بإقالة الوزير عمرو سالم في التعديل الوزاري الأخير تكون وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك “استهلكت” ثمانية وزراء منذ تأسيسها في العام 2012 بعد فصلها عن وزارة الاقتصاد والتجارتين الخارجية والداخلية، لتصبح أول وآخر حقيبة وزارية تذهب لشخصية سياسية محسوبة على المعارضة الداخلية، حيث تولاها آنذاك الدكتور قدري جميل إلى جانب منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية.
ومنذ ذلك التاريخ باتت هذه الوزارة بملفاتها الشائكة واتصالها المباشر بلقمة عيش المواطن، محرقة للوزراء الذين تداولوها، معها يختمون حياتهم الوظيفية، وتكثر حولهم الأقاويل والشائعات، وتلاحقهم تهم الفساد، إلا أن أي منهم (وزراء حماية المستهلك السابقين) لم يدخل السجن، على الأقل حتى تاريخ كتابة هذه السطور!.
يدخل الوزير التاسع للتجارة الداخلية مكتبه في مبنى الوزارة “الادارة المركزية” وهو على دراية تامة بما ينتظره من ملفات غير قابلة للحل، أو على الأقل مفاتيح فكفكتها في مكان آخر، على رأسها تلك التي تتعلق بارتفاعات الأسعارالمتلاحقة المتأتية من زيادة كلف الانتاج وتراجع سعر الصرف، وما يقابلها من تدني في القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين، ما يحتم فشل هذه الوزارة في تنفيذ مسؤولياتها لجهة “حماية المستهلك” من تغول الأسعار، أو حتى تراجع جودتها.
الوزير الجديد محسن عبد الكريم علي هو أحد موظفي وزارة التجارة الداخلية (قبل وبعد فصلها عن وزارة الاقتصاد)، وكانت أولى محطاته فيها بين عامي 2007 و 2012 عندما شغل منصب مدير عام المؤسسة الاستهلاكية، المؤسسة التي دمجت فيما بعد مع مؤسستي (سندس و الخزن والتسويق) في مؤسسة واحدة تحت اسم “السورية للتجارة”، فيما كانت محطته الثانية هي الأبرز عندما عين في العام 2014 في منصب مدير عام مؤسسة التجارة الداخلية والمعادن ومواد البناء “عمران” والتي استمر فيها نحو 9 سنوات إلى أن أصبح وزيراً قبل أيام، هذه المحطة مكنته من معاصرة ستة وزراء للتجارة الداخلية، ما يجعله على دراية -أو هكذا يفترض- بأسباب قصر عمر الوزير في هذه الوزارة، بمعدل سنة ونصف لكل وزير!.
علاقة حقيبة “التجارة الداخلية” بالتجار لجهة وصايتها على غرف التجارة أو لجهة رقابتها على بضائعهم، ليست ميزة للوزير بقدر ما هي صداع دائم له، عادة لا يستطيع وزير التجارة الداخلية إرضاءهم جميعاً، فيقع تحت سهام نقد قسم منهم، وفي الوقت نفسه تظهره هذه العلاقة الملتبسة محابياً لقسم آخر.
كل قرارات رفع الأسعار للمواد الأساسية ستصدر بتوقيع وزير التجارة الداخلية، ما يجعله الخصم الأول للشعب، رغم أنه ينفذ سياسات الحكومة الاقتصادية، بمعنى أن أي وزير للتجارة الداخلية لن يحظى بثقة الشعب ولا محبته، كما أن العصى الرقابية الغليظة التي منحه إياها القانون للتدخل في الأسواق في ظل واقع اقتصادي غير تنافسي ستضعه في مواجهة دائمة مع التجار، وبالتالي كل محاولات التسويق الاعلامي لتغيير هذه الصورة النمطية ستكون مضيعة للوقت.
لا يملك وزير التجارة الداخلية وهو (عضو في اللجنة الاقتصادية) أي سلطة تمكنه من رفض القرارات التي ستؤثر سلباً على معيشة المواطن، أمر يدركه الوزير الجديد جيداً، كل الوزراء الذين حملوا هذه الحقيبة إذا ما استثنينا “قدري جميل” كانوا أول من يدعم التوجهات الحكومية غير الشعبية، على الأقل هذا ما كانت تؤكده تصريحاتهم في كل مناسبة ترفع فيها أسعار المحروقات أو أي من المواد الأخرى.
ملفات بسيطة كتأمين خبز المواطن بيسر وسهولة، ومقننات متواضعة من الرز والسكر عبر البطاقة الذكية، أعيت جميع الوزراء السابقين، فلا زالت طوابير الخبز شاهد عيان على فشل جميع محاولات تفكيك الازدحامات، وإن بدت أقل في فترات معينة، فالوزير السابق وبعد نحو سنتين من استلامه الوزارة إلى أن أقيل كان شغله الشاغل تنظيم شبكة معتمدي الخبز، دون أن يفلح في هذا المسعى!، وفي آخر زيارة له قبل نحو شهر إلى فرن “برزة مسبق الصنع” وجه بإنشاء مسارات حديدية أمام كوات الفرن بعرض 50 سم وطول نحو ثلاثة أمتار لتنظيم الازدحام، لا لتفكيكه!، بينما بدت مسألة تخفيض مخصصات الرز والسكر واحدة من أكثر التوجهات التعسفية للتخلص من الدعم، وبتوقيع “حماية المستهلك”، فهل يفلح الوزير الجديد على الأقل في ضمان تواتر توزيع مخصصات السكر والرز؟!.
الملف الأعقد الذي سيواجه الوزير الجديد يتمثل بتفعيل دور مؤسسة السورية للتجارة، التي خرجت عن دورها الحقيقي في مناسبات عدة، آخرها عندما تصدت لمسألة استيراد “البصل” وتوزيعه على البطاقة الذكية وبسعر غير إيجابي، ورغم أن المعادلة بسيطة لتفعيل دور هذه المؤسسة، إلا أن أي من الوزراء السابقين لم ينجح في ذلك، فالتدخل المطلوب من هذه المؤسسة يكون عبر مسارين، الأول تأمين سلع جيدة وبأسعار أقل من السوق، والثاني دعم المنتجين وخاصة في القطاع الزراعي، باستجرار المنتجات في ذروة الموسم بأسعار تؤمن هامش ربح للمنتج وتضمن استمراره في عمله، وتخزينها وضخها في الأسواق لضمان عدم انقطاعها في أي فترة من الفترات.
لن نتحدث هنا عن دور الوزارة في سوق مواد البناء، التي ارتفعت أسعارها لمستويات قياسية، فالسكن لم يعد أولولية لغالبية السوريين الباحثين عن قوت يومهم، بدليل أن الوزير القادم من مؤسسة “عمران”، يبدو مجهولاً في الشارع السوري، وقليل ما كانت وسائل الاعلام تتدوال اسمه خلال السنوات التسع السابقة.
على كل حال من المستبعد أن يحقق الوزير الجديد في أول 100 يوم أي فارق لجهة الملفات الاستراتيجية، فغالباً ستكون الأولوية في هذه الفترة لترتيب البيت الداخلي للوزارة إثر الفوضى الإدارية التي خلفها سلفه وفقاً لرأي بعض المتابعين لعمل الوزارة،
إضافةً إلى إعادة تهذيب الخطاب الاعلامي للوزارة، حيث امتاز الخطاب في عهد عمرو سالم بالتخوين لكل رأي مخالف، والتشكيك في مرجعية كل نقد وإظهاره على أنه مؤامرة ضد الوزير شخصياَ، ناهيكم عن كثرة التصريحات المستفزة والمعلومات المتناقضة التي كانت تضخها الماكينة الاعلامية للوزير.
فهد كنجو _ موقع المشهد اونلاين
Post Views:
0