حكواتي الاصلاحية |
تخيلت ماريتا لورنز ابنة الضابط البحار الالماني كل شيء قبل ان تدخل الى مرفأ هافانا في خريف عام 1959، الا انها قد تصبح فعلا عشيقة ثائر كوبا وزعيم ثورتها فيدل كاسترو.
كانت في التاسعة عشرة من عمرها وهو في الثلاثين حين صعد على باخرتها التي كانت تجوب بها العالم. جاءها في زيارة مجاملة، فكانت نظرة أولى ثم عشاء على متن الباخرة، فتشابكٌ لليدبن تحت الطاولة، فقصة حب مليئة بالزهور والخضات والمؤامرات التي كادت تنتهي بقتل الزعيم الكوبي.
هذا هو مختصر ما يمكن قراءته في كتاب “Cher Fidel” الصادر باللغة الفرنسية. هو عبارة عن مذكرات مختارة لعشيقة كاسترو نفسها وفيها تروي كيف تعرفت عليه وهامت بحبه، وكيف حملت منه ولكن رجالا خدّروها وهي في شهرها السابع ونقلوها الى مكان مجهول لتصحو في اليوم التالي دون معرفة مصير طفلها.
من هذه القصة بالذات دخلت الاستخبارات الاميركية سي آي اي لتجنّد الحسناء الالمانية لاغتيال كاسترو. حصل ذلك حين اضطرت ماريتا لمغادرة كوبا صوب الولايات المتحدة للعلاج من آثار الولادة القسرية والقيصرية. هناك تعرفت على آلكس رورك العميل الاميركي الكاثوليكي المتدين. تقرّب منها وعاملها على النحو الذي أدى الى إطلاق ثقتها العمياء به، فأخبرها ان رجال كاسترو هم الذين خطفوها وأجبروها على الولادة.
لكن لماذا يخطفها رجال كاسترو؟
يبدو ان السلطات الكوبية اكتشفت خطورة علاقة العاشقين. تبيّن لها ان والدة ماريتا كانت عميلة للاستخبارات الاميركية، فكان لا بد من إنهاء العلاقة والتخلص من الولد او التسريع بولادته.
لم تصدق ماريتا بداية القصة، لكنها في نهاية المطاف وبعد خضوعها لضغوط السي آي اي واعتقادها بأن كاسترو هجرها فعلا حيث انه لم يصلها أي خبر منه، قبلت ان تعود الى هافانا وتغتاله مقابل مليوني دولار.
بعد عودتها وجدت كاسترو كالمعتاد بانتظارها في جناحهما المعهود في الفندق الكوبي. كان مستلقيا على السرير ويدخن السيجار الشهير، قال لها وهي واقفة أمامه: “إذا يا ماريتا جئت الى هنا لقتلي”، أجابته: “نعم يا حبيبي” وانهارت على السرير. نظر اليها وهي مشهقة بالبكاء وتابع: “حسنا ما الذي تنتظرينه، هذا مسدسي، اقتليني”. أخذت المسدس، صوبته اليه، ثم رمته جانبا وأجهشت بالبكاء مرة ثانية. أغمض عينيه وقال لها: “لا تستطيعين قتلي، ولا أحد آخر يستطيع قتلي”. وعادت قصة غرامهما، لكنها اضطرت للسفر مرة ثانية الى الولايات المتحدة وهي هذه المرة مطأطأه الرأس، حيث لم تعلم شيئا عن ابنها وفقدت في الوقت نفسه ثقة الاستخبارات الاميركية.
على غرار كل من يعمل مع تلك الاستخبارات، لم تعد ماريتا تستطيع التملص من سي آي اي، وتم تكليفها بالتقرب من الدكتاتور الفنزويلي ماركوس بيريز جيمينيز حيث أنجبت منه بنتا، ثم عاشرت جنرالا في الاستخبارات الروسية كي جي بي، وتعرفت في خلال تدريباتها على قاتل الرئيس الاميركي جون كينيدي.
في العام 1981 عادت الى كوبا مجددا، وما كان من كاسترو الا ان قدم لها هذه المرة ابنهما اندريس وكان بدأ آنذاك دراسة الطب، ولكنها لم تشعر لا هي ولا ابنها بشيء من الحنان فعادت الى نيويورك حيث عاشت هناك لتكب روايتها و يعاونها ابنها مارك الذي يعتقد انها أنجبته من عميل لسي آي اي.
أما الجانب السياسي المهم في الكتاب فيتمحور حول علاقة كاسترو بالولايات المتحدة الاميركية، فهي تقول انه لم يكن من الرؤساء الذين يكنون العداء لواشنطن ولكن حين رفض ايزنهاور لقاءه وكلف مساعده ريتشارد نيكسون بتولي الامر، وحين أعرب نيكسون عن احتقار وتعال حيال الزائر الكوبي، قرر فيدل كاسترو التوجه صوب الاتحاد السوفياتي.
تقول ماريتا كذلك في مذكراتها التي نشرتها دار ارشيبال الفرنسية انها لا تزال حتى اليوم حين تنظر الى كاسترو عبر الصور او التلفزات تقول له “ايها العجوز الجميل إني أحبك”
ربما ما ذكرته ماريتا صحيح، وربما ايضا هو من صنيعة الاستخبارات الاميركية لتشويه صورة أكثر الزعماء تحديا لواشنطن في جوارها. فهل يعقل ان كوبا تترك سيدة تريد اغتيال زعيم ثورتها تغادر مجددا الى حضن الاستخبارات الاميركية بهذه البساطة.
مع ذلك فالكتاب جميل للقراءة ولكن بحذر .
موقع خمس نجوم
Post Views:
0