الاصلاحية | فهد كنجو |
بين دراجة “المدرس” ونظرية “الاختلاط الالكتروني” عند الشيخ “الجليل” ثمة أزمة حقيقية حصدنا نتائجها كوارث وماضون في نفس الزرع!!.
لم يفرق رواد التواصل الاجتماعي كثيراً بين دراجة ذلك المدرس الحريص على أغلى ما يملك “فوضع الدراجة في مخبر المدرسة المهمل”، وبين حرص المسؤول على استثمار الموقف للحفاظ على أغلى ما وصل إليه “فالتقط صورة بجانب الدراجة وصاحبها!!.
لم يفرق رواد الفيسبوك بين نظرية المدرس بوضع دراجته في المخبر الغافي على رائحة الطبشور، وبين نظرية الاختلاط الالكتروني للشيخ، كلا الحالتلين نالتا حقهما من الجدل والتهكم!!، الفرق الوحيد أن الأولى كانت موضع استثمار من مسؤول رفيع المستوى، فيما الثانية تُركت للأخذ والرد إلى أن يتبين خيطها الأسود من الأبيض على هدي قانون “الأوقاف” الجديد!.
هناك على “سبورة” المخبر ثمة معادلة مستحيلة الحل، وعليها عصارة علوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات والهندسة، وتحتها دراجة ومحافظ معتد بنفسه، ومدرس خجل بفعلته، وكاميرا بدائية الهدف وثقت الحادثة!!.
على المقلب الآخر استطاع الشيخ استثمار أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا ليعلمنا الأسماء التي تقربنا من الفضيلة، وتذهب عنا رجس الألقاب الدخيلة، فلا “ريتا” بعد اليوم تطل بنعومة أحرفها على شباك التواصل الاجتماعي، ولا “المحتشمة” استأنست لاحقاً بعلم تنقله لها “سافرة”!!.
من منا سأل نفسه مرة عن نوع السيارة التي تقل الشيخ “الفاضل” إلى منبره الخشبي المزخرف أو عن السجاد الذي تطأه قدماه كل ما هم إلى الدرس؟!، من منا قارن ذلك مع تلك “الدراجة” وذلك المقعد البارد وتلك السبورة الباهتة، وغبار الطبشور على قميص استاذ الرياضيات؟!.
لا زلت أذكر ذلك الأستاذ الفاضل الذي كان يداهم بيتنا في صباحات الشتاء الباردة بدراجته النارية نوع “سمسم” التي تمتاز بصوتها المرتفع، ليضعها أمانة لدى والدي، وكيف كان يحرص والدي على وضعها “بالمضافة” التي يعتد بوساعتها وبابها المفتوح دائماً ورائحة قهوتها المرة، خوفاً من شقاوتنا عليها أو أن يصيبها مطر، أذكر أيضاً كيف كنا نراقب بكل شغف ذلك المعلم وهو يخلع “كندرته” ليلبس جزمة مطاطية بساق عالي، ليتابع مسيره مسافة 2 كم إلى مدرسة القرية المجاورة عبر طريق موحل، ليعلم أطفالها القراءة والكتابة في المرحلة الابتدائية، لقد تخرج من تحت يد ذلك المعلم المهندس والطبيب والمحامي والصحافي والمحافظ والوزير ووو.
كان والدي مصلياً متعبداً، لكنه لم يمنعني يوماً الجلوس مع “ريتا” في ذات المقعد، ولم يخبر شقيقتي بأن تلك المعلمة السافرة القادمة من المدينة غير مؤهلة لتكون مثلها الأعلى، فصارت شقيقتي مدرسة، ولا زلت أنا أذهب كلما سنحت الفرصة لأحتسي القهوة مع “ريتا” على شرفة عيادتها المطلة على حديقة الوطن.
الاصلاحية | صار وقتا..
Post Views:
0