الاصلاحية |
من لحظة صدور المرسوم الجمهوري رقم 214 للعام 2018 أمس الأول، والقاضي بتحديد السادس عشر من أيلول المقبل موعداً لإجراء انتخاب أعضاء المجالس المحلية، استناداً لأحكام قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 تاريخ 23-8-2011، وعلى قانون الانتخابات العامة رقم 5 تاريخ 24-4-2014، ولغاية يوم إجراء الانتخابات العتيد، نحو أشهر أربعة تفصلنا عن ذلك. ولعل أول ما نود توجيهه للمجتمعات المحلية -لأخذها بكثير من الحسبان والاهتمام– ذلك القول المأثور “كما تولوا يولى عليكم”..! إذ إن يد الحكومة وحدها لا تصفق، حيث إنها قامت بما عليها، والدور والمسؤولية المنتظرة علينا نحن المواطنين في كل قرية ومدينة، لنقول كلمتنا فيما هو حق لنا، أي اختيار من يمثلنا في وحداتنا المحلية، كلمة وبقدر ما تكون قادرة على إيصال من يمثلنا صوتاً وعملاً وفعالية، بقدر ما سنحصد من نتائج طالما تعطشنا لتلمسها على صعيد العمل المحلي، الذي يعد أس صلاح وفلاح ونهضة وتطور مجتمعاتنا المحلية، اقتصادياً واستثمارياً واجتماعياً…إلخ، والعكس بالعكس، خاصة وأن المرسوم يأتي انعكاساً حقيقياً وصادقاً لإرادة شعبنا، والتركيز في هذه المرحلة على تعزيز الخدمات والنهوض بالدور التنموي في المجتمعات المحلية، وكذلك التركيز على إعادة الإعمار والبناء.
لذلك تكمن أهمية انتخاب مجالس محلية جديدة بالطريقة الديمقراطية التي كرسها قانون الانتخابات، وهذا لن يتحقق إلاَّ من خلال مشاركة واسعة لنا كمواطنين -ترشيحاً وانتخاباً– لاختيار الأكفأ والأقدر على خدمة المواطنين وتنمية المجتمعات المحلية في الوحدات الإدارية على امتداد الوطن، كما أمل وزير الإدارة المحلية المهندس حسن مخلوف.
كما تولوا..!
لا ننبه فقط بل نحذر – منطلقين من القول المأثور آنف الذكر “كما تولوا يولى عليكم”- من إيصال ما لا يستحق صوتنا وتمثيلنا فيما هو مصير لنا على كافة صعد ومسؤوليات العمل المحلي، ولكي نوضح نبدأ ما نريد البوح به، ليس على لساننا، وإنما على لسان من خبر وجرب الخدمة المحلية، الاستشاري الاقتصادي والإداري سامر الحلاق عضو مجلس محافظة ريف دمشق، إذ يقول الرجل: يتوجب على المجتمع المحلي في كل بقعة جغرافية من وطننا الحبيب، أن ينظر إلى الإدارة المحلية نظرة أكثر أهمية من الماضي، مما يستوجب عليه – كمجتمع – أن يرشح الأفضل والأقدر والأكثر أخلاقاً ووطنية، لاستلام دفة الإدارة المحلية، وهذا حق من حقوقه، كما يجب عليه عدم الاستهتار واللامبالاة تجاه هذا الحق الوطني المقدس. فالمرشح غير المتمتع بالأخلاق هو لص وانتهازي وغير مبالٍ بالأمانة التي حُمِّلَ، وكذلك الخبير والاختصاصي غير الأخلاقي الذي استخدم وسيستخدم خبرته ومعرفته باتجاه تكريس ثقافة الإفساد وتوطين الفساد، وليس بالاتجاه المعاكس.
الأنزه والأجدر
لذا على المجتمع الحلي، في مطلق بيئة مجتمعية صغيرة أم كبيرة (مدينة- بلدة– قرية) أن ينتقي ذوي الأخلاق والخبرة والحكمة معاً، أي أن يختار عضو المجلس الذي يتمتع بمناقبية أخلاقية ومعرفية وأن يكون ذا مصداقية، لكي يتم النجاح فيما بعد من خلال مخرجات العمل المحلي كأداء ظاهر ملموس على أرض الواقع، دون أن ننسى الحق الأهم ألا وهو الرقابة الشعبية المتواصلة استمراراً دونما توقف أو ملل، لأن الاكتفاء بالانتخاب ونسيان المتابعة والرقابة، سيؤدي إلى ملل وترهل أعضاء المجالس، وهذا لا يقل خطورة عن وصول الفاسدين؛ لأن ترك المياه النظيفة واقفة سيؤدي إلى مياه آسنة، وعليه فالرقابة الشعبية هي قوة تعادل قوة الانتخاب، لأنها عنصر ضغط قوي لتقويم وتصحيح اعوجاج المسار.
إن قانون الإدارة المحلية، تم وضعه تطويراً من القانون القديم، ليراعي ويواكب التطور الاجتماعي الاقتصادي المحلي، كخصوصية مناطقية، متنوعة بين تنوعات البيئة الجغرافية الوطنية، لذا ومن خلال تجاربي في هذا المجال – والكلام للحلاق – فإني أتوجه إلى السوريين، مع نهاية مرحلة و بدء مرحلة من الإدارة المحلية، أن يحسنوا اختيار من يمثلهم إلى المجالس المحلية.
وفي هذا المقام يُذَّكر الحلاق بما حدث في عدد من مدن و بلدات ريف دمشق، فمثلاً تم حل عدة مجالس محلية وتعيين مكاتب مؤقتة بسبب الخلل بالعمل (مثل مدينة جرمانا وقدسيا وبلدة حفير الفوقا)، وغيرها الكثير مما جرى على مستوى الوطن، وقد جاء الحل بعد تعديل قانون الإدارة المحلية عام 2015 الذي أتاح للوزير تشكيل وتعين أعضاء المكاتب المؤقت (من خارج المجلس المنحل كلياً) وحل المجالس بناء على اقتراح من المحافظ.
وقد اضطر لهذا الإجراء بسبب الترهل و الفساد المستشري، أما لماذا التعين ؟ فلأنه لا يوجد انتخابات في الأزمة، كما أن الانتخابات نادراً ما تكون جزئية على مستوى بلدة وحدها.. أما الهدف من التعديل فكان لإطلاق العمل من جديد بعد بعدما استشرى الترهل والفساد، وهذا يدلل على عدم وجود مجتمع واعٍ لترشيح الأفضل، الأمر الذي سيؤدي إلى مثل تلك المجالس، وتعيين مكتب مؤقت بعدد محدود بين 5-7 حسب البلدة أو المدينة، بينما عدد أعضاء البلدات والمدن كبير يراوح ما بين 10 وحتى 50، وبالنتيجة هذا يضعف العمل، علماً أن الحد الأدنى لعدد أعضاء أية مدينة هو 25 عضواً و يزداد بحسب عدد السكان، بينما المكتب المؤقت عدده 7 أعضاء فقط..!
الخصوصية تقتضي..
وهنا يرى أن على كل العائلات تشجيع أفرادها ممن يمتلكون المواصفات الآنفة أعلاه، للدخول في إدارة دفة الشأن العام المحلي، وعدم العزوف أو التهرب بحجة عدم رغبتهم بسماع الشتائم لهم ولأهلهم، لأن مقولة: “ما بدي حدا يسبني و يسب أهلي”، هي مقولة الفاسدين وغايتها استبعاد الوطنيين عن الترشح، لينفردوا بالمراكز والأماكن والعضوية وغيرها. من هذا المنطق، يتوجب علينا التعقل والمحاكمة المنطقية والعقلية، وهذا يقتضي تشجع الكفاءات من العائلات على دخول معترك المجالس المحلية، وذلك بدعمهم معنوياً واجتماعياً ومادياً، و التواصل المبكر معهم وعقد لقاءات شعبية وعائلية تشجيعية دعماً ومساندة.
ويوضح عضو المجلس، أن كلامه أعلاه، لا يعني إطلاقاًً تغليب الطابع العائلي على الطابع الاجتماعي والوطني، ولكن لأن خصوصية الإدارة المحلية تقتضي البدء من العائلة، ولاسيما في الأرياف (و حتى في كثير من المدن)، وذلك لتشكيل فريق عمل في كل مجلس محلي، يمتلك المصداقية المؤدية لتحقيق إنجازات فعلية، هذا على الصعيد الشعبي المحلي.
كشف حساب
أما على الصعيد الحزبي فأباح الحلاق لنفسه – ليس من منطق الأمر ولكن من منطق الغيرة الوطنية- الطلب من الأحزاب السورية، أن تقوم بترشيح ذوي المصداقية الأخلاقية والمجتمعية والخبرة، لكي يتم حرق مراحل زمنية بدل التقهقر والترهل، وهذا يوجب كشف حساب للحزبيين – من جميع الأحزاب – على أعضاء المجالس المحلية من حزبهم، وهل قاموا بإنجازات جديرة بالعضوية..؟! وأن يتم اختيار مرشحي الأحزاب على أساس الإنجازات الشخصية على الصعيد الخدمي والاجتماعي ومدى دعم المجتمع لهم، وعلى مناقبية الأخلاق والخبرة والمصداقية، التي يعترف بها المجتمع كمواصفات موجودة لديهم. ويحذر من أن إضاعة فرصة الاختيار الصحيح، تعني تسليم الفاسدين والضعفاء مقاليد السلطة في الإدارة المحلية، ما يجعل الفساد يمدد لنفسه وقتاً ثميناً. لذلك من أنجز وكان فريداً من نوعه، وكان غيوراً على المصلحة العامة والوطنية، وجب على المجتمع مكافأته ودعمه للترشح ثانية، من دون إغفال مبدأ ضخ دماء جديدة لاستمرارية الوجود والتحفيز على العمل المحلي العام.
نزيف وخسارة
إن الخسائر الاقتصادية والاجتماعية من خلال بقاء الفاسدين في الإدارة المحلية، ومن خلال عزوف الأجدر عن الترشح، هي نزيف اقتصادي اجتماعي وطني خطير، يساهم ببقاء نظرة اللامبالاة والتهرب من الخدمة العامة، التي هي الأسمى بين الخدمات، فمنها يكون مبتدى الثلم وليس العكس. ويوضح عضو المجلس أن المجتمع المحلي يستحسن التعامل مع إدارة محلية من بيئته، ما ينعكس إيجاباً على الإنتاج الاقتصادي المحلي من خلال سرعة التجاوب والأداء، وهذا من الأسباب الموجبة لإضفاء الطابع الاقتصادي على المجالس المحلية التي تستوعب أغلب المشاريع الصغيرة والمتناهية بالصغر، ويقترح لمرحلة ما بعد الأزمة، بوجوب أن يكون القرار الاقتصادي والقرار الاجتماعي مندمجين تحت مسمى الاقتصادي الاجتماعي .
أما بالنسبة للمطلوب استثماري واقتصادي، فأكد أهمية إجراء دراسة تعديل يلحظ هذا الجانب، منوهاً إلى أنه قد أصبح من الواجب وطنياً، تعديل قانون الإدارة المحلية الذي صدر بالمرسوم 107 لعام 2011، لجهة إعطاء صلاحيات اقتصادية للمجالس المحلية، وفتح المجال أمامها للاستفادة من خبرة وتمويل المغتربين بهدف إنشاء مشاريع نوعية وغير تقليدية، ما يسهم في امتصاص البطالة ويزيد القيمة المضافة الاقتصادية الوطنية، بحيث يصبح المجلس المحلي خلية نحل تنموية وفي الوقت نفسه رافعة اقتصادية وطنية بامتياز، نظراً لمعرفته بالخصوصية الاقتصادية الاجتماعية في بيئته الجغرافية، مشيراً إلى أنه ولمرحلة ما بعد الأزمة يجب أن يكون القرار الاقتصادي والقرار الاجتماعي مندمجين تحت مسمى الاقتصادي الاجتماعي.
دراسة مجتمعية
كما يرى الاستشاري، أن الدراسة المجتمعية المسبقة لملف أي مرشح محتمل، هي قفزة نوعية عالية باتجاه البناء الوطني، على عكس ترك عملية الترشيح تسير ثم تتم المبارزة..! لأن معرفة المرشحين الأكفياء بأنهم سيترشحون، سيؤدي إلى خلخلة بلوك المدعين، ما ينعكس لديهم هروباً وهذه نقطة هامة جداً بامتياز، آملاً أنه وانطلاقاً من تمثيله وعمله في الشأن المحلي العام هذا، أن يكون ما أدلى به موضع استنهاض وطني في طريق التمسك بالانتماء وعدم التهرب من الواجب والحق والمسؤولية الوطنية والمجتمعية، لأن التهرب من الخدمة العامة يكثر من الفاسدين الخونة لمجتمعاتهم، التي انتدبتهم لعضوية مجالسها المحلية، فالأرض المتروكة ستغزوها الأعشاب الضارة، وهذه الأخير مرتعها الأرض الفارغة..
المصدر: البعث | قسيم دحدل
Post Views:
0