الاصلاحية | خاص |
كتب ثامر قرقوط | يبدع المسؤولون الحكوميون الكبار في الانفاق الجاري، يملكون حماساً هائلاً لصرف هذه الاعتمادات، ينفذون الصرف هنا مئة بالمئة، لكنهم يتحولون إلى أشخاص أخرين عند الانفاق الاستثماري، يصابون بالخمول، يصبحون بخلاء، يعيشون في دوامة لا مخرج لها.
إلى متى ستبقى موازنات الدولة بشقها الاستثماري مجرد حبر على ورق؟ سيناقش مجلس الشعب مشروع موازنة 2019، وكما جرت العادة ستسجل لجنة الموازنة وقطع الحسابات أكثر من 100 ملاحظة على المشروع، وسيعلو صوت بعض النواب انتقاداً لهذا المشروع غير الملبي لاحتياجات الشارع، ومن ثم تنتهي العملية بالتصويت على مشروع الموازنة ويصبح قانوناً.
أهمية الموازنة، أنها خطة الحكومة للعام المقبل، والمؤشرات التي تتضمنها تعبر عمّا تريد الحكومة القيام به. هذا يعني أن موازنة 2019 التي لاتختلف جوهرياً عن سابقتها، لا ينتظر منها أن تحدث تغييراً ايجابياً، باستثناء التزام غير محبب على قلب الحكومة، وهو وجود ترفيعة اجبارية لكل العاملين بأجر تبلغ بالمتوسط 9%. فلا مجلس الشعب قادر على إحداث تغيير في جوهر الموازنة، والحكومة عاجزة عن خلق مساحات تفاؤل جديدة، إذاً سيبقى الزير في البئر.
المشكلة ليست في مشروع الموازنة، إنما في تنفيذ الموازنات السورية بعامة. وتتمثل المعركة الحقيقية في الشق الاستثماري بالموازنة، والبالغ في موازنة العام القادم 1100 مليار ليرة، وهو المجال الذي من المفترض أن يحمل بشائر الخير للناس. هنا مربط الخيل، وعقدة لم تستطع الحكومات السابقة تجاوزها، لكنها عالجتها بطريقة مضحكة. خفض النائب الاقتصادي الأسبق عبدالله الدردري اعتمادات الانفاق الاستثماري في موازنات الخمسية العاشرة(2006 ـ 2010)، هذه قاعدته التخطيطية.
أي أنه بدلاً من معالجة الأسباب، ذهب للتخلص من النتائج، وفَصَّل موازنات عامة وخططاً سنوية على مقاس المسؤولين، وليس على أساس احتياجات البلد، متذرعاً بافساح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار. عدم تنفيذ الخطة الاستثمارية يعني عدم العمل، فهل هذا ما أرادته الحكومات المتعاقبة؟ وفقاً لتقرير لجنة الموازنة وقطع الحسابات في مجلس الشعب، بلغت نسبة تنفيذ المشروعات في موازنة العام الماضي 35% وسطياً، هذه النسبة وردت في كتيب نشره مجلس الشعب عن تتبع تنفيذ موازنة 2005، وعلى هدي هذه النسبة جرت عادة الحكومات المتعاقبة في تنفيذ خططها. ومن المحزن جداً أنه في موازنة 2017 لم تتجاوز نسبة تنفيذ مشروعات استثمارية لعدد من الجهات العامة 5%. هذا المرض المزمن المصاب به الاقتصاد السوري، حولته الحكومات المتعاقبة إلى قاعدة عمل اقتصادية.
لم يُستبدل مدير عام لأنه فشل في تنفيذ مشروعات مؤسسته، لم يُحاسب وزير على تجاهله رفع معدلات الانفاق الاستثماري. المحاسبة على نسب التنفيذ هو مبدأ يتعلق بالشفافية، ومعيار في علم الادارة، تحوّل لدينا إلى سرد جملة الأسباب التي تعوق تنفيذ المشاريع. إذ تمتلك الحكومة بنك معلومات، اسمه الشماعات، يتوفر فيه كل ما يحتاجه المسؤول لتبرير التلكوء في تنفيذ الخطط الاستثمارية.
لايدعو مشروع موازنة 2019 على التفاؤل، كونه نسخة متطابقة عن الموازنات السابقة، وأن حكومة عماد خميس لا تمتلك أدوات التغيير، أو جرأة قلب الطاولة على كل من لاينفذ خطته الاستثمارية.
Post Views:
0