ست نوافذ للاضاءة على تجربة الاعلام الالكتروني في سورية

خاص | الاصلاحية | إيناس محمد |

حجزت العديد من المواقع الإعلامية الالكترونية السورية مكاناً لها بُعيد انطلاقة الاعلام الخاص في سورية، وراحت شيئاً فشيئاً تنتزع من حصة الصحافة “الورقية”، ثم دخل عصر “السوشيال ميديا” من أوسع الأبواب على المجتمع السوري، وكان من اليسر على معظم “المواقع الالكترونية” أن تتحالف مع الوافد الجديد، كل ذلك شكّل تحدٍ لـ “الورقي” وباقي وسائل الإعلام التقليدية، فكان الخيار الحتمي أمامها الانتقال إلى النشر الالكتروني مع الحفاظ على النسخ الورقية (كل الصحف المطبوعة صار لها نسخة الكترونية على الويبسايت وصفحة فيسبوك)، حتى قنوات التلفزة والاذاعات حذت حذوها لتبقى أقرب من الجمهور. لكن ثمة أسئلة عدة بقيت معلقة لجهة المحتوى التحريري للنشر الالكتروني، وما إذا كانت مجرد نسخة الكترونية لمادة إعلامية تقليدية؟!، وهل استطاع هذا النمط من النشر خلق كتّاب صحفيين “مدونين الكترونيين”، ؟!.

بداية هزيلة

الدكتور أحمد شعراوي مدرّس مادة الاعلام الالكتروني في كلية الاعلام بجامعة دمشق اعتبر “أن تجربة الاعلام الالكتروني في سورية بدأت بداية هزيلة، بداية صحافة مطبوعة استخدمت الانترنت فقط كوسيلة عرض وليس كوسيلة إعلام.

وأضاف الشعراوي في حديث لـ”الاصلاحية: للأسف حتى الآن مازالت بعض المواقع تعتمد هذه الطريقة فتعرض مادتها الصحفية غير المنفصلة عن الصحافة التقليدية وهي ليست خاصة بالموقع الالكتروني وتعتمد بعض المواقع على التقاط الاخبار من مصادرها الرسمية المعتادة ونشرها دون وجود هيئة تحرير أو آلية عمل إعلامي حقيقية من رئيس تحرير الى سكرتارية و أمناء ومدراء تحرير ولفت الأستاذ في كلية الاعلام إلى أن معظم المواقع الالكترونية العامة والخاصة يغيب فيها الكادر التحريري الحقيقي ولا تقتصر المشكلة على كمّ الكادر التحريري إنما على نوعية الانتاج الذي يحتاج إلى كادر مؤهل، فمن غير المعقول حسب رأيه اقتصار الكادر على رئيس تحرير مع محررَين أو ثلاثة فهؤلاء ليس باستطاعتهم النهوض بعمل موقع الكتروني، لذا علينا الاطلاع على تجربة المواقع الالكترونية المتطورة في أوروبا مثلا حيث تعتمد هيكلية تحريرية كاملة وكافية بقدرات وامكانيات كبيرة.

وضمن محور “من يكتب في المواقع الالكترونية” يرى الشعراوي أن المواقع الالكترونية لم تصل للنضج من الناحية التحريرية، لذلك جرى الاعتماد على أقلام ظهرت في الازمة تعتمد مواد مدعومة بفكرة أو رأي أو حتى تحقيق استقصائي هزيل لا يحوي مقومات التحقيق الصحيح، وأشار الشعراوي إلى المتابعين لعدد معين من المواقع، ويتحول التوجه الاكبر لوسائل التواصل الاجتماعي لما تحويه من طيف أوسع من الآراء، وامكانيات أكبر حيث حققت بعض صفحات التواصل الاجتماعي انتشارا أكبر ليس فقط من المواقع الالكترونية انما حتى من الاذاعة او التلفزيون “.

ماذا يُكتَب في المواقع الالكترونية ؟

يتنوع المحتوى التحريري في مختلف المواقع الالكترونية، مع سمة مشتركة بين جميع المواقع تتمثل بنشر المواضيع الأكثر جذباً لأكبر شريحة ممكنة وتحاول اعتماد الرشاقة والاختصار لضمان عدم الملل ؛ والبحث عن مواضيع جديدة وضمان السرعة في نشرها لكسب السبق، هنا يرى ماهر عثمان مدير تحرير جريدة “صاحبة الجلالة” الالكترونية أن لكل موقع هويته التي تميزه، فعملية اختيار المحتوى التحريري فيها ليست واحدة إطلاقا، ويشير إلى أن المحتوى التحريري يجب أن يتماهى مع اهتمامات الرأي العام المحلي من حيث مقاربته لهمومهم ومشاكلهم اليومية وعلاقتهم بالحكومة من جهة وعلاقة الحكومة بهم من جهة ثانية لكن بشكل وقالب ومضمون وروح لا يتطرق لها الإعلام الرسمي أو التقليدي غالبا ولا يستطيع الخوض فيها لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها.

لماذا تنشر المواقع الالكترونية القضايا الخدمية والاقتصادية ؟

فيما تنحو معظم المواقع الالكترونية السورية للاهتمام بالجوانب الاقتصادية والخدمية وعلى نحو ضيق الاجتماعية، يشير سومر إبراهيم رئيس تحرير موقع الحقيقة، من خلال تجربته في الإعلام الاقتصادي والنشر الالكتروني، إلى المعالجة التحريرية للمواضيع الاقتصادية عبر المواقع الالكترونية لا تختلف عنها في الاعلام التقليدي وخاصة “الورقي”، وذلك من خلال عدة جوانب منها ما يتخذ الطابع الخبري لوضع المواطن والمهتمين بهذا القطاع بآخر وأهم أخبار اقتصاد البلاد، ومنها طابع تقريري أو تحقيقي تطرح مشكلة اقتصادية معينة أو تسلط الضوء عليها، تتضمن آراء تحليلية لاقتصاديين أكاديميين ممكن أن تشير لحلول جزئية أو اقتراحات، فيما يضمن النشر الالكتروني بحسب رأي ابراهيم مرونة أكبر في مواكبة كل الفعاليات الاقتصادية والمعارض والمؤتمرات ومتابعتها، وخاصة ان الإعلام الاقتصادي يحتاج لمتابعة يومية وأحياناً ساعية من قبل الصحفي لكل ما يجري على المستوى المحلي واحياناً العالمي لأنه متغير بشكل ساعي تقريباً والانقطاع عنه يترك فراغات في معلومات الصحفي يصعب ملؤها فيما بعد.

كيف تضمن المواقع مصداقية ماتنشر ؟

تبقى “المصداقية” عامل تحدٍ للنشر الالكتروني الذي ينحو باتجاه السبق الصحفي على حساب المهنية في بعض الأحيان، وهنا يؤكد الصحفي وسام جديد من خلال تجربته في موقع الوطن أونلاين أن المصداقية يجب أن تكون العامل الأساسي في اكتساب ثقة المتابع واحترامه للوسيلة الاعلامية وليس سرعة النشر، وعليه هناك عدة أمور تتحكم بالمادة الصحفية حتى تكتسب المصداقية، خاصة أنه في الاعلام الالكتروني أصبحت المعلومة متوفرة بشكل كبير لكنها تفتقد أحياناً للمصداقية، وعليه يرى أنه يتوجب أن يسعى العاملون في هذا المجال لإظهار المصداقية والمهنية بعيدا عن التحيز وبعيدا عن الاعتماد على ما يريد ان يسمعه الجمهور فقط، من خلال ذلك يمكن ان نرى الاختلاف في العمل الصحفي للمواقع الالكترونية السورية، وأضاف: “السعي لتحقيق عامل المصداقية يحتاج لفهم أسس الصحافة وإدراك أهمية نقل المعلومة دون تحيز ودون أن تعبر عن وجهة نظر مسبقة أو عاطفية والعمل على تقديمها كاملة متكاملة دون السعي للسبق الصحفي على حساب المهنية على الرغم من اهمية النشر السريع للمعلومة، كما يجب أن ترفق المادة أو الخبر بمصدر موثوق له ن كان مصدر خاص أو مصدر رسمي أو حتى وكالة أنباء أو وسيلة اعلامية تتميز بالمهنية.

توقيت النشر

ماذا عن توقيت النشر بالنسبة للمواقع الالكترونية هل لديها وقت ذروة كما لوسائل الاعلام التقليدي، متى تحقق قراءات أوسع ؟! باختصار يجيب عمر محمد جمعة مدير تحرير موقع جهينة نيوز أن الحدث هو الذروة، ويبن أن هناك اختلافاً قد يبدو كبيراً أحياناً بين وسائل الإعلام المتعددة المكتوبة أو المرئية والمسموعة أو حتى الإلكترونية، في مواكبة الأحداث والتطورات على مدار الساعة، ويرى أن ما يحكم الصحافة الإلكترونية بالتأكيد سيختلف مثلاً عن التلفزيون أو الإعلام المرئي، ومن تجربته يقول: “هناك نشر للأخبار والتقارير الإخبارية على مدار الساعة وبحسب طبيعة الحدث وأهميته، سواء أكان سياسياً أم ثقافياً أو اقتصادياً، وتتعدّد ذرى النشر بين صباحية ومسائية، مع الإشارة إلى أن الحدث في كثير من الأحيان يكون هو الذروة أياً كانت ساعة وقوعه، ولاسيما في التطورات الميدانية، ومثالها أحداث ووقائع الحرب في بعض المناطق السورية، فضلاً عن الأخبار العربية والدولية العاجلة، إذ نسعى إلى مواكبة تفاصيل الحدث وتطوراته المتلاحقة واستثمار الوقت لتقديم خبر سريع، سواء أكان مصدر الخبر “جهينة نيوز” أو منقولاً عن وكالات الأخبار والأنباء المحلية والعربية والعالمية.

هل للنشر الالكتروني جمهور مستهدف محدد فليس كل الجمهور يتصفح الانترنت؟!

يجيب طارق عجيب ومن خلال تجربته في رئاسة تحرير موقع الوسط: “العمل على السوشيال ميديا بحد ذاته يعني أن لا حدود ثابتة تقيد ما ينشر على أي موقع، لذلك من المفترض أن تتوافق أهداف الموقع مع هذه الأرضية المتوفرة للجميع، لكن هذا يتطلب امكانيات وجهوداً تستطيع تحقيق نسبة عالية من هذه الأهداف بغية الحصول على أعلى حصة ممكنة من المتابعين للموقع ضمن الحدود الجغرافية للدولة التي يتحدث في شؤونها الموقع، إضافة إلى جغرافيات كثيرة أخرى يتواجد فيها متابعون لديهم اهتمام بشكل أو بآخر بالشؤون التي يتناولها هذا الموقع. ويضيف عجيب: “شرطُ الكفاية تحدده الأهداف التي وضعت منذ البداية للموقع، فعندما تكون الأهداف محددة وتستهدف المحلي فقط، يكتفي الموقع بالمتابعين المحليين شرط أن يصل الموقع إلى نسبة عالية من هؤلاء المتابعين” . ويتابع: “اما عندما يرتفع سقف الأهداف وتتسع الشرائح المستهدفة ، فهذا يعني أنه لا بد من العمل على استقطاب متابعين غير محليين ، كالمغتربين والمهتمين من غير جنسيات ، ويكون ذلك عبر اختيار مواد جاذبة ونوعية وخاصة تحقق للموقع تميزاً وحضوراً لافتاً ومنافساً في ساحة متخمة بمواقع وصفحات تجعل المنافسة صعبة للغاية “. وللوصول إلى ساحة المنافسة يؤكد عجيب أنه لا بد من تنوع المصادر، وتنوع المواد المنشورة، ومنح الفرص لوجهات النظر المختلفة لتقدم ما تراه مناسباً ويحقق الانتشار ويرفع نسبة المتابعين، ولا يصح بحسب رأيه الاعتماد على فئة عمرية واحدة عندما يكون المستهدف بالمقابل جميع الفئات العمرية من القراء، لذلك يحب الاستفادة من كل العناصر اللازمة لتحقيق غاية الوصول إلى أكبر عدد من المتلقين على امتداد الفضاء الافتراضي الذي لديه ما يجعله يهتم بالقضايا التي يبحث فيها الموقع.

من ، ماذا ، لماذا ، كيف ، متى و أين ؛ أعمدة ستة لنجاح الخبر الصحفي .. اعتمدناها في تقييمنا هذا كمشعر لتقييم تجربة الصحافة الالكترونية السورية التي تسعى لإنضاج تجربتها برغم كل الفوضى المحيطة .