الاصلاحية | خاص |
يمر يوم المرأة العالمي على أم أزيد مرور الكرام، معاناتها المتواصلة منذ 15 سنة أعمق بكثير من كل تفاصيل هذا اليوم، هي لن تحصل على إجازة كما حال النساء العاملات في الصين وروسيا مثلاً، اختراقها لرصيف المشاة بصحبة صندوق البويا وولدها العاجز في واحدة من ضواحي دمشق لن يضعها على قائمة الانجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية “النسائية” لتنال احترام العالم وتقديره، لن تجد من يكرمها، في مؤتمرات النساء القدوة، ولن تتصدر صورها أغلفة المجلات، كما أنها لن تشارك في مظاهرات المطالبات بالمساواة ووقف ممارسات العنف أو التحرش ضد المرأة!!.
إيناس محمد | أمراض الضغط والسكري والتهاب الأعصاب ومؤخراً حصوةٌ كبيرةٌ في الكلية منعت أم أزيد من الالتزام بأعمالٍ متعبة زاولتها على مدار سنوات طوال، جاء تحذير الأطباء لها ليمنعها من حمل البضائع (أكياس المحارم والألبسة والجرابات) وينهي عهد تجارتها البائس، وحدها تتذكر وقفتها الأخيرة مع ابنها في ساحة المرجة لبيع كيس المحارم الأخير وفي عيني الطفل سؤال دامع ..” أمي من وين بدنا نعيش هلأ ؟” تقول أم أزيد: ” لفتني منظر الصبية الذين يتربعون خلف صناديق البويا.. ” رح اشتغل ع صندوق بويا “.
الجميع.. أهلُها وأهل طليقها والفتيان اللذين سألتهم عن خبرتهم مع هذا الصندوق استغربوا واستهجنوا قرارَها إلا أنها رأت في سواد هذا الصندوق ، قروشاً بيضاء تعينُها على كالح الأيام .
تكمل أم ازيد قصتها بحسرة: “منذ ثلاث سنوات افترشتُ العديد من الأرصفة في دمشق إلا أن – التطفيش – كان مصيري الدائم بحجة عدم امتلاكي رخصة من المحافظة وعندما ذهبتُ للسؤال عن الرخصة قابلني حارس المبنى بالمسخرة ومنعني من الدخول ” وتضيف:”بعدها لجأتُ إلى شوارع جرمانا وأيضا طردوني في بعض الأماكن ولم يسمحو لي بالجلوس على الرصيف بحجج مختلفة “.
لُقيمات ابنها المصاب بترقق الغضروف الذي يمنعه من القدرة على المشي دون مساعدة الكرسي المتحرك ؛ وأجارُ شبهِ الغرفة الخاوية ذات ال 45000 ألف ليرة شهريا، وثمن الأدوية الباهظ لها ولابنها؛ كل ذلك شكل الدافع الأكبر لها للصمود والتمترس خلف صندوق البويا بعيدا عن الأرصفة المزدحمة.
و يا رخص البويا.. الغلاء داء استشرى في كل السلع في هذا البلد إلا صندوق بويا أم أزيد بقي خارج السباق، لوحتها الاعلانية الكرتونية وعبارتها الملونة تفصح عن السعر “بس ب 25 ليرة “.
ليرات قليله تتقاضاها وأحيانا يغض بعض الزبائن الطّرْفَ عن دفعها بحجة عدم وجود (فراطة) فيكون جوابها المفعم بالتسليم ” مسامح ” وفي قلبها اعتقاد راسخ تردده دائما ” عند الله مابضيع شي “.
مواقف عديدة تتعرض لها أم أزيد ومضايقات يومية من قبل المنظّرين المستهجنين لمنظر أربعينية تمسح الأحذية في الشوارع ، إلا أن مناعة قهريّة تحمي أم أزيد من التأثر بكلامهم، فهي على الأقل لا تتسول المساعدة.
كان هناك محاولتين لمساعدتها على ما تؤكد من خلال نشر صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي تلقت أم أزيد مبالغ ضئيلة جدا لم تكف لسد ديونها المتراكمة وكانت هذه الصورة أيضا مصيدة للذئاب البشرية التي بدأت بالتوافد و اتهام أم أزيد بأنها تلقت الملايين و أن أحدهم أرسل لها تجهيزات كهربائية وبدأت المطالبات بإظهار هذه الممتلكات وحتى اقتسامها مع فاعلي الخير المدّعين ( سارقي الصورة ).
في يوم المرأة العالمي تتحامل أم أزيد وولدها على نفسيهما في مواجهة البرد والصقيع بدون أدنى وسائل التدفئة حتى البطانيات، تقاوم تعبها ومرضها، تحمل “كنزها” الخشبي الأسود ومماسحها المتعبة كحالها وتقصد الرصيف تفترش مابقي فيها من صبر وعزم وتسعى على رزقها ورزق ولدها ، حالها ك حال الكثير من السوريات اللواتي اضطررن لامتهان أعمال كانت حكرا فيما مضى على الرجال، من سائقة تكسي إلى الشاحنة، وصولاً إلى العمل في المقاهي والمطاعم، إصلاح الأعطال الكهربائية، وأخيراً “بويجية”!!.
هي تداعيات الحرب الطويلة، الكثيرات فقدن المعيل فوجدن أنفسهن فجأة مسؤولات ومعيلات، فيما يحتفل العالم بنساء أخريات من طراز رفيع حفلات عشاء في أماكن فخمة وملابس فارهة.
كل ما تطلبه أم أزيد في هذا اليوم من المارين على رصيفها أن يخطوا نحو صندوقها الخشبي بأحذيتهم المغبرة، لتمسحها لهم بس بـ 25 ليرة !!، وشعارها: “لقمة ابني وأجار الغرفة أهم من كل الحكي وطالما فيني نفَس رح ضل اشتغل ” .
البويا “الشغلة اللي منا شغلة”، بأرباعها القليلة تُرجِع أم أزيد لولدها الناطر على كرسي متحرك بالخبز دون اللبس واللُّعب، و بتكرُج الرّباع ع لقمة مغمسة بالبويا.
Post Views:
0