الاصلاحية | خاص |
كتب أسامة يونس | “منطق” مشروع مرسوم الأوقاف، يقول إنه سيحارب الطائفية، لكنه على ما يبدو يستخدم أدوات طائفية.
يقول إنه ينشر الاعتدال والوسطية، لكن بأدوات شكلت، عبر عقود طويلة، منطلقاً للفكر المتطرف.
ما الجديد في المرسوم؟
يبدو أن الوزارة تتجه إلى مزيد من الدور في الحياة العامة، ولمزيد من القوة، حتى الاقتصادية منها، إذ سيصير لها مصادر تمويل خاصة، ومنشآت مستقلة، وستتكفل هي وحدها، في القادم من الأيام، بفرز الإرهابيين وتحديد الأفكار الهدامة المتطرفة.
يمكن تقسيم المشروع (الذي يتألف من سبعة أبواب، حسب نسخة متداولة منه) إلى ثلاثة محاور أساسية:
أولاً ـ رسم الخطوط العريضة لدور وزارة الأوقاف في الفترة المقبلة، ويحدد مشروع المرسوم مهام الوزارة “بممارسة الشؤون المتعلقة بالتوجيه والإرشاد الديني والأوقاف” (المادة 2)، تحت إشراف “المجلس العلمي الفقهي الأعلى” الذي يرأسه الوزير.
ثانياً ـ جوانب متعلقة بما يمكن وصفه بتنظيم هيكلية الوزارة، و”تشعباتها” إذ سيصبح لها بموجب المرسوم امتدادات: تعليمية، واجتماعية، والأهم: اقتصادية.
ثالثاً ـ جانب اقتصادي راهن، يتعلق باستثمار عقارات الأوقاف، وتشكيل “مجلس الأوقاف الأعلى”.
وجهات نظر
بعض أصحاب الآراء التي تؤيد المشروع ربما قرؤوا الفقرات، أو المواد، التي يرد فيها تعابير: الوحدة الوطنية، والاعتدال، والوسطية، أو المواد التي تحظر على أرباب الشعائر الدينية، “إثارة الفتن الطائفية، أو التشجيع عليها”، أو الإساءة إلى الوحدة الوطنية، أو الخروج عن “منهج الوسطية والاعتدال”، أو استخدام أماكن العبادة لغير الأغراض المخصصة لها، أو إذاعة أفكار أو الدعوة لممارسات لا علاقة لها بالعمل الديني. (المادة 16). وهو ما يُعد جوانب مهمة وجيدة في المرسوم، لكن قراءة هادئة لمشروع المرسوم، تظهر أن ثمة جوانب أخرى، خلف الكلام عن الاعتدال والوسطية.
طبعاً ستختلف القراءات حسب مصالح من يقرأ، وحسب أفكاره، خاصة الدينية منها، لكن في كل الأحوال، نحن أمام حقائق يقولها نص مشروع المرسوم، ومنها:
1 ـ المرسوم يوسع وزارة الأوقاف وأنشطتها، ليصير لها نشاطات أخرى. المادة 2 تذكر مهام الوزارة وتحدد بعضها على وجه الخصوص، ومنها:
ـ الرقابة على البرامج الخاصة بالعمل الديني في وسائل الإعلام كافة (وهو ما يعطي الوزارة صلاحية التدخل في جميع البرامج التي تطرح الأفكار الدينية في جميع وسائل الإعلام، وهو أيضاً ما “قد” يتطور ليصير تدخلاً في أي فكرة أو نقاش حول الدين أو وزارة الأوقاف ذاتها).
ـ تأسيس المبرات ودور رعاية الأيتام والمستوصفات والمشافي، والمنشآت، والمؤسسات، والمراكز الخيرية، والاجتماعية، والاقتصادية، التي تحقق أهداف الوزارة. (وهو ما يستغرق جزءاً مهماً من مشروع مرسوم يفترض أنه لوزارة حصرت مهامها في قضايا “التوجيه والإرشاد، ومحاربة التطرف”)
ـ اعتماد الفريق الديني الشبابي التطوعي في الوزارة “أداة لتمكين وتأهيل النسق الشاب من الأئمة والخطباء ومعلمات القرآن الكريم (“القبيسيات”، حسب ما يوضح النائب والصحفي نبيل صالح الذي كان أول من طرح قضية المرسوم أمام الرأي العام”).
وفي هذه المهمة تثبت الوزارة دور الفريق الديني الشبابي التطوعي، ودور “معلمات القرآن” إضافة طبعاً إلى أنهم سيكونون أعضاء في “المجلس العلمي الفقهي الأعلى”
2 ـ يتكرر مصطلح “الوحدة الوطنية” أكثر من مرة في المشروع، مع عبارات الوسطية والاعتدال، ومحاربة التطرف والطائفية.
والواقع أن منطق تحقيق ذلك يبدو طائفياً، كيف؟
يرد في المشروع (المادة 7) ذكر لعبارة “الطوائف المسيحية” بينما لا يرد أي ذكر للطوائف الإسلامية، بل إن الفقرة (ز) من المادة 2 تقول إن “من مهام الوزارة “محاربة التعصب والطائفية، انطلاقاً من كون أئمة المذاهب (الإسلامية) قدموا اجتهادات متعددة، ولم يؤسسوا طوائف لتفريق الأمة، وذلك من خلال اعتماد الفقه الإسلامي بالشكل الذي يسع آراء جميع المذاهب ويستفيد منها”
يعني ذلك: أن الوزارة تكرس تلك الفكرة التي يعرف الجميع أنها غير صحيحة، والتي على أساسها يضطر أبناء جميع الطوائف الإسلامية إلى تلقي “علوم” الإسلام على مذهب آخر، وقد أثبتت الوقائع أن جميع الدعوات إلى “توحيد” المذاهب لم تكن سوى دعاية مجانية لقضية وهمية أساساً.
وطبعاً المرسوم يوسع صلاحيات الوزارة لتشمل “جميع” أرباب الشعائر الدينية وجميع أماكن العبادة (جوامع وغيرها).
وغني عن القول إن جميع مفردات المرسوم وغيره، تنطلق من واقع أن ثمة طائفة محددة هي التي تمثل ذلك الإسلام الذي يتعرض للتشويه منذ عشرات السنين. والطريف أن كل المشوِّهين يقولون إنهم الأصل!
وطبعاً الأهم في “الطائفية” هو الافتراض المسبق وتصنيف الناس تعسفياً، ضمن طوائف، وعلى ذلك يتحدث المرسوم عن مسلمين، ومسيحيين، باعتبار أن الأوائل أكثرية، لهذا يحق لهم “احتكار” الأوقاف، وغيرها، ولهذا كانت الحكومات المتعاقبة تؤسس وزارة إسلامية للأوقاف، لا وزارة “مسيحية” مثلاً. ودائماً كان التمييز الطائفي مشرعاً دستورياً، حتى أن الدستور الحالي أضاف ما لم يكن موجوداً قبلاً وأورد كلمة “الطوائف”، لأول مرة منذ عقود طويلة، ضمن المادة الشهيرة التي تتحدث عن “دين رئيس الجمهورية”.
3 ـ رغم أن المرسوم يتحدث عن “الدعوة إلى احترام حقوق الإنسان، وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والمواثيق والأعراف الدولية” (المادة 9)، إلا أنه لا يجد أي حرج في قوننة “المدارس الشرعية” ويحدد (في المادة 38) أنها تقبل الطلاب فيها بدءاً من الصف السابع، (ويكون عمر الطفل في ذلك الصف بحدود 12 عاماً، وهو عمر لا يؤهله ليتخذ قراراً كذاك، سيغير حياته).
4 ـ ثمة فصول متخصصة بذكر التعويضات والرواتب والأجور، مع تحديد ميزانيات المدارس والمعاهد وغيرها، وهو ما لا ينسجم مع منطق “الدعوة” وفكرة “التطوع”، وانسجاماً مع ما يرد في الخطب الدينية، نعتقد أنه يجب أن يكون من يقوم بتلك المهام مستعداً للعمل لوجه الله تعالى، دون مقابل.
5 ـ للمدارس الشرعية مصادر متعددة للدخل، فإضافة إلى جيوب الناس الذين يجب عليهم تمويل تفرغ أولئك الأطفال لدراسة الفقه، هناك أيضاً ريع الاستثمارات والعقارات، وأيضاً من “التبرعات” التي يسمح بها مرسوم المشروع. (ضمن الأنظمة)!.
“إنجاز كبير”
6 ـ يصف الوزير، في حوار مع الإخبارية السورية، “المجلس العلمي الفقهي الأعلى” بأنه “إنجاز كبير لأنه يؤكد على مرجعية فكر علماء بلاد الشام بدلاً من الدول الأخرى، كما أنه يضم علماء من المذاهب الإسلامية كافة، وكذلك ممثلين من الطوائف المسيحية يسميهم السادة البطاركة ويدعو إلى نبذ التعصب والطائفية”.
والواقع أن تركيبة ذلك المجلس تضم عشرين “عالماً” من مختلف المذاهب، لكن الصحيح أيضاً أنه يضم “خمس عالمات قرآن” إضافة إلى مدير الفريق الديني الشبابي، وممثل عن جامعة بلاد الشام للعلوم الشرعية، وممثلين اثنين عن كليات الشريعة.
أما وجود الممثلين عن الطوائف المسيحية فليس دائماً، إذ أن أولئك “يُضافون” (حسب لغة المادة 7 من المرسوم) إلى المجلس “عند مناقشة المسائل المشتركة بين الأديان”.
7 ـ إذا كان المرسوم “أول تشريع ينص بشكل واضح على المواجهة والتصدي للفكر الوهابي والإخونجي” حسب تعبير الوزير، فكيف يعرف هذا المواطن أين الصواب؟ ولماذا تفترضون أن الرأي الرسمي للوزارة هو الصحيح؟ هل هناك متطرف واحد يقول إنه لا يطبق الإسلام الصحيح؟.
هامش1:
كان لافتاً أن قناة الإخبارية أجرت حواراً مع وزير الأوقاف حول مشروع المرسوم المتعلق بوزارته، دون أن تسمع أو تعرض، رأياً لسواه، وهي بذلك اختارت منذ البداية أن تنفذ أحد بنود المرسوم (سيطرة الوزارة على وسائل الإعلام، فيما يخص الشأن الديني). وقد ذكر النائب نبيل صالح أن الإخبارية اكتفت بوصفه بـ “أحد نواب المجلس” وقال: “لم أكن أعلم أن للأوقاف كل هذه السطوة على المؤسسات الإعلامية السورية”.
هامش2:
كُتب الكثير عن المشروع، وأبدى البعض تخوفهم على “العلمانية” في البلاد.
لا خوف عليها .. لأنها لم تكن موجودة أصلاً.
Post Views:
0