قبضت شرطة قسم الشريعة بحماة مؤخراً على لص يدعى «عمار.غ»، سرق عدداً كبيراً من المنازل يقدر بأكثر من 60 منزلاً بحي الشريعة المخملي في مدينة حماة، وعلى مدى 15 سنة، وبلغت قيمة المسروقات من أموال ومجوهرات ومصاغ ذهبي أكثر من 20 مليار ليرة بحسب ادعاءات عدد من أصحاب المنازل المسروقة، ومن دون أن يترك وراءه أي أثر.
وفي التفاصيل التي حصلت عليها «الوطن» من مصدر موثوق، فإن هذا اللص ليس لصاً عادياً، ولم يكن يسرق بدافع الحاجة، فهو لم يكن بحالة عوز وليس بحاجة للمال، ومع ذلك كان يسرق ويصرف ما يسرقه على ملذاته الشخصية ولكن بترشيد كبير!. وكان يقتحم المنازل ويسرقها بدافع التحدي لذاته، وليثبت لنفسه أنه قادر على سرقة أي منزل حتى لو كان أهله فيه.
وبيَّنَ المصدر أن هذا اللص يشكل حالة غريبة، وأنموذجاً جديداً وفريداً من اللصوص المتعارف عليهم عالمياً، فهو ليس فقيراً بطبيعة الحال، فوالده ملياردير، ويملك منشرة حجر رخام تقدر قيمتها بنحو 6 مليارات ليرة وهو الوريث شبه الوحيد إذ له أخ متوفى وآخر معوق، وهو الذي يديرها لكون والده في تركيا، ولديه بيت وسيارة، وظروفه المادية ممتازة.
وأوضح المصدر أن هذا اللص كان يسرق بعض المنازل عدة مرات، ولم يكتشف أصحابها السرقة إلا بعد حين.
ولفت إلى أنه يوجد بحقه عدة جرائم سرقة موثقة لدى الجهات المعنية، ولكن لم يقبض عليه طوال تلك السنوات، رغم أنه لم يتوقف عن السرقة قطَّ طوال وجوده في القطر، الذي لم يغادره سوى لمرات معدودة طوال تلك السنوات، فمرة غادر إلى السعودية لمدة عامين، ومرة إلى الإمارات لمدة 8 أشهر، ومرة إلى تركيا لمدة 7 أشهر.
وإنه في بعض الأحيان كان يسرق منزلين في البناء ذاته، فتارةً يسرق منزلاً في الطابق الأرضي، وتارةً يسرق منزلاً في الطابق الأعلى وهكذا.
وذكر المصدر أن هذا اللص سرق ذات مرة خزنة حديد، حيث جرها نحو الباب الخارجي للمنزل الهدف بعد أن بخ أرضه بالمياه، ولكنه لم يستطع حملها ونقلها، فطلب المساعدة من أجير يعمل عنده بالمنشرة، ولكنه أبى الاشتراك معه بهذه السرقة، وبعد جهد جهيد وافق على مضض بمساعدته بنقل الخزنة إلى منشرة الرخام التي يملكها اللص، شريطة أن يأخذ نصيبه كل ما فيها من ذهب إن وجد، وبالفعل نقلا الخزنة للمنشرة ونشراها واستخرجا ما كان بداخلها، وهو نحو 138 ألف ليرة أخذها اللص، وكمية كبيرة من المصاغ الذهبي قدرت قيمتها آنذاك بنحو 10 ملايين ليرة، وكانت من نصيب أجيره كما نص الاتفاق بينهما، إضافة لمسدس حربي عيار 9 مم.
وأما الدوافع الحقيقة للسرقة فيروي المصدر لـ«الوطن»، أن هذا اللص كان قد طلب يد ابنة عمه للزواج، بالعام 2007، ولكن والدها رفضه، ولم يثنه عن قرار الرفض توسط الأقارب أو المعارف أو الأصدقاء، فقرر اللص معاقبته فأقدم على سرقة منزل عمه 3 مرات متتالية ولكن على فترات، ومن دون أن يشعر به أو بالسرقة أحد، ومن دون أن يترك وراءه أثراً.
ومنذ ذلك الحين بدأ بسرقة المنازل الخالية من سكانها المغتربين، منذ ما قبل العام 2011، أو الذين غادروا بعد ذلك التاريخ إلى الخارج.
ومع مرور الأيام طور هذا اللص مهاراته وقرر سرقة المنازل المأهولة وأصحابها فيها!. فكان يركن سيارته أمام البناء الذي خطط لسرقته، ويدخل الشقة الهدف وكأنه أحد سكان البناء، أو من الحديقة المنزلية أو من النافذة، وعند إتمامه جرائم السرقة كان يخرج من أبواب المنازل التي يستهدفها من دون أن يشعر به أحد.
وذكر المصدر أن هذا اللص لم يكن ينفق الأموال التي يسرقها على ملذاته الشخصية بشكل مريب بل باعتدال وترشيد، ولم يكن يغدقها على من حوله، بل كان شديد الحرص بإنفاقها، فهو إذا ارتاد مطعماً مع أصدقائه كان يصر على أن يدفع كل منهم عن نفسه، وإذا قصد الساحل مع أصدقائه كان يطلب منهم دفع أجرة الشاليه ونفقات الاصطياف بالتساوي، بل إنه كان يحاسبهم على قيمة بنزين سيارته.
وأما كيف تم القبض عليه بعد كل تلك السنوات والسرقات، فبيَّن المصدر، أن اللص في ليلة القبض عليه سرق منزلاً في الطابق الأول من أحد الأبنية بحي الشريعة، وانتقل إلى شقة غير مسكونة بالطابق الأعلى ليسرقها أيضاً، فرأت امرأة خيالاً وراء ستار النافذة فأخبرت زوجها الذي كان أمام البناء ينتظرها بسيارته لإيصالها إلى مكان تقصده، فلم يصدقها وظنها تتوهم ذلك من كثرة الحديث عن السرقات في هذا الحي الراقي.
ولكنه عندما أوصلها وعاد للمنزل سمع جلبة على الدرج فصاح: «حرامي.. حرامي».
فخرج عدد من الأهالي من بيوتهم على صوته، وبعضهم اتصل بقسم شرطة الشريعة. فحضرت دوريات منه خلال دقائق، وطوقت المكان وبدأت البحث عن اللص، ولكنها لم تعثر له على أي أثر، إذ هرب من موقع جريمته عبر أسطحة الأبنية.
ولأن الوقت كان بعد منتصف الليل، والكهرباء مقطوعة والبحث عن اللص طال ولم يعد مجدياً، ارتأت الدوريات العودة إلى قسمها، ولكن فطنة الضابط رئيس القسم، أوحت إليه أن اللص لم يبتعد كثيراً عن موقع جريمته، وأنه ربما كان مختبئاً في أحد المنازل غير المسكونة أو في أحد الأقبية، فقرر توسيع رقعة البحث، وتفتيش المنازل التي يعتقد أن اللص قد يلجأ إليها للاختباء ريثما ينفض الأهالي وتغادر الدوريات الحي.
ويضيف المصدر: وبالفعل تم تفتيش العديد من المنازل والأقبية ولم يعثر على أي أثر للص.
ولكن ثمة قبو يقطنه زوجان عجوزان، طرقت عليهما دورية الباب، فرفض الزوج الذي يعاني من ضعف بالسمع دخولها رفضاً قاطعاً بهذا الوقت المتأخر من الليل.
ولكن بعد جهد جهيد من الضابط في إقناعه سمح للدورية بالدخول، والتفتيش، لتعثر على اللص مختبئاً تحت الدرج وممدداً على «كالونات» فارغة !.
فقبضت عليه واقتادته إلى القسم، وبالتحقيق معه لعدة أيام اعترف بكل سرقاته، وأرشد على الذين تورطوا معه، فتم توقيفهم أيضاً.
والطريف في أمر هذا اللص، ما ذكره في التحقيق معه، من أنه كان يسرق للمتعة، وأنه في بعض الأحيان كان يبحث في بعض المنازل التي سرقها عن مفكات ليفتح بها أبوابها بفك براغي أقفالها، وكان يعيد البراغي إلى ما كانت عليه، وكذلك الألبسة في الخزانات التي يفتحها والأثاث الذي يحركه، رغم وجود أهلها فيها كيلا يترك أي أثر.
وأنه «يحب بطنه كثيراً»، فقد كان يسرق من بعض المنازل أنواعاً فاخرة من «الشوكولا» إضافة لمشروبات «طاقة» ويترك بعضها فارغاً وأنه يدخل البيت ويسرقه وأهله فيه من دون خوف أو وجل، أو عائق نفسي، أو خشية من القبض عليه، مكتسباً المزيد من الجرأة.
واعترف اللص أيضاً، بأنه كان يبيع الجواهر والذهب للعديد من الصاغة الذين كانوا يعرفون أنها مسروقة، وكان لا يدقق معهم على الوزن أو السعر، فالمهم بالنسبة إليه تصريف المسروقات والمهم للصاغة شراؤها بأقل ثمن. وبعضهم كان يستلم منه المسروقات ليلاً في ساحة العاصي وعلى متن دراجات نارية، رغم أنهم يملكون أحدث السيارات وأفخم المحال.
وذكر أن بعض قطع الألماس التي سرقها كانت نادرة، وقديمة جداً، ومتوارثة عائلياً جيلاً عن جيل، ولا تقدر بثمن، وأن بعض الصاغة كانوا يدعون أنها مقلدة وذات وزن خفيف ومع ذلك كان لا يهتم ولا يدقق ويقبض أي ثمن ويمشي.
كما اعترف بوجود مخبأ سري في غرفة نومه، يخفي فيه ما سرقه من العام 2020 وما بعد، حيث حفر حفرة تحت أدراج الخزانة السباعية، وأخفاها ببلاطة ثم ورقة مجلة ثم بدرج، وعثرت الشرطة فيها على كمية كبيرة من الأموال والمجوهرات والذهب.
وأكد المصدر أنه تم استرداد بعض من المسروقات وهي مبالغ بالعملة الوطنية والقطع الأجنبي، وكمية كبيرة من المصاغ الذهبي.
كما تم القبض على العديد من الصاغة الذين تعاملوا معه.
ولفت المصدر إلى أن ثمة سرقات لم يبلغ عنها أصحاب المنازل، لأنهم خارج القطر ولم يدروا بها حتى اليوم.
Post Views:
0