الاصلاحية |
كتب الدكتور عصام التكروري:
صحيح أن إصدار قرار بإلغاء “قرار توطين الخبز” من قبل وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك قبل أداءه للقسم هو أمر مخالف للدستور ( يخالف مادة واحدة من الدستور النافذ ـ المادة 120) ـ الأمر الذي استتبع سحبه ـ لكن هذا يجب ألا يُنسينا أن قرار “توطين الخبز” بحد ذاته هو قرار غير دستوري بالمطلق ( يخالف أربعة مواد من الدستور النافذ) كونه يُحرّم على المواطن السوري أكل الخبز المدعوم ضريبياً خارج مكان إقامته.
هكذا، و بعد مرور 20 عاما على اختراعه، استحق الخبز السياحي اسمه إذ سيتوجب على السوري المسافر خارج محافظته أن يصطحب معه مخصصاته من الخبز المدعوم لمدة يوم واحد ( نصف كيلو ب 100 ل.س ) وبعدها عليه بالخبز السياحي ( من 1700 الى 2000 ل.س للكيلو) إذا أراد ألا يكون ضيفا ثقيلا على مخصصات مضيفه بكل ما يعنينه ذلك من إضافة تهتك قسري جديد للعلاقات الاجتماعية بين الأًسر السورية، و من حرمان للمواطن السوري من تناول الخبز المدعوم من ضرائبه، و هنا يكمن عدم دستورية هذا قرار ” توطين الخبز” لأن دعمه يأتي من جيب دافع الضرائب السوري بغض النظر عن مكان إقامته الأمر الذي يوجب حق المواطن في تناول الخبز المدعوم على كامل الجغرافيا السوريّة ( تصوروا إلى أي درجة بتنا مساكين !!!) فتوطين الضرائب يخالف الدستور بمقدار ما يخالفه توطين أية مادة مدعومة من دافع الضرائب السوري من خبز و بنزين، فهكذا توطين ـ برأينا ـ يكون مشابهاً تماماً لتوطين الدفاع عن الدولة السورية من خلال الطلب إلى أبناء كل محافظة الدفاع عنها ضد ما يتهددها من أخطار بكل ما يعني ذلك من تفريط بالسيادة، مع التذكير بأنَّ الأمن الغذائي هو الوجه الآخر للسيادة الوطنية التي تحميها عقول و سواعد تغذيها عقيدة الوفرة فإعادة الدعم إلى مستحقيه لن يكون إلا من خلال إدارة رشيدة يتولاها قادة إداريون يتمثلون عقيدة ” القيادة بالقدوة”.
استطرادا نقول، إن قرار توطين أي مادة مدعومة هو قرار مخالف للدستور للأسباب التالية:
أولاً: مخالف لمقدمة الدستور النافذ و التي اعتبرت أنَّ الحفاظ على كرامة المجتمع والمواطن هو هدف وغاية كل جهد وطني، ويُعد مؤشراً لحضارة الوطن وهيبة الدولة.
ثانياً: مخالف للفقرة الثانية من المادة 18 من الدستور و التي نصت على مايلي ” تهدف السياسة الإقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الإقتصادي والعدالة الإجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة.
ثالثاَ: مخالف للمادة 19 من الدستور و التي نصت على مايلي “يقوم المجتمع في الجمهورية العربية السورية على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الإجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد.
رابعا : مخالف للفقرة الأولى من المادة 20 من الدستور والتي نصت على مايلي ” الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوي أواصرها”.
وأخيرا، كان الأجدر بمن اعترض على عدم دستورية قرار الإلغاء الصادر عن الوزير الجديد أن يعترض على دستورية القرار بحد ذاته حتى يتم سحبه من قبل الجهة التي أصدرته ( هل لدينا فعلا مستشارين قانونيين في وزاراتنا ؟) و نتمنى أن يبدأ الوزير الجديد عهده بسحب القرار لعدم دستوريته وإلا فعلى مجلس الشعب أن يعترض على دستورية قرار توطين الخبز ( صدقوني هذا ليس حلماً) الذي أصدره السيد البرازي طالما أنَّه لم يمضِ على نشره في الجريدة الرسمية مدة 15 يوما ( المادة 14 من القانون 7 لعام 2014ـ المتضمّن قانون المحكمة الدستورية العليا)، كما يحق لكل مواطن أن يتقدم للقضاء الإداري بدعوى إلغاء قرار توطين الخبز تمهيدا للطعن بعدم دستوريته، و بالتالي إحالته للمحكمة الدستورية للبت بدستوريته.
في النهاية، أشير إلى دراسة هامة للأستاذ زياد غصن بعنوان ” الخبز في زمن الحرب، ازمات وسيناريوهات متعددة” ، هذه الدراسة بيّنت الآليات الممكنة للاستمرار بدعم الخبز و تمثلت إحداها ب “فتح ملف التجاوزات والمخالفات و الهدر الحاصل في جميع المؤسسات والشركات المعنية بمراحل العملية الإنتاجية لمادة الخبز”.
“الدكتور عصام التكروري شاعر وكاتب واستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة دمشق”
Facebook Comments