الاصلاحية | متابعات |
على موعد مع الموسم الجديد أطلت الخيبة برأسها لتصفع مزارعي البطاطا، الذين يقفون مكتوفي الأيدي أمام ارتفاع أسعار البذار التي حلقت عالية هذا العام، ومن استطاع إلى البذار سبيلاً ورحمته الظروف المناخية، يعيش في توجس دائم من الانتكاس على عتبة التصدير وانخفاض أسعار المنتج.
ارتفاع أسعار البذار:
مزارعون عدة عزفوا عن زراعة أراضيهم هذا العام بسبب ارتفاع الأسعار، معتبرين أن هذا الموسم مغامرة خطرة فسعر الطن مرتفع جداً ولا أحد يضمن الظروف المناخية أو انخفاض الأسعار التي تتربص بالمزارعين ومحاصيلهم، آملين بإيجاد حلول سريعة لغلاء البذار عبر استيراد كميات كافية من قبل المؤسسة العامة لإكثار البذار وتوفير مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومحروقات على أمل اللحاق بالموسم وزراعة أراضيهم.
المستشار الفني في اتحاد غرف الزراعة عبد الرحمن قرنفلة أشار إلى أن ارتفاع أسعار بذار البطاطا المستوردة مرتبط بأسعارها في بلد المنشأ التي ارتفعت بشكل كبير هذا الموسم، حيث ارتفع سعر البذار هذا العام إلى ما يقارب 250 يورو للطن الواحد عما كان عليه في السنوات السابقة، هذا بالإضافة إلى نقص في توريد البذار حيث لم تتجاوز الكميات الموردة 65% من حجم الاحتياج وذلك لوجود نقص عالمي في إنتاج بذار البطاطا وهذا ما ساهم في ارتفاع أسعار بذار البطاطا محلياً بما يفوق قدرة المزارعين على تحمل تكاليف الزراعة وتضافر ذلك مع خسارة المزارعين الموسم الماضي وهذين العاملين أديا إلى عدم قدرة كثير من المزارعين على زراعة أراضيهم بالبطاطا.
وأضاف قرنفلة أن اتحاد الغرف الزراعية إلى جانب مؤسسة إكثار البذار والتجار من القطاع الخاص يساهمون بتأمين حاجة القطر من بذار البطاطا وبأسعار معقولة، إلا أنه في الموسم الحالي ارتفاع أسعار البذار عالمياً بسبب نقص الكميات المعروضة ادى الى ارتفاع اسعارها محلياً.
مليون ل.س سعر طن البذار!
وحول مطالبة المزارعون بشراء مؤسسة إكثار البذار لكميات إضافية منعاً لاحتكار التجار والتلاعب بسعرها، بين مدير فرع مؤسسة إكثار البذار في حمص المهندس أحمد يوسف أحمد أن المؤسسة غير قادرة على شراء كميات إضافية وتخزينها في المستودعات لأن سعرها مرتفع وقد تتعرض الكميات المخزنة للتلف في حال أحجم بعض الفلاحين عن شرائها علماً أن سعر الطن الواحد في السوق السوداء حاليا يتراوح بين 750 و860 ألف ليرة بزيادة نحو 200 ألف على سعر المؤسسة.
قرنفلة أشار إلى أن هناك إحجاماً عن زراعة البطاطا لدى قسم من المزارعين عازياً السبب للخسائر المتتالية التي يتكبدها المزارعون نظراً لارتفاع تكاليف مستلزمات الزراعة من أسمدة ومبيدات ومحروقات عدا الظروف الجوية التي ألحقت الضرر بمساحات كبيرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار البذار إذ أن تكلفة طن بذار البطاطا الهجين يتجاوز المليون ليرة سورية، ويكفي الطن لزراعة 5 دونماً.
انخفاض أسعار المحصول!
انهيار أسعار البطاطا في أول أيام قلع المحصول مشهد يتكرر كل موسم على الرغم من أن الأسعار تكون أفضل طيلة العام فلماذا يجب أن يكون المزارع دائماً من يدفع ثمن التقلبات السعرية، ويقول المزارع يوسف: جرت العادة أن تحمل الأيام الأولى لموسم قلع البطاطا أسعار جيدة ثم ينخفض السعر تدريجياً بالتزامن مع توالي أيام قلع المحصول، أما ماحصل الموسم الماضي فأن السعر ولد ميتاً، وبحسب قرنفلة فأن هناك أيدي خفية في أسواق الهال تلعب بالأسعار بهدف شراء البطاطا من المزارع بأقل سعر ممكن وبيعها بأعلى سعر ممكن للمستهلك، إلا أن المزارع الوحيد المتضرر من تدني أسعارها.
من جانبه مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة مهند الأصفر أشار إلى أن انخفاض أسعار المنتجات الزراعية عموماً مرتبط بالعرض والطلب والظروف الجوية، ولا يمكن تحديده بموعد معين، وبالتالي أن الأسباب الكامنة وراء انخفاض أسعار البطاطا وفرة المادة وعدم تصديرها إلى جانب قلة الطلب عليها.
اللجوء الى الاستيراد!
يقول الخبر: إن وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بصدد استصدار قرار لاستيراد مادة البطاطا كما يحدث في كل موسم، بمعنى أن الوزارة تعي تماماً أن السوق المحلية في هذا الفترات تعاني نقص بمادة البطاطا، وتلجأ إلى الاستيراد بأسعار مرتفعة لتأمين حاجة السوق، والسؤال هنا لماذا لا تتجه الوزارة إلى دعم المزارع بهذه المبالغ وشراء محصوله وتخزينه لطرحه في هذه الأوقات، ومهما بلغ السعر الذي ستشتري به من المزارع سيكون حتماً أقل من تكلفة الاستيراد وبالتالي تأمين طرح المادة طوال العام وبأسعار مقبولة، وتضمن تشجيع المزارع على الاستمرار الزراعة واكتفاء السوق المحلية وعدم الحاجة للاستيراد، كما تضمن أن من استفاد هو المزارع نفسه وليس التجار الذين اشتروا المادة بأقل الأسعار وخزنوها لاستغلال نقصها في الأسواق وطرحها في الوقت المناسب لهم وبأضعاف سعرها؟ وبحسب قرنفلة فأن منتجو البطاطا يطمحون بأن يكون هناك تدخل إيجابي من قبل السورية للتجارة لدعم تسويق محصولهم أسوة بمحصول الحمضيات وتخفيف العبء عنهم ليتمكنوا من إمداد السوق بمنتج رخيص.
الخسارة القريبة ولا الربح البعيد..
مشاكل مزارعو البطاطا لا تختلف كثيراً عن مشاكل مزارعي الحمضيات اللذين يصطدمون دائماً بمعضلة التسويق والتصدير، مايضطرهم إلى تكديس أطنان من محصولهم في البرادات بانتظار أعجوبة ما تعيد فتح طرق للتصدير والتسويق، ومن لم يستطع تأمين أجار البرادات لجأ إلى تصريف محصوله بالجملة وبأسعار زهيدة جداً على مبدأ “الخسارة القريبة ولا الربح البعيد” فارس الذي يعتمد في معيشته على الزراعة طالب بدعم الحكومة للمزارعين فهم الحلقة الأضعف ويشكون الأزمات الزراعية المتلاحقة وآخرها أزمة الحمضيات التي عانت انهيار أسعار المبيع مقابل وفرة إنتاجية ولم تجد طريقها إلى الأسواق التصديرية ماسبب خراب بيوت للمزارعين ولولا تدخل السورية للتجارة مؤخراً لتسويق المحصول لكان الخراب مضاعف، ولا نريد لموسم البطاطا نفس المصير.
وحول هذه النقطة يقول قرنفلة: مشكلة تسويق البطاطا هي مشكلة مزمنة وقد كان هناك محاولات عديدة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي لتسويق المحصول تعاونياً من قبل جمعيات اتحاد الفلاحين، ولكن بالوقت الراهن تعود مشاكل التسويق إلى تباين حالة الاستقرار الأمني في مناطق الإنتاج إضافة الى دخول كميات من البطاطا تهريباً من الاقطار المجاورة.
وعود خاوية..
دأب المعنيون عن القطاع الزراعي بالتغني بالمحاصيل المنتجة محلياً، وتصنيف قسم منها على أنّه أساسي أو استراتيجي، ويساهم بقوة في الناتج المحلي الذي يعود بفائدة كبيرة على خزينة الدولة، واستفاضوا أيضاً بإطلاق الوعود والشعارات البعيدة كل البعد عن الواقع والتعاطي معه حتى بات المزارع يتحسّر على حاله وأنه عاش على أمل تحقيق هذه الوعود الخاوية من المضمون والتنفيذ.
ومايحتاجه المزارع اليوم عمل دؤوب وفعلي يشعره بأنه معنيّ بتحسين جودة إنتاجه، وهذا الأمر لن يكون إلا إن شعر المزارع بأن هذا المحصول سيدر عليه أرباحاً جيدة تتناسب مع جهده، وبأن محصوله مسوق بسهولة، وليس بحاجة إلى تخزينه بطريقة غير صحية على أمل بيعه بسعر أفضل في أيام قلة العرض.
سينسيريا – هبا نصر
Post Views:
0