الاصلاحية | خاص |
كتب ثامر قرقوط | كلما اجتمعت الحكومة مع مجلس الشعب، يتحسس المواطن على رأسه، يبحث عما تبقى في جيوبه، ويستعد لمفاجآت هي حكماً غير سارة. فروح الانتقاد في مداخلات أعضاء مجلس الشعب، وسخونة بعض العبارات، قابلتها الحكومة ببرود شديد، ومؤشرات اقتصادية وتنموية، وكلام عن الجهود المبذولة.
من يسمع مداخلات النواب القوية، يشعر أن تحت قبة البرلمان نواب حقيقيون. ومن يسمع ردود الحكومة، على تلك المداخلات، يشعر أنه أمام رجال دولة، بكل ما تعني الكلمة من معنى.
لكن يغيب عن المؤسستين، التنفيذية والتشريعية، بدورهما المتكامل، أن الشعب السوري لايستمع إلى المداخلات النارية، ولايكلف نفسه عناء تضييع الوقت في الإصغاء إلى الردود المنسقة والجميلة. إذ يرى فيها أنها سياسة (حكلي لحكلك) التي لا تسمن أو تغني من جوع. ومفادها: الأعضاء يطالبون، الحكومة ترد، وليشرب الناس من البحر.
ما الفوارق الجوهرية المطروحة للنقاش بين هذه الدورة وسابقاتها؟ جوهر المطالب لم يتغير، وربما ثمة في الإعادة المطلوبة إفادة، كما أن سرديات الحكومة الناشفة لم تتغير، ووعودها القادمة تزداد ألقاً، وحديثها عن منجزاتها يشبه إعجاب طفل صغير السن بأبيه.
في سورية مازالت القضايا الجوهرية كما هي، كالتعليم والفقر وفرص العمل ورغيف الخبز والدعم التمويني والطبابة المجانية والنقل…الخ، وهي ليست من اهتمامات شخصيات لاتمشي في الشارع، ولا تسمع نبضه. أو أنها تتحدث باسمه دون معالجة حاسمة، وتترك المطالب دون نتيجة، وتجعل منها مادة للكلام والبوح وكفى. والأخطر من ذلك، عندما تتكرر المداخلة ذاتها، وتحصل على إجابة مختلفة في كل مرة. هكذا تبدو الحياة البرلمانية وشقيقتها الحكومية، مقفرة، ضعيفة، يغلبها التعب والنعاس.
المسافة التي تفصل مجلس الشعب عن مبنيي وزارتي المال والاقتصاد، تقاس بالأمتار، ومع ذلك يأتي الوزيران بسيارتيهما لحضور جلسات مجلس الشعب. ماذا يعني هذا؟ عندما نشبت أزمة الرهون العقارية، قبل عشرة أعوام، وضربت المصارف الأمريكية وأدت لإفلاس بعضها، عقد حاكم الفيدرالي اجتماعاً مع المديرين التنفيذيين للبنوك، الذين كانوا يطالبون بما لايقبله عاقل. بدأ الحاكم المذكور اجتماعه بسؤال بسيط، كيف أتى كل مدير لحضور الاجتماع؟ وبدا السؤال أنه من باب الإطمئنان على المديرين. الإجابات كانت تقليدية للغاية: أتينا بطائراتنا الخاصة. فكان رد حاكم الفيدرالي، من لديه فرصة ليأتي للاجتماع بطائرة خاصة، لايملك حق المطالبة بالاعفاء من ضرائب ورسوم، أو الحصول على اعفاءات.
المسافة التي تفصل الحكومة عن مجلس الشعب ليست كبيرة، لكن تلك المسافة التي تفصل المؤسستين المذكورتين عن الشعب السوري عميقة جداً. ولن تتمكن الحكومة من ملء الماء في جرتها المثقوبة. ودلوا الماء الذي دلقه أعضاء مجلس الشعب، لن يؤدي إلى إطفاء النيران المشتعلة في صدر كل سوري، انتظر طويلاً، وصبر كثيراً، ولايلوح في الأفق ما يسر خاطره.
في مجلس الشعب السابق، كان أحد الأعضاء يعرف عن نفسه، بصفحته على الفيسبوك بأنه السيناتور فلان. وكان هذا السيناتور من أشد السيناتورات قسوة في انتقاد أداء الحكومة السابقة. المشكلة أنه لايوجد في العرف الدستوري السوري، مصطلح السيناتور أو البرلماني، إنما عضو مجلس الشعب. كما لايوجد مصطلح حكومة، إنما مجلس الوزراء. بمعنى عندما يخاطب السيناتورات أصحاب المعالي، فبالتأكيد الشعب السوري غير معني بذلك، من باب دستوري كحد أدنى.
صار وقتا..
Post Views:
0