الاصلاحية | خاص |
لم يعد يُخفي سكان حي المزة 86 بفرعيه المدرسة والخزان قلقهم جراء حوادث انهيار الأبنية أو تصدعها المفاجىء، الحي العشوائي الذي بقي ملاذاً آمناً على كتف العاصمة دمشق خلال سنوات الحرب رغم تعرضه كغيره من الأحياء لقذائف وتفجيرات، يجتاح قاطنيه اليوم كابوس من داخل البنايات التي بنيت على عجل وبشكل عشوائي وعلى أرض متحركة مرة بفعل المغاور والتجويفات أو سوء الأساسات ومرة بفعل تصريحات مسؤولي المحافظة.
مؤخراً أخلي بناء من خمسة طوابق من سكانه بعد أن أصابته تصدعات واحتمال انهياره قائم، منذ مدة حدثت خفسة أرضية ابتلعت سيارة وأضرت بالمنازل المجاورة، بين هذه وتلك استفاق السكان على خبريات تنظيم الحي وإمكانية عدم حصولهم على تعويض على اعتبار أنهم يسكنون أرض أملاك دولة وليست ملكهم!!.
جبل الـ 86 الذي يأوي مئات الالاف من العائلات كان ولا زال خيار الفقراء كغيره من مناطق العشوائيات لايجاد سقف يأويهم ضمن العاصمة دمشق، تحمل تبعات الحرب والتهجير، واستقطب كثير من المهجرين من المناطق الساخنة والمحافظات التي دخلها الارهابيون، وجعله قربه من مركز المدينة ومؤسساتها التعليمية “الجامعات” ورخص الايجارات فيه قياساً بباقي أحياء العاصمة هدفاً للطلاب في موسم الدراسة، كل ذلك إضافة إلى تضاعف أسعار العقارات فيه إلى 10 أمثال ماكانت عليه قبل الحرب، حفز تجار البناء لرفع وتيرة نشاطهم الخارج عن قوانين وأنظمة البناء، فارتفعت بنايات شاهقة منها وصل إلى 10 طوابق، تكاد لا تشاهد مساحة فارغة من البناء!.
يحكي أحد الوافدين الجدد إلى الحي وقد نزح مع أسرته من بيته في أحد ضواحي ريف دمشق بعد أن اقتربت منه قطعان المسلحين وباتت حياته مهددة: “كان هذا الحي خيارنا الوحيد فعملي قريب من المكان، في البداية استأجرنا ظناً منا أن الازمة لن تطول، لكن فترة مكوثنا طالت”، ومع ارتفاع الاجارات يضيف: “بعت بيتي بسعر زهيد واشتريت غرفة ومنتفعاتها في الـ 86 !!. طبعاً حال هذه الأسرة ينطبق على كثير من الوافدين الجدد إلى الحي، عداد الكهرباء هو سند التمليك الوحيد، ذلك مبعث قلق من نوع آخر!.
منذ نحو ثلاثين عاماً لم يكن الحي بهذا الاكتظاظ تقول فتاة ثلاثينية من مواليد الحي: “كان والدي يعمل بالجيش وهو كغالبية السكان دخله البسيط لم يسعفه لامتلاك منزل في حي منظم، كبرنا هنا وتخرجنا من الجامعات وتوظفنا، في السنوات القليلة الماضية أصبح بيتنا الذي بناه والدي على دفعات وبفترات زمنية متباعدة محاطاً بالبنايات العالية، كلها بنيت على عجل، نعم نشعر بالقلق بعد ما سمعناه عن البناية المتصدعة التي لا تفصلنا عنها سوى عشرات الأمتار، سنبيت على قلقنا ليس لنا خيار آخر تختم حديثها.
لم يعد مجدياً الحديث عن سبب هذا التراكم العشوائي لتك الكتل الهائلة المسماة مجازاً أبنية، الاهمال واللامبالاة وسوء التقدير جعلت مئات الالاف من البشر يتعايشون مع مخاوفهم، مبعث القلق حسب إفادة أحد القاطنين بجوار البناء الآيل للسقوط لا يرتبط بإمكانية انهيار البناء بأي لحظة وحسب إنما أيضاً من أن يلاقي وأسرته مصيراً مشابهاً لسكان ذلك البناء، بعد تشميع البناء أصبحوا أمام خيارين الشارع أو اللجوء إلى مركز إيواء!.
كان ذلك صادماً حيث جرت العادة في مثل هكذا حالات نقل السكان إلى مساكن أخرى، على غرار ما حدث مع سكان 28 منزلاً من نفس الحي خلال العام قبل الفائت أخلوا منازلهم التي تصدعت إثر حدوث انهيارفي التربة نتج عنه حفرة بعمق ١٠ متر، وقتها تم تخصيصهم بمنازل بعقود إيجار رمزية في مجمع ألماظة خليل بمحاذاة حي برزة، وهو بناء برجي تملكه محافظة دمشق، ربما لسوء طالع المنكوبين الجدد، أن تنتشر قبيل أيام من حادثة تصدع بنايتهم، شكوى على وسائل التواصل الاجتماعي مصدرها العائلات الذين خصصوا في المجمع المذكور عن تلقيهم أمراً بإخلاء المنازل، ما اضطر المحافظة للتوضيح أن عقود تأجيرهم تلك المساكن انتهى ولم يحصلوا على موافقة مجلس الوزراء لتخصيصهم بها بشكل دائم، وأنها قامت بتمديد عقود الايجار لـ 19 مسكن لغاية منصف العام الجاري، فيما أنهت إيجار 9 عائلات على اعتبار أنها غير مشغولة.
ذلك يدعم فرضية أن المحافظة لم تكرر نفس الاجراء كي لا تقع مستقبلاً في ذات الاشكال!!، فالحقيقة المرة أنها لا تملك خطة لتدارك مثل هذه الحوادث، الـ 86 ليست منطقة المخالفات الوحيدة في العاصمة ثمة العديد من العشوائيات “عشر الورور” مثلاً ربما تكون أسوأ حالاً، كذلك جزء واسع من منطقة ركن الدين وغيرها، يقول أحد الخبراء العقاريين إن ما تنفقه الحكومة على العشوائيات أضعاف ما تنفقه على المناطق المنظمة، الكثافة السكانية كفيلة بتآكل البنية التحتية من صرف صحي وشبكات كهرباء ومياه وطرقات!.
في اخر انتخابات لمجالس الادارة المحلية أدلى رئيس مجلس الوزراء عماد خميس بصوته في أحد المراكز الانتخابية ضمن المزة 86 كان ذلك رسالة على اهتمام الحكومة بسكان مناطق العشوائيات الذين كانوا صمام أمان للدولة في حربها ضد الارهاب، لا يكاد يخلوا بناء في ذلك الحي من صور لشهيد أو أكثر، تلا ذلك تقديم بعض الخدمات منها تزفيت بعض الشوارع، ومع حلول فصل الشتاء عادت الحفر لتغزوا الطرقات وكأن شيئاً لم يكن!.
ربما بات من الأولوية أن تستنفر محافظة دمشق كل طاقاتها للكشف المبكر عن مجمل الأبنية في ذلك الحي فليس من المعقول أن تنتظر لتصدع بناء هنا وانهيار آخر هناك ثم تذهب وتعاين الأضرار، وعليه يمكنها وضع خطط لتأمين منازل بديلة وبالسرعة الممكنة، لا سيما أن المحافظة ذكرت ذات مرة على لسان أحد مسؤوليها أنها بصدد إعداد دراسة تنظيمية للعشوائيات.
لأنو صار وقتا..
Post Views:
0