الاصلاحية | خاص |
تصفعنا بعض الأخبار، وتدلق بعض المواقف في وجهنا دلواًمن ماء بارد، وتفتح جراح عقود، وترش الملح فيها.
كتب ثامر قرقوط | اقرأوا هذا الخبر: وقّع 29 حائزاً أوروبياً جائزة نوبل، وستة فائزين بميدالية (فيلدز) للرياضيات، رسالة تتعلق بمخاطر خروج بريطانية من الاتحاد الأوروبي جاء فيها: “إن الابتكار العلمي، يتطلب تدفقاً طبيعياً للناس والأفكار عبر الحدود، ويتيح تبادلاً فورياً للأفكار والخبرات والتكنولوجيا”. هذا الكلام، لاعلاقة له بمطالب المعاملة بالمثل، لجهة تنقل السوريين وسياراتهم، مع دول الجوار.
هي فجوة عميقة، أن يناقش سوريون تشريعاً لوزارة الأوقاف، في الوقت الذي وزعت فيه جوائز نوبل للفيزياء والطب والكيمياء..الخ، الصدفة هنا قاتلة. كما من سوء الطالع، أن يكون السعي لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأطول سندويشة أو أكبر قرص شنكليش والرجل الأصفر. لكن الانتقال من هذا الواقع، يحتاج إلى حجر أساس قوي ومتين، هو البحث العلمي.
غياب البحث العلمي هو الفجيعة، المجال الذي ينقذ الواقع الاقتصادي المتردي، وينتشله من التهاوي اليومي المستمر، مُهمَّل. كيف لبلادنا أن تتهيأ لمرحلة جديدة تؤسس لما بعد الحرب القاسية، والبحث العلمي مُغيَّباً؟ لاتنظر الجهات العامة والخاصة، إلى أن البحث العلمي مُولِّد للثروة، وتقتصر بمواقفها الضيقة على أن هذا البحث يستهلك المال.
منحت حكومة عماد خميس نظرة خاطفة للبحث العلمي، بعقد اجتماع في أواخر آذار الماضي للمعنيين بهذا المجال، وكفاها شر الإهمال والتستر على التقصير في هذا الجانب الحيوي. الآن من الصعب إقناع الحكومة التي لا تقدم حلولاً استراتيجية لمعظم التحديات، ويقتصر دورها على تجبير الخواطر، وترميم الفجوات، يصعب اقناعها أن تغييب البحث العلمي يشكل كارثة. إذ ورثت الحكومة قدرة فائقة على تحييد البحث العلمي، وعدم العناية به، ولا تسعى لتأسيس بيئة بحث علمي صحيحة، أو معالجة مشكلات غياب الابتكار وتحفيز المبدعين.
كم تخصص الحكومة من الموازنة العامة للبحث العلمي؟ تكاد أن تكون الأرقام معدومة، وتتحدث مصادر عن نسبة نصف بالألف، ومقدار انفاق هزيل، فيما كانت حكومات ما قبل نصف قرن مضى، أكثر كرماً في الانفاق على البحث العلمي. والتذرع بالحرب لا ينفع، إذ يورد تقرير المعرفة العربي 2010/2011 أن حصة السوري من الانفاق على البحث العلمي هو 25 سنتاً فقط. كيف تهتم الحكومة بالباحثين؟ وماذا تقدم لهم؟ هي أسئلة لا تخرج عن إطار اهتمامها بمشكلات يومية كتوزيع باصات النقل الداخلي، والتشدد في دوام العاملين. الفرق بين الحكومات ليس بالأداء اليومي فقط، إنما بالرؤى والاستراتيجيات.
ما المبادرات التي يقدمها أساتذة الجامعات السورية؟ ما دورهم الفاعل في معالجة التخبطات الموجودة في إدارة بعض القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والصناعية؟ لماذا هم مغيبون عن ساحة التفكير والمجالس الاستشارية؟ لماذا لا يستفاد من جهودهم ورؤاهم في اقتراح حلول؟ أوالبدء بدراسات في مجالات معينة؟ هو عدم الرغبة الحكومية، وغياب التحفيز، وشعور كل مسؤول بعدم جدوى ذلك.
لنستعرض عناوين رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات السورية، كونها أحد أهم مؤشرات البحث العلمي. رغم مضي عقود على رفع شعار ربط الجامعة بالمجتمع، إلا أنهما في واديين مختلفين، اذ تبتعد الأطروحات عن الواقع، ولدى الباحثين رغبة في انجاز أطروحات تسهم في حصولهم على الشهادات العليا، وليس بالضرورة أن تتناول المستجدات. ومن السهل إيجاد المبررات لذلك، فكل جهة لديها سلة كاملة، من الشروط والأسباب، التي تجعل البحث العلمي لديها غير مذكور في خططها.
البحث العلمي ليس عصا سحرية، لكنه وصفة سحرية بالتأكيد، لحكومة تريد خيراً لبلادها. وفي عود على بدء، وتتمة لموقف الأوربيين الحاصلين على نوبل، إذ حذر هؤلاء من أن “بريكزيت ينصب حواجز أمام تدفق الناس والبضائع والخدمات، ما قد يؤذي العلوم البريطانية”. هكذا يفكر العالم، وهذا هو جوهر تخوفه. يتعالون على القشور، يغوصون في الجوهر، وينظرون إلى المستقبل. فمن يخبر حكومتنا أن تجاهلها للبحث العلمي يؤذي العلوم والمعارف، ويدمر الاقتصاد؟
Post Views:
0