الاصلاحية |
كتب علي حسون | في الوقت الذي تتجه «الصحافة المعمّقة» أو ما يعرف باسم «الصحافة الاستقصائية» لتتسيّد الأنواع الصحفية من حيث قدرتها على إحداث التغيير المنشود، تبدو في بلداننا العربية وضمناً سورية في حالة تراجع مريرة، حتى وصل الأمر إلى حدّ القطيعة مع هذا النوع الرائد من الصحافة.
في عام 2009 كان لكاتب هذه الكلمات شرف إنجاز تحقيق استقصائي عما يمكن تسميته بأكبر صفقة فساد في سورية حول ما عرف حينها بـ«العقد الماليزي» لإعادة تأهيل مطار دمشق الدولي من قبل شركة «موهيبة» الماليزية.
هذا التحقيق، إضافة إلى تحقيقات لزملاء آخرين عملوا على الموضوع أدت حينها إلى توفير ما قيمته نحو 3 مليارات ليرة سورية على خزينة الدولة، وهو ما كان كافياً بحسب خبراء لإنشاء مطار جديد . وللحقيقة، أسوق هذا المثال لسببين : أولها للقول بأن هذا النوع من الصحافة «الاستقصاء» يساهم إضافة إلى إحداث التغيير، بمكافحة الفساد ودعم موارد الدولة والحفاظ على أموال «دافعي الضرائب» السوريين، والتي يمتصها الفساد، وهو أيضاً تذكير لنفسي قبل زملائي الصحفيين بالتوجه نحو الاستقصاء وإعادة الاعتبار له، وخاصةً أننا في مرحلة يبدو فيها هذا النوع من العمل الصحفي مطلوباً بشدة نظراً لأننا في حالة حرب ، مع ما يعنيه ذلك من استفحال للفساد مستفيداً من خلل أصاب أجهزة الدولة الرقابية، فما بالك إن كانت بعض هذه الأجهزة متورطة فيه؟.
الأسوأ، هو ما نشهده خلال السنوات الأخيرة في بلادنا والذي يقف على النقيض من الاستقصاء، وهو ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع التي انتشرت كالفطور، محمّلةً بكل أنواع الفبركة والتسطيح.
قبل عدّة سنوات، أثبت مسح أجرته جامعة أكسفورد البریطانیة أن معظم ما یتم تداوله في الفضاء الالكتروني یحمل عادة مضامین تافهة لیست ذات صلة. ومع ذلك، یتهافت الناس على هذه المضامین التافهة، خصوصاً إذا توافقت مع منظورهم الضیق حیال العالم كما یرونه أو یرغبون في رؤیته.
الیوم، نحن جمیعاً ضحایا الإعلام الرديء والأخبار الملفقة، على أن الفارق بیننا وبينهم یكمن في أن الغرب یشهد مقاومةً أشد للتلفیق على العكس من مجتمعاتنا غير المحصّنة.
في حالتنا تبدو مجابهة الأخبار الملفقة وتشویه الحقائق، التي تنفثه «كتائب الكترونیة» تابعة لمراكز قوى ومال داخلية وخارجية هي مهمّة شدیدة التعقید، ولكنها ليست مستحيلة في حال اختار الصحفيون الانحياز إلى الصحافة الحقيقية، والمعمقة والمثبتة بالدلائل والوثائق، وفي حال أيقنت السلطات بأن هذا النوع من الصحافة هو لمصلحة البلاد والشعب والتغيير المنشود.
المصدر: الأيام
Post Views:
0