الاصلاحية | منصة التحكيم |
في الاجتماع الأخير، الذي جمع رئيس مجلس الوزراء مع مديري المؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، سأل المهندس عماد خميس الحضور قبيل اختتامه الاجتماع عن تقييمهم للعلاقة مع الجهات الرقابية، لاسيما مع وجود إدارات جديدة على رأس الجهاز الرقابي، سواء في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أو في الجهاز المركزي للرقابة المالية…
زياد غصن | الإجابات على سؤال رئيس مجلس الوزراء جاءت عامة ومختصرة، بفعل ضيق الوقت ولملمة الحضور أوراقهم استعداداً للمغادرة..
عموماً…
لا يكاد يخلو عمل لجنة أو دراسة أو مذكرة، قدمت بغية إصلاح القطاع العام أو تحديث أياً من مؤسساته، من مطلب رئيسي يتضمن إما تحييد المؤسسات والجهات العامة المراد إصلاحها عن عمل المؤسستين الرقابيتين بشكل كامل، أو في أضعف الاحتمالات إعادة النظر بطريقة عمل هاتين المؤسستين ومسؤوليتهما وصلاحياتهما.. وهناك من اقترح دمجهما مع بعض تحت اسم “هيئة مكافحة الفساد”.
لأسباب عديدة، لست مع خيار “تجميد” عمل المؤسستين الرقابيتين أو حتى “تهريب” مؤسسات عامة معينة من مظلة الرقابة، كما أنني لست مع خيار الدمج.. لكن في الوقت نفسه لست مع بقاء الحال على ما هو عليه، فالكل متفق على ضرورة إعادة تقييم طريقة عمل هاتين المؤسستين وتطويرها، سعياً نحو بناء علاقة جديدة مع المؤسسات والجهات العامة.. علاقة قوامها الثقة والشراكة والمصلحة المشتركة.
هذا الكلام “العام” يجري تداوله منذ سنوات طويلة، وعلى مختلف مستويات العمل الحكومي، إنما نادراً ما كانت هناك اقتراحات محددة، تنطلق من مبررات موضوعية ومنطقية وتطرح للنقاش والحوار…
إن الأولوية في إصلاح المؤسستين الرقابيتين، وعلى عكس ما هو شائع، لا تكمن فقط في إعادة النظر بالإجراءات والصلاحيات وعمليات التدقيق والمراجعة لعمل المفتشين، وإنما في العمل على تصحيح الصورة الذهنية لهاتين المؤسستين، والمتشكلة بفعل عوامل عديدة أبرزها الهالة غير المبررة التي أحيطت بعمل المؤسستين الرقابيتين طيلة العقود السابقة، وعزلتهما المجتمعية والمؤسساتية، والتستر على الأخطاء التفتيشية وعدم الاعتراف بها، والأهم إشاعة حالة من الخوف والرعب من عمل المؤسستين والمفتشين.. وغيرها.
كل ذلك جعل المؤسسات الرقابية تتعامل لسنوات طويلة مع مؤسسات الدولة وجهاتها العامة من منطلق “الوصاية” وليس الشراكة والعمل المشترك… وأحياناً بلغة الشرطي ورجل الأمن، وهذا لا يتضح فقط من طريقة عمل شريحة من المفتشين ومواقفهم المسبقة، وإنما حتى من طريقة مخاطبتها للمؤسسات والجهات العامة في تقاريرها ومذكراتها، إذ يلاحظ بوضوح لغة ” الأستذة” والتهديد والوعيد، وكأنها هي مؤسسات “فاضلة”، وعاملوها من جنس “الملائكة”، في حين أن باقي مؤسسات الدولة “مذنبة” دوما، وسوء النية يرافق سلوك عامليها…!!.
لست هنا لتبرئة بيئة العمل في المؤسسات والشركات الحكومية، ففيها ما يكفي لتشغيل 10 مؤسسات رقابية… لكن ذلك لا يعني أن ندفع ما بقي من موظفي الدولة الأنقياء إلى الهروب، وأن نوقف العمل بحجة تطبيق الأنظمة والقانون، وأن نخلق جوا سلبياً كفيلا بقتل كل مبادرة والتهرب من كل مسؤولية..
أعرف أن ما سبق قد يزعج البعض، لكن حان الوقت لحسم كثير من الملفات العالقة والمعيقة للعملية الإصلاحية، فإما أن نثق بمؤسساتنا وندعمها بالرقابة الوقائية المساعدة، وإما أننا لا نثق بها ونستمر باعتبار كل ما تقوم به ناتجاً عن سوء نية وفساد.. وغير ذلك.
هامش1: المقالة لا تستهدف مفتشاً هنا أو هناك، أو هذه المؤسسة الرقابية أو تلك، ولا تنال من جهود كبيرة لمفتشين عرفوا بالنزاهة والأمانة والمصداقية في عملهم، وتربطني ببعضهم على الصعيد الشخصي وبحكم عملي الصحفي صداقات خاصة ومتميزة، ونرفع لهم ولغيرهم القبعة احتراماً لعملهم ومسيرتهم المهنية.
هامش2: اليوم لدينا على رأس المؤسستين الرقابيتين إدارتين لهما من الرصيد المهني والسمعة والكفاءة ما يشجع على فتح حوار ونقاش يستهدف أولاً وأخيراً تصحيح وتقييم العلاقة بين المؤسستين المذكورتين وبين مؤسسات الدولة وجهاتها العامة، لتنتقل من مرحلة الشك وعدم الثقة إلى مرحلة الشراكة الكاملة.
المصدر: سيرياستيبس
Post Views:
0