الاصلاحية | قيد التحرير |
يسرى ديب | قبل الحرب لم نكن نستورد القمح، ولم يكن هنالك أي أحاديث عن قصص صفقات القمح التي يتم استيرادها مؤخراً.
أحدث أخبار استيراد القمح هي إعلان استدراج عروض بالتراضي لاستيراد 200 ألف طن قمح.
بعدما حصلت الإجراءات المطلوبة، ثم التثبيت لشركتي “سوليد “، و”رافكو”، لكل منهما 100 ألف طن بسعر 255 دولاراً للطن تسدد بالليرات السورية. إلى هنا يبدو الأمر طبيعياً، لولا الموافقة التي حصلت عليها شركة ثالثة هي “سيستوس” على عقد بالتراضي وفي التاريخ ذاته 18/10/2018، وينص على توريد كمية 400 ألف طن قمح والتسديد بالدولار، وبسعر يقل بدولار واحد للطن عن الصفقتين السابقتين (أي 254 دولاراً ظاهرياً)، لكن في الواقع لم يكن الحال كذلك، علماً أن الشركة تقدمت بالطلب في ذات اليوم، وحصلت على الموافقة بالتثبيت في ذات اليوم.
تفاصيل رقمية
التسديد بالدولار .. وبالتراضي.. وبذات الوقت.. مع تلك الشركتين يعني أن هنالك مزايا منحت لهذه الشركة تصل فوارقها إلى نحو 2.5 مليار ليرة هدراً من المال العام بفارق شروط العقدين، والتي تأتي من فارق سعر الدولار” حيث رافكو وسوليد” يسدد لهم بالليرات السورية، بينما سيستوس التسديد بالدولار”، بحيث يصبح على على الشكل التالي:
255 دولاراً × 437.47 (وهو سعر الدولار حسب المركزي) = 111554 ليرة للطن، ولتسديد هذا المبلغ من قبل الشركتين لتوريد الأقماح عليهما أن تحوّلا الليرة السورية إلى دولار تحصلان عليه من السوق السوداء أي 111554÷465 (سعر الدولار في السوق السوداء في حينها) = 239.9 دولار أي أن السعر الحقيقي للطن الواحد من القمح للشركتين بعد التحويل وفق الإعلان هو 239.9 دولار واصل المرفأ.
ولما كانت شركة سيستوس حصلت على عرض 254 دولار للطن بالتراضي مباشرة يكون الفارق السعري بينها وبين الشركتين السابقتين” رافكو وسوليد”هو 254- 239.9= 14.1 دولار زيادة لكل طن، ولكامل العقد 400000× 14.1 = 5.640 مليون دولار، وهو ما يزيد عن 2.467 مليار ليرة بالليرات السورية وبتسعيرة المركزي، وهي مبلغ الفارق السعري بين عقدي سيستيوس بالدولار، والشركتين الأخريين بالليرات السورية.
لماذا..وما المبررات؟
بعد هذا الحساب تظهر الكثير من الأسئلة من نوع:
ما أسباب منح شركة عقداً بالتراضي تتجاوز قيمته 45 مليار ليرة، وليس استدراج عروض؟ وكيف يتم التثبيت باليوم ذاته بسعرين؟
في الوثائق المتاحة لدينا يتبين أن هنالك عقوداً لم تنفذ، وقيمة القمح فيها أقل من العقود الموقعة حديثاً وهي (شركة “زلام أوف شور” كمية 200 ألف طن تاريخ 12/7/2018، بسعر 195 دولاراً، وشركة “سوليد أوف شور”، تاريخ 1/10/2018، بسعر 224.5 دولاراً) أي أن سعر طن القمح العالمي كما تشير هذه العقود خلال الأشهر الماضية لم يكن يتجاوز 225 دولار واصلاً مرفأ طرطوس، وربما لو أمنت المؤسسة القمح في تلك الفترة لكانت وفرت على الدولة مليارات الليرات.
ومع ذلك لم يجر العمل على تنفيذها، عوضاً عن تنفيذ عقد بالتراضي تحت بند الحاجة الماسة، وإذا كان هنالك حاجة ماسة للقمح، فلماذا لم تنفذ العقود الموقعة والتي تتجاوز كميتها 400 ألف طن؟.
المعنيون في وزارة التجارة الداخلية لا تغيب تصريحاتهم يومياً حول الانجازات” النزيهة والشفافة” التي يقومون بها لتأمين مادة استراتيجية تمس الأمن الغذائي للبلد، ولكن للحقيقة لا يمكن فهم الأسباب التي تدفع التجارة الداخلية لإعطاء عقد تصل قيمته لنحو 45 مليار ليرة بالتراضي! خاصة أنه كان بإمكان المؤسسة تحقيق نوع من المنافسة بين تلك الشركات للحصول على عروض أفضل وبذات الوقت المخصص لشركة واحدة، خاصة أنه سبق للمؤسسة أن قسمت إعلان توريد 300 ألف طن على خمس شركات وحصلت كل شركة على 60 ألف طن ونفذت كل الشركات بالوقت المحدد.
كما أنه من الوثائق المتاحة لدينا، يتبين أن المؤسسة وخلال السنوات السابقة التي كانت أكثر سخونة وصعوبة، لم تعتمد على عقود التراضي المباشرة، بل اعتمدت طريقة استدراج عروض أسعار خاصة ما بين 2013 ولغاية 2015، فلماذا تصبح الحاجة ماسة لهذا النوع من العقود في العام الذي يشهد انفراجاً عاماً أكثر؟
ولماذا لم تؤخذ أي إجراءات بحق الشركات التي لم تنفذ العقود الموقعة معها وبأسعار أقل بكثير من السعر الحالي، علماً أن قانون العقود ينص أنه في حال التأخير فالحرمان أو التنفيذ على حساب ناكل (وهو الذي نقض أو لم يف بالتزاماته حسب العقد).
لا تظهر الأرقام المعلن عنها أن هنالك حاجة ماسة لمادة القمح، فقد سبق لوزير التجارة الداخلية أن صرح في مجلس اتحاد العمال أن هناك مخزون استراتيجي يكفي لثمانية أشهر، وتم شراء 400 ألف طن من الفلاحين، وتم استيراد 2.250 مليون طن قمح كما جاء في تصريح مدير عام مؤسسة الحبوب بتاريخ 19 الشهر الجاري لإحدى الصحف المحلية، أي أن هذا يكفي لما يزيد العامين، تبعاً لكميات الاستهلاك المقدرة بنحو 5 ألاف طن قمح يومياً، وبذلك نصل إلى خلاصة مفادها أن هذه الصفقة “400 ألف طن” لا تندرج تحت ضغط الحلول الإسعافية، أو أن هنالك مشكلة في التصريحات!.
Post Views:
0