الاصلاحية | متابعات
تحت عنوان “الثقة أولاً” .. كتبت الوزير السابقة “لمياء عاصي” عن اتساع فجوة الثقة بين المواطنين وحكومتهم في ظل التصريحات المنفصلة عن الواقع والوعود الخلبية التي تطلقها الحكومة .
وقالت “عاصي” في نقالة نشرها موقع “فينكس انه “لا أحد يدرك الحكمة من الغموض وانعدام المشاركة في صناعة القرار الاقتصادي في سورية، فغياب المعلومات المؤكدة واستبدالها بالتسريبات، جعل القاسم المشترك الأعظم لمعظم القرارات الحكومية هو صدورها ليلاً، وخصوصاً إذا كانت تتعلق برفع أسعار المواد، لذلك بات معظم الناس يشكون في قرارات ونوايا الحكومة ولو كانت لمصلحتهم” .
وأكدت “عاصي” إن “فجوة الثقة بين الناس والحكومة تزداد اتساعاً، ولها أسباب كثيرة، تتراوح بين التصريحات التي ليس لها انطباق على الواقع والوعود الخلبية التي لا تتحقق، والقرارات الارتجالية التي تزيد من بؤس الناس أحياناً” .
واعطت مثالاً على ذلك : “في الأول من شباط الحالي، استفاق الناس على خبر إزالة الدعم عن شرائح واسعة، وبالرغم من الأهداف المعلنة من قبل الحكومة من “توجيه الدعم لمستحقيه” ومعالجة العجز المالي في الموازنة، ولكن في الحقيقة سيؤدي رفع الدعم الى ارتفاع كبير في معدل التضخم وهذا ما أثبتته الأسواق في الأيام الأولى من تنفيذ القرار، بسبب الارتفاع في تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي، الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة اجتماعية واقتصادية، كلفتها ربما تفوق كلفة الدعم، إضافة الى تقويض الثقة بين الجمهور والحكومة” .
مضيفةً : “إذا كانت، أهم عوامل بناء الثقة في أي مجتمع هي: الشفافية والمشاركة والمصداقية والكفاءة، وانعدام أو ضعف أياً منها سيكون له تأثير سلبي على بناء الثقة، فكما أن غموض المعلومات والأحداث والأفكار يفتح مجالاً واسعاً للشائعات، التي ما كانت لتنتشر بوجود الشفافية، تعتبر المشاركة في صناعة القرار عاملاً ضرورياً جداً لنجاح التنفيذ، خصوصاً أن الجمهور الذي سيشارك في صناعة القرار سيتأثر حتماً ببرنامج التنفيذ” .
وتابعت : “سنذكر هنا بعض الأمثلة .. في عام 2005 عندما تم إقرار عملية التحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، وبسبب عدم شرح خطوات هذا النهج الاقتصادي ومفرداته وقتها، تم الاكتفاء برسم صورة وردية لعملية التحول الاقتصادي دون ذكر متطلباتها والتحديات الناجمة عنها، فقد وجد معظم الناس أنفسهم بين عاطل عن العمل وعاجز عن المنافسة دون أن يكون لهم سابق معرفة أو تصور” .
وأردفت : “تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا في عام 2007، وجد المواطنون أنفسهم أمام غزو البضائع التركية والصينية والآسيوية، أما منتجاتهم المحلية فقد عجزت عن المنافسة بالسعر أو المواصفات، فانعكس ذلك الانفتاح المشوه أن تحول المنتجون الى مستوردين بإغلاق معاملهم الصغيرة أو ورشهم، فالانفتاح الاقتصادي المدروس والتدريجي والاندماج بالسوق العالمية له مزايا كثيرة، ولكن بشرط أن تؤخذ مصالح المنتجين الوطنين بعين الاعتبار.
واستطردت : “في عام 2010، كانت سورية على وشك التوقيع على اتفاقية الشراكة الأوروبية، وأكدت دراسة أجرتها وزارة الاقتصاد في ذلك العام، بأن معظم الصناعيين لا يعلمون بحجم التحديات التي ستخلقها هذه الاتفاقية، وليس لديهم أي معرفة بمضمونها وتأثيرها عليهم، وخصوصا أنها كانت تشمل السلع والخدمات مع أن اتفاقية الشراكة الأوربية مع معظم الدول العربية كانت تشمل السلع فقط” .
مشيرةً إلى أنه “بعد عام 2011 ونتيجة الأزمة السورية، بدأ سعر صرف الليرة السورية يتغير هبوطاً أمام العملات الأجنبية، واهتزت الثقة بالعملة الوطنية، وقام الكثير من التجار والصناعيين وأرباب الأعمال بتحويل ثرواتهم وأموالهم الى عملات وأصول أخرى أكثر أماناً، لأنهم باتوا لا يثقون بالعملة الوطنية كمخزن آمن للقيمة، ولتخفيف حدة المضاربة والتعامل مع تدني سعر صرف الليرة أمام العملات والسلع، انطلقت حملات كثيرة لدعم الليرة السورية من خلال ايداعها بالبنوك، أيضاً صدرت تصريحات لكبار المسؤولين، بأن الحكومة ستحمي المودعين بالليرة، ولما كانت وعودهم غير صحيحة ولم يتمكنوا من تنفيذها، استمرت الليرة السورية بالتدني مع فقدان الثقة بها” .
وبحسب “عاصي” فإن “الثقة هي البنيان الأساسي للاقتصاد الماليزي وعرف باقتصاد الثقة، وتتلخص الفكرة بأن الدولة ذات مصداقية عالية ولن تسمح بأي خسارة لمواطنيها، وبالتالي فإن وعودها وتصريحاتها صحيحة جداً، هذه الفكرة تم ترسيخها في أذهان الناس واستخدامها لغايات اقتصادية وتنموية، مثل: وضع المدخرات الصغيرة والمتوسطة للمواطنين في قنوات استثمارية، ليتم التمكّن من استخدامها كروافع أساسية للاقتصاد الماليزي، هذه الفكرة تم اثباتها عملياً، في عام 1998 وخلال الأزمة المالية التي ضربت ماليزيا، فقد تم انقاذ المؤسسات والشركات الماليزية المفلسة بالتالي تم منع انهيارها، رغم معارضة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أيضا لهذا الإجراء، هذا الدور الإيجابي أسهم في بناء الثقة، وتم ترسيخ هذا المفهوم من عدة مؤسسات مثل: مؤسسة الأصول الوطنية وصندوق التقاعد وغيرها، عن طريق الأوراق المالية لهذه المؤسسات وغيرها في البورصة، و وزعت كثير من الأموال على المواطنين” .
وختمت عاصي قائلةً : “ضعف الثقة شمل كل المؤسسات المعنية بالشأن العام، ولم تقم من خلال دورها بأي فعل ولم تنتصر لقضايا الناس، مثل: مجلس الشعب والنقابات وغيرها، بكل الأحوال يمكننا تصور الثقة كبناء كبير، وكل قرار أو إجراء، هو بمثابة لبنة أو عمود فيه، وبالتالي يتم تحديد مدى قوة وضعف هذا البناء حسب عدد اللبنات والأعمدة فيه، فالثقة تقوى نتيجة فعل تراكمي، وتعمل كحالة دائمة من البناء والتدمير وإعادة البناء” .
المشهد
Post Views:
0