الاصلاحية | خاص |
في المرسوم 16 الصادر في 20 ايلول والمتعلق بوزارة الأوقاف، الكثير من النقاط التي تحتاج للنقاش والبحث. فالنسخة المتداولة اعلامياً، تثير شهية الأسئلة، وتعبر عن الرغبة العتيدة لوزارة الأوقاف، في توسيع صلاحياتها، وممارسة دور أكبر مما هو مطلوب منها، والتدخل في شؤون ليست من اختصاصها. والأهم من ذلك، ربطها الخفي، لمفهوم المجتمع والمواطنة، ضمن رؤية لا تنسجم مع التعدد الطائفي والديني في البلاد.
كتب ثامر قرقوط | أول الملاحظات على مشروع القانون المنتظر مناقشته في مجلس الشعب، أن عباراته جاءت مواربة للموقف الشعبي العام. كيف لا تتجرأ الوزارة وتسمي تنظيم الاخوان المسلمين باسمه الحقيقي، واكتفت بتسميته “تنظيم الإخوان” ( المادة 2، الفقرة د)؟ فيما تحدث المشروع عن “الاخاء الاسلامي”، ورمى خلف ظهره، ضرورة أن تكون لدينا وزاره قادرة على ترسيخ مفهوم المواطنة. وهذا ما تعجز عنه أي وزارة أوقاف، بينما يمكن أن تحققه وزارة لشؤون الأديان أو وزارة المواطنة.
والواضح أن شرائح وازنة في المجتمع السوري، خارج اهتمام وزارة الأوقاف في مشروع قانونها الجديد، وهذه الشرائح لا يمكن أن تنضوي تحت جناح الوزارة، بالمشروع المقترح، أو أن تضمهم الوزارة إليها بما يتناسب مع عقائدهم الدينية. اذا استخدمت مصطلح: إذكاء روح التجانس بين ابناء الوطن ( المادة 2، الفقرة ز)، وتجاهلت، عمداً ربما، حق المواطنة.
من الأسئلة التي يثيرها مشروع القانون: هل من المعقول أن تمر هذه العبارة: الانتماء للإسلام لا يتعارض مع الانتماء إلى الوطن والمواطنة (المادة 9، 1، الفقرة د)؟ ما مبرر تمرير عبارة الاشراف على الشؤون الدينية النسائية ( المادة 2، الفقرة ع)؟
هل لأن الوزارة تحصر ذاتها ضمن قوقعة، رأت مثلاً: تأسيس المبرات ودور رعاية الايتام والمستوصفات والمشافي والمنشآت والمؤسسات والمراكز الخيرية والاجتماعية والاقتصادية التي تحقق أهداف الوزارة ( المادة 2، الفقرة ر)؟ لماذا لا تكون العبارة تحقق أهداف الدولة السورية باعتبارها تنظر لجميع المواطنين سواسية؟ لماذا لا تكون الجهات المذكورة آنفاً مفتوحة للجميع دون تفرقة؟ ما موجبات جواز انتقال الطلاب بين الصفوف المتماثلة في مراحل التعليم الأساسي والثانوي العام والشرعي (المادة 46 )؟ وكيف سيشكل الوزير مجلس الأوقاف الأعلى وهو ـ أي الوزير ـ يرأسه (المادة 51)، وبموازنة مستقلة عن الموازنة العامة للدولة؟ وكذا الأمر بالنسبة للمجلس العلمي الفقهي الأعلى؟
يتجاهل مشروع القانون النقطة الرئيسية في العقد الاجتماعي السوري، وهو المواطنة، وتغليب حق المواطن ومنفعته، على أي مصلحة أخرى، لاسيما تلك المرتبطة بعقائد وقناعات وانتماءات دينية. ترد كلمة المواطنة في القانون المقترح، ضمن سياقات مبهمة، بينما يجب أن تكون الأساس والمنطلق.
تتخصص وزارة الأوقاف وفقا لمرسوم احداثها المقترح، بكل شيء، ستتدخل في التعليم، من خلال اشرافها على المؤسسات التعليمية الدينية، وسيكون لها مهام تثقيفية ودعوية وتبشيرية، من خلال دور أرباب الشعائر الدينية، أو ما اسمته دون توضيح ضبط الخطاب الديني. كما خولت لنفسها تطبيق قوانين قضائية خاصة بها (المادة 65، الفقرتين أ ـ ب).
لنعترف أن الخطاب الديني في مرحلة ما قبل الحرب أنتج ما لم يرق لكثيرين من المسلمين، قبل غيرهم. ولنعترف بكل جرأة، أن في المجتمع السوري، ثمة ظلاميون، وتكفيريون. ومنهم بعض خطباء المساجد، الذين ترقى خطبهم، لحدود الفضائح الاخلاقية والدينية. هؤلاء يعبرون عن وزارة الأوقاف، وعن فكرها، ومثلها، لأنهم من إنتاجها، هم على أقل تقدير يعملون تحت إشرافها، وبرعايتها، وضمن توجهاتها. وإصلاح هذا الخطاب، وخلق مساحات وفضاءات جديدة، تسهم في تعزيز تمسك الناس بعلاقتهم مع خالقهم، هو ما يجب العمل عليه، فيما تغرد الوزارة خارج هذا الخط المهم، وتنحو باتجاه تعزيز صلاحياتها على حساب المجتمع بكامله.
ليس مطلوباً، أن تكون وزارة الأوقاف يسارية التوجهات، وليس مطلوباً منها أن تعتنق مبادىء علمانية، لكن بحكم المؤكد، مطلوب منها، أن تعبر عن مصالح الناس، وتطلعاتهم بصفتهم شركاء في الوطن، ويجمعهم عقد المواطنة الاجتماعي والحقوقي، الذي يكفله الدستور، وأن تنفذ توجهات الدولة السورية.
يبحث المجتمع السوري عن وزارة أوقاف قوية، لكن بالتأكيد ليس على حساب حريته، أو على حساب المجتمع المدني، والحريات العامة. ومن الصعب تنفيذ اقتراح أن نستبدل هذه الوزارة بكل ترهلاتها وخيباتها، بوزارة مواطنة حقيقية، وذلك بالقياس إلى فشل مقترح، حتى الآن على الأقل، يقضي بإلغاء تدريس مادة التربية الدينية، واستبدالها بمادة الأخلاق. نريد وزارة تكون قلوب رجال الدين فيها على بلدهم ومواطنيهم، وأن يتخلوا عن منهجية مؤسِّسة للتطرف والانقسام والتفرقة، كالأتباع والمريدين والكتاتيب، وتفكيك الكونتونات التي خلقتها المرحلة المنصرمة. نريد وزارة بمهام تجمع الناس ولا تفرقهم، توحدهم على الوطن، ولا تفرقهم بالمذاهب والفتاوى والخطب غير المقبولة. لنترك الانسان يحافظ على علاقته مع خالقه، كما أنزلتها الكتب السماوية، بلا وسطاء.
صار وقتا..
Post Views:
0