الاصلاحية | فهد كنجو |
ليس من العسير قراءة ما يدور في خلد الفريق الحكومي، المعزز بتسعة أعضاء جدد،في أول أسبوعين على التعديل، يجتهد رئيس مجلس الوزراء ويضغط باتجاه تأكيد أن التغيير لم يكن من أجل التغيير، في هذه المدة القصيرة يستسلم الاعلام كناقل لأخبار في ظاهرها تدعو للتفاؤل، يستثمر بعض الوزراء الجدد منهم والقدامى في ذاكرة الاعلام القصيرة، ربما عن غير قصد، تعيد ماكيناتهم الاعلامية انتاج نشاطات وتصريحات أسلافهم، هذا بالنسبة للوزراء الجدد، فيما على نحو أضيق ينشط القدامى مدفوعين بإعادة الثقة بهم ليكونوا ضمن فريق المرحلة الجديدة، يعيدون انتاج نشاطات سبق لهم أن نفذوها لكن هذه المرة وفق متطلبات المرحلة، على الأقل هذا ما يصرحون به.
الدفعة الحقيقية التي تلقتها الحكومة الجديدة كانت من خلال اجتماع السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد بهم وكلمته التوجيهية لهم، غير القابلة للتأويل، أخبرهم أنهم حكومة جديدة لمرحلة جديدة، عنوانها المباشر مكافحة الفساد وتحقيق العدالة، يجب أن يتلمس المواطن هذا العنوان سريعاً، نحو سنة ونصف هذا كل ما يفصل الحكومة عن الاستحقاق الدستوري، من المفترض أنها ستدخل مرحلة تسيير الأعمال بعد انتخابات مجلس الشعب في الشهر الرابع من العام 2020.
اعتمدت وسائل الإعلام في أول أسبوعين من عمر الحكومة الجديدة على نقل الراسالة “الهابطة” أي من الأعلى إلى الأسفل، لتحاكي بذلك منشورات “الفيسبوك” (مجرد إخباريات سريعة الهضم لدى جمهور افتراضي) بعيداً عن التحليل والقراءات المعمقة لمجمل القرارات والنشاطات والتصريات لأعضاء الفريق الحكومي، وما إذا كان ذلك يؤسس لمرحلة جديدة فعلاً من العمل الحكومي، أم أنه مجرد فرط نشاط ما بعد التعديل سرعان ما يخفت!.
حدث ما يشبه هذا في صيف 2016 في الأسابيع الأولى من تشكيل الحكومة الحالية، بقي الإعلام منشغلاً بتغطية (أول نشاط للحكومة او أحد أعضائها _ أول تصريح _ أول اجتماع _ أول قرار.. الخ)، يوم الجمعة الفائت عقد رئيس مجلس الوزراء اجتماعا في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، اعتبره الإعلام الناقل للحدث بمثابة مفاجأة، لم يكن كذلك، لكنه ذكرنا بالاجتماعات الحكومية المصغرة، ربما أكثر من يحتاج المؤازرة الحكومية هذه الفترة هو وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عاطف نداف القادم من التعليم العالي (وزير مجرب) يحاول أن يعيد تشكيل صورة ذهنية عنه، الاعتقاد السائد أنه لم يكن موفقاً في حقيبة التعليم العالي، ربما أتت زيارة “خميس” للتجارة الداخلية في هذا السياق (تقديم الدعم)، سيهتم الاعلام أكثر بمخرجات الاجتماع مع حضور رئيس الحكومة، حيال رغيف الخبز وضبط توزيع الطحين وقضايا تمس مباشرة لقمة الوطن، راجع الاصلاحية: خميس: الدولة يوميا تدفع ما يقارب ١.١ مليار ليرة سورية دعما لمادة الخبز.
على مسافة يوم واحد فقط عقد رئيس مجلس الوزراء أول أمس السبت اجتماعاً مصغراً آخر عنوانه “حكومة الطاقة” راجع: الحكومة: زيادة استطاعة الشبكة الكهربائية 5 آلاف ميغا واط حتى 2023، في صيف 2016 كان أول اجتماع مصغر عقده مع نفس الوجوه تحديداً وزارء (الكهرباء والنفط)، هذا القطاع رغم بعض الارهاصات التي أصابته مؤخراً مع بداية فصل الشتاء إلا أنه شهد انفراجات خلال سنتين ونصف من عمر الحكومة، التي استفادت من عوامل عدة في ذلك، الاجتماع جاء على ما يبدو لقطع الطريق أمام الإعلام للتحول إلى الرسالة الصاعدة، ونقل معاناة بعض المناطق بسبب نقص الغاز، ما يؤرق الفترة الأولى من عمل الحكومة المعدلة، فأصابت من خلال الاجتماع بنك أهداف عبر منصات الاعلام، فخففت من حدة النقد، ومنحت جرعة أمل باستقرار هذا القطاع، بناء على ما تملكه من معطيات كشفت عنها التصريحات الاعلامية للمعنيين.
اللافت في هذين الأسبوعين أيضاً هو إقدام جميع الوزراء على تخصيص ساعتين أسبوعياً للقاء المواطنين، الذاكرة القصيرة للإعلام تجلت أكثر في هذا الأمر، حيث سبق وأن كانت تجربة مماثلة في بداية عهد الحكومة الحالية، وكان ثمة يوم يلتقي فيه الوزير بالمواطنين، في البداية داوم بعض الوزراء وحضروا تلك اللقاءات “الشعبية” ثم تركها بعضم لمعاونيهم ما لبث أن كلف مديرين مركزيين بها، شيئاً فشيئاً ألغيت!!، سيستمع الوزراء لشكاوي المواطنين وسيعالجونها وفق الأنظمة والقوانين، فلم يعد بوسع أي منهم توقيع استثناءات لمن حضر اللقاء (الاستثناءات بطبيعة الحال لم تكن تذهب لمثل هؤلاء)، ستحرص الماكينات الاعلامية للوزراء على نشر أخبار بمناسبة هذا الحدث الجلل وإغراق الشارع “الفيسبوكي” بها، لخلق مزاج يؤشر إلى نشاط الوزير المتواضع!!.
فشل بعض الاعلام في تصيد اجترار بعض الوزراء الجدد لتصريحات أسلافهم فيما يخص رؤيتهم لتطوير القطاعات التي تقع ضمن نطاق مسؤولياتهم، لا سيما أن الماكينات الاعلامية هي ذاتها كانت نظمت تلك التصريحات سابقاً، كما أنه لم ينتبه لهفوات الوزراء القدامى الذين ما إن عادوا إلى مكاتبهم بعد اجتمار السيد رئيس الجمهورية بهم، بدأوا حملات التنقيب على “الاستثناءات” لاجتثاثها، ناسين أو متناسين أن مثل تلك الاستثناءات هي التي نالت الحصة الأكبر من حبر اقلامهم الخضراء خلال السنتين والنصف المنصرمتين!!. ربما تستحق الحكومة الجديدة مهلة الـ 100 يوم، لكن هذا لا يعني انجراف الاعلام المحترف خاصة ً، وراء الاستسهال، وتمييع الحالة وكأننا أمام فريق حكومي من الملائكة!.
#لأنو_صار_وقتا..
Post Views:
0