذ لم يكتفي المشرع بعقوبة السجن فأتبعها بمخالفة قد تصل إلى 10 آلاف ليرة سورية، وبرر أن هدف مشروع القانون الحد من الزواج العرفي، والذي يأتي مسماه من الأعراف والتقاليد التي نشأ عليها مجتمع فيه بيئات بنسب ليست بالقليلة ترفض للخطيبين رؤية بعضهما من غير كتاب الشيخ او ما يسمى العرفي.
وبين القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي لـ “الإصلاحية” أن للزواج العرفي مسميات عديدة منها كتاب الشيخ أو العقد البراني وكلها تحت مسمى العرفي، وهو كل زواج يجري خارج المحكمة الشرعية من دون تقديم وثائق رسمية للمحكمة سواء كتب هذا العقد رجل دين أو اتفق الخاطبان بحضور الأهل وتبادلا ألفاظ الزواج بوجود شاهدين، وسواء كتب على ورق أو كان شفهياً شرط أن تكون الألفاظ صحيحة، فالزواج العرفي زواج صحيح ما دام توافرت فيه جميع أركان وشروط العقد، وقد يلجأ الناس إلى الزواج العرفي لتعذر الحصول على الأوراق المطلوبة لعقد الزواج أمام المحكمة الشرعية مثل رخصة زواج من شعبة التجنيد وخاصة بالنسبة للمتخلفين أو المتواجدين في المناطق خارج سيطرة الدولة أو للعسكريين المتطوعين والمجندين، وأيضاً عدم موافقة الولي لأسباب قد تكون مبررة وقد لا تكون مثلاً عدم أهلية الشاب المتقدم أو كونه غير كفء لهذه الأسرة ، بالإضافة إلى أسباب منها ما يتعلق بالرجال واتي دفعت البعض منهم للجوء إلى هذا النوع من الزواج ، مثل خشية الرجل من طلب الزوجة الأولى الطلاق مما يؤدي إلى تفكك الأسرة ، أو عدم قدرة الزوج على الإنقاق على الزوجة الثانية، وهناك بعض الرجال يلجؤون للزواج العرفي للحصول على المتعة، وغيرها من الحالات.
وأضاف المعراوي أن تثبيت الزواج العرفي، له إجراءات قانونية تحفظ للمرأة حقوقها وخصوصا عندما يظهر الحمل، وبوجود تقرير طبي يثبته، أو إنجاب طفل، فالقانون هنا أجاز استثناءً تثبيت عقد الزواج العرفي حتى في حال عدم توافر الأوراق المطلوبة، أو موافقة الولي، لأن الحفاظ على نسب الولد وحقوق الجنين مقدمة على أية شروط أو وثائق أخرى.
كما يجوز تثبيت عقد الزواج الذي يتم خارج المحكمة الشرعية وفقاً لما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية ولكن شريطة استكمال الوثائق المطلوبة لتسجيل العقد.
وأبدى القاضي الشرعي الأول تحفظه على تشديد العقوبات في حال كان الزواج العرفي مستوفٍ للشروط القانونية، وأكد أنه مع تشديد العقوبات إلى الحبس في حال كان زواج القاصرات بدون ضوابط، موضحاً أنه وفي حال زواج القاصرات المخالف للقانون، يعاقب الزوجين والولي والشهود والعاقد.
وبيّن القاضي الشرعي الأول أنه يتحفظ على فرض عقوبة على عقد الزواج العرفي للقاصرات والمستوفي للشروط، واعتقد بأن العقوبة يجب أن تقتصر على الغرامة المادية فقط، دون الحاجة للحبس.
فيما أوضح المحامي عصام دريج أن الحرب على سورية أدت دوراً كبيراً في ازدياد حالات الزواج العرفي نتيجة الهجرة والنزوح والفقر والضغوطات العائلية المختلفة، فمفاهيم وعادات الزواج تغيرت حيث لم يعد الأهل يضعون شروطاً صعبة أمام المتقدم لطلب يد ابنتهم، ويتساهلون إلى درجة تصل إلى ضياع مستقبل الفتاة بسبب رغبتهم في تزويجها من أي طارق باب للتخلص من وصمة العار كما تنظر لها بعض البيئات من جهة، وللتخفيف من أعبائها من جهة، ونتيجة لجهلهم بالقوانين وعدم إدراكهم لخطورة الزواج العرفي في حال اختفاء الزوج أو إنكاره ، والذي من شأنه أن يعرض المرأة لصعوبة الحصول على حقوقها، حيث إن دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا قيمة لها أمام القضاء لعدم وجود وثيقة الزواج الرسمية بالإضافة إلى أن الزوجة قد تبقى معلقة لا تستطيع الزواج بأخر إذا تركها من تزوجها عرفياً دون أن يطلقها وانقطعت أخباره عنها ، والاهم هم الأولاد الذين يأتون نتيجة للزواج العرفي وما قد يتعرضون له من المتاعب التي قد تؤدي بهم إلى الضياع والتمزق داخل مجتمعهم بل وقد ينكر نسبهم، وهناك مئات إذا لم نقل ألاف الدعاوى المقامة في المحاكم لتبثت الزواج أو النسب والتي من الممكن أن تأخذ وقت ليس بالقليل لإثباته ومن الممكن أن تخسر الزوجة كافة حقوقها.
ومن جهة أخرى بين المحامي دريج أن الزواج العرفي أحياناً يكون الغرض منه هو التحايل والتلاعب على القوانين كأن يقصد منه الحصول على منافع مادية غير مشروعة مثل حصول الزوجة المتزوجة عرفياً على معاش ليس من حقها لو تزوجت زواجاً رسمياً، أو أن المرأة حاضنة وتريد الاحتفاظ بأبنائها ، ويلعب خوف البنت من شبح العنوسة دور في دفعها للقبول بهذا الزواج، خصوصاً إذا رأت أن العادات الاجتماعية في الزواج العادي الرسمي من متطلبات كثيرة تثقل كاهل الرجل، وتنفره من الزواج .
وأكد دريج أن أعراف مجتمعنا لها تأثير كبير في زيادة أعداد المتزوجات عرفياً لأن الأهل يفضلون كتاب الشيخ أو العرفي حتى لا تحمل الفتاة لقب مطلقة في مجتمع الكثير ينظر إلى المطلقة بنظرة سلبية.
وبالنسبة إلى مشروع القانون المطروح حاليا ذكر انه من غير المجدي فرض العقوبات دون التركيز على حلول لهذه الظاهرة ومعالجة أسباب ازدياد الزواج العرفي ومنها يتعلق بوضع الشباب المغتربين الذين يعمدون إلى إرسال الوكالات لذويهم لعقد الزواج وهذا يسبب صعوبة كبيرة إضافة إلى صعوبة الحصول في كثير من حالات الزواج على موافقة شعبة التجنيد، أو من هم في مناطق خارجة عن سيطرة الدولة، فالتعديل يجب أن يراعي ظروف الآلاف من الشباب وما يمر به مجتمعنا، وان يراعي مصلحة الأسرة بشكل رئيسي.
هذا وسرد دريج بعض القصص التي مرت عليه أثناء عمله ومنها أن الزوج غاب عن زوجته لفترة زمنية وبدلا أن تتوجه الزوجة إلى المحكمة الشرعية أو إلى أي مكتب محامي استفسرت عن الحل من مجموعة من الأصدقاء والجيران الذين أفتوا أنها بحكم المطلقة لغياب زوجها لأكثر من عام ، وبالفعل اعتبرت حالها مطلقة وتزوجت مرة أخرى وأنجبت لتتفاجىء بعودة الزوج وملاحقته لها بتهمة التزاني .
ويعرض قصة أخرى إمراة لجأت مؤخرا إلى المحاكم لإثبات زواجها العرفي الذي مضى عليه أكثر من 20 عاماً ولديها شابة مكتومة القيد ولا تحمل هوية شخصية ومحرومة من كافة حقوقها.
ويعرض قصة عن امرأة اكتشفت بعد زواجها بفترة أن زوجها قد تزوج بأختها، وقد سافرا إلى بلد أوروبي لتثبيت زواجهما بعقد مدني هناك، ما يعني أن الزوج جمع بين الأختين، وهذا محرم في الشريعة الإسلامية.
ويبقى السؤال : هل من السهل تغير عرف مجتمعي متأصل، وهل تشديد العقوبة كاف للحد منه لأنه من الصعب الغاؤه فهو جائز شرعاً، وليس من المحرمات.
القانون يجب أن ينظر للحماية من كل أشكالها ( الأخلاقية، والمجتمعية، والاقتصادية..) ، أي أنه من الممكن في حال تطبيقه أن نفتح باب للعلاقات غير الشرعية وهنا المصيبة أكبر!!!
Post Views:
0