حقيقة رسالة فان جوخ الأخيرة قبل وفاته!
رغم وفاته في أواخر القرن قبل الماضي منذ ما يقرب من 133 عامًا إلا أن وفاة الرسام الهولندي العالمي فينسنت فان جوخ تشغل بال الكثيرين، خاصة وأن أحدًا لا يعلم إن كانت وفاته انتحار أم عن طريق الخطأ حيث تلقى رصاصة في صدره أردته قتيلاً وهو في السابعة والثلاثين من عمره.
رسالة الانتحار
ورغم الجدل حول سبب وفاة فان جوخ، فإن الكثيرون يصدقون رواية انتحاره، نتيجة لتداول كبير رواد لرسالة انتحار نسبت للرسام العالمي وقيل أنها آخر ما كتب قبل انتحاره، حيث كان يعاني العديد من الأزمات النفسية التي حاول العلماء في وقت لاحق لوفاته توقع ماهية هذه الأزمات، فافترضوا أنه كان يعاني من الإصابة بالصرع والاضطراب ثنائي القطب واضطراب الشخصية الحدية والبورفيريا المتقطعة الحادة والتسمم بالرصاص والفصام والاضطراب الفصامي العاطفي واضطراب تعاطي المخدرات واضطراب إيذاء الذات غير الانتحاري، إضافة إلى اضطراب القلق.
حقيقة رسالة الانتحار
كان مصدر الرسالة التي انتشرت بقوة عبر منصات التواصل الاجتماعي الكاتب السوري نبيل صالح حيث نشرها في جريدة تشرين السورية عام 1990، والذي كان قبل ذلك قد ترجم 65 رسالة من الرسائل التي كتبها فان جوخ لأخيه ثيو وجمعهم بكتاب له يسمى “شغب”.
لفت الانتباه وراء نشر الرسالة
خرج الكاتب السوري ليعلن المفاجأة التي صعقت كل من تغنى برسالة الانتحار، بأنه قام بتأليفها من وحي خياله وضمها إلى الكتاب وتصور خلالها المشهد الأخير الذي عاشه الرسام العالمي، ووجه رسالة إلى القراء قال خلالها إنه عاش حالة من الخيبة بعدما نشر عمله الأدبي رسالة الانتحار الأخيرة في “تشرين” ثم وضعه في نهاية كتابه “شغب” لعدم تفاعل أي من الفنانين السوريين مع هذا النص الأدبي الذي اعتبره بمثابة دراسة في اللون الليلكي وعلاقته بالموت والحياة، مع تأويل جديد لانتحار فان جوخ وقطعه لأذنه قبل ذلك.
وأضاف نبيل صالح في رسالته إلى الجمهور: “قد أدت خيبتي هذه إلى توقفي عن كتابة النقد الفني لأعمال فناني الحداثة في سورية، بل إني قلت لنفسي مواسيا إنهم مجرد ملونين أميين .. وبالعودة إلى النص أذكر أني كنت وقتها متأثراً بالفلسفة الوجودية وقد كتبته بعد تأمل استمر أربعون يوماً لخط الأفق لحظة بزوغ الفجر، كنت أعمل وقتها حارساً ليلياً لمشروع بناء جديد لصالة مطار دمشق الدولي، والتي تقع على تخوم ريف دمشق الممتدة نحو البادية، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي .. راقبت أيامها تدرجات الليل على خط الأفق، متقمصاً شخصية فان غوغ ومتخيلاً رسالته الأخيرة إلى أخيه ثيو التي يشرح له فيها سبب إقدامه على إنهاء حياته” .
وعبر عن استيائه لنسب الجميع عمله الأدبي للرسام العالمي فان جوخ، وكأن لسان حاله يقول متى ينصف الجمهور والفنانون أعمالي.
بلاغة تنتج عن التأليف وليس الترجمة
بعد التوضيح الذي نشره “صالح” رأى العديد من القراء أن عمق التشبيهات ولباقة وتناسق الألفاظ في النص، يؤكد ما قاله الكاتب السوري فمن الصعب أن يتم ترجمة نص بهذه الدرجة من الإبداع فمن المعروف أن ترجمة نص يتطلب الالتزام بالمعنى مما يقيد المترجم ويحد من قدرته على الإبداع.
وتفاعل رواد مواقع الواصل الاجتماعي مع رسالة الانتحار المنسوبة بالخطأ إلى فان جوخ، واصفين إياها بالرسالة العبقرية التي جعلتهم يشعرون وكأن فان جوخ هو من ينطق بتلك الكلمات، وأثنوا على نجاح الرسالة في التأثير على عواطفهم وشعورهم بتدفق مشاعر الحزن في قلوبهم، وتمنوا أن يحظى الكاتب السوري بالتقدير المناسب أثناء حياته وألا يحصل عليه بعد وفاته ويكون مصيره كمصير الرسام العالمي فان جوخ الذي نال شهرته دون أ يراها على حياة عينه.
الرسالة التي كتبها نبيل صالح ونسبت لفان جوخ
عزيزى ثيو..
إلى أين تمضى الحياة بى؟ ما الذى يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة، إننى أتعفن مللا لولا ريشتى وألوانى هذه، أعيد بها خلق الأشياء من جديد، كل الأشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطؤها الزمن، ماذا أصنع؟ أريد أن أبتكر خطوطا وألوانا جديدة، غير تلك التى يتعثر بصرنا بها كل يوم.
كل الألوان القديمة لها بريق حزين فى قلبي، هل هى كذلك فى الطبيعة أم أن عينى مريضتان؟ ها أنا أعيد رسمها كما أقدح النار الكامنة فيها.
فى قلب المأساة ثمة خطوط من البهجة أريد لألوانى أن تظهرها، فى حقول “الغربان” وسنابل القمح بأعناقها الملوية. وحتى “حذاء الفلاح” الذى يرشح بؤسا ثمة فرح ما أريد أن أقبض عليه بواسطة اللون والحركة… للأشياء القبيحة خصوصية فنية قد لا نجدها فى الأشياء الجميلة وعين الفنان لا تخطئ ذلك.
اليوم رسمت صورتى الشخصية ففى كل صباح، عندما أنظر إلى المرآة أقول لنفسي:أيها الوجه المكرر، يا وجه فانسنت القبيح، لماذا لا تتجدد؟
أبصق فى المرآة وأخرج… واليوم قمت بتشكيل وجهى من جديد، لا كما أرادته الطبيعة، بل كما أريده أن يكون..
عينان ذئبيتان بلا قرار. وجه أخضر ولحية كألسنة النار. كانت الأذن فى اللوحة ناشزة لا حاجة بى إليها. أمسكت الريشة، أقصد موس الحلاقة وأزلتها.. يظهر أن الأمر اختلط علي، بين رأسى خارج اللوحة وداخلها… حسنا ماذا سأفعل بتلك الكتلة اللحمية؟
أرسلتها إلى المرأة التى لم تعرف قيمتى وظننت أنى أحبها.. لا بأس فلتجتمع الزوائد مع بعضها.. إليك أذنى أيتها المرأة الثرثارة، تحدثى إليها… الآن أستطيع أن أسمع وأرى بأصابعي. بل إن إصبعى السادس “الريشة” لتستطيع أكثر من ذلك: إنها ترقص وتب وتداعب بشرة اللوحة…
أجلس متأملاً : لقد شاخ العالم وكثرت تجاعيده وبدأ وجه اللوحة يسترخى أكثر… آه يا إلهى ماذا باستطاعتى أن أفعل قبل أن يهبط الليل فوق برج الروح؟ الفرشاة. الألوان. و… بسرعة أتداركه: ضربات مستقيمة وقصيرة. حادة ورشيقة..ألوانى واضحة وبدائية. أصفر أزرق أحمر.. أريد أن أعيد الأشياء إلى عفويتها كما لو أن العالم قد خرج تواً من بيضته الكونية الأولى.
مازلت أذكر: كان الوقت غسقا أو ما بعد الغسق وقبل الفجر. اللون الليلكى (يعبر عن الليل ) يبلل خط الأفق… آه من رعشة الليلكي. عندما كنا نخرج إلى البستان لنسرق التوت البري. كنت مستقراً فى جوف الشجرة أراقب دودة خضراء وصفراء بينما “أورسولا” الأكثر شقاوة تقفز بابتهاج بين الأغصان وفجأة اختل توازنها وهوت. ارتعش صدرى قبل أن تتعلق بعنقى مستنجدة. ضممتها إلى وهى تتنفس مثل ظبى مذعور… ولما تناءت عنى كانت حبة توت قد تركت رحيقها الليلكى على بياض قميصي.. منذ ذلك اليوم، عندما كنت فى الثانية عشرة وأنا أحس رحيقها الليلكى على بياض قميصي.. منذ ذلك اليوم، عندما كنت فى الثانية عشرة وأنا أحس بأن سعادة ستغمرنى لو أن ثقباً ليلكياً انفتح فى صدرى ليتدفق البياض… يا لرعشة الليلكي…
الفكرة تلح على كثيراً فهل أستطيع ألا أفعل؟ كامن فى زهرة عباد الشمس، أيها اللون الأصفر يا أنا. أمتص من شعاع هذا الكوكب البهيج. أحدق وأحدق فى عين الشمس حيث روح الكون حتى تحرقنى عيناي.
شيئان يحركان روحي: التحديق بالشمس، وفى الموت.. أريد أن أسافر فى النجوم وهذا البائس جسدى يعيقني! متى سنمضي، نحن أبناء الأرض، حاملين مناديلنا المدماة..ولكن إلى أين؟.. إلى الحلم طبعاً.
أمس رسمت زهوراً بلون الطين بعدما زرعت نفسى فى التراب، وكانت السنابل خضراء وصفراء تنمو على مساحة رأسى وغربان الذاكرة تطير بلا هواء. سنابل قمح وغربان. غربان وقمح… الغربان تنقر فى دماغي. غاق… غاق.. كل شيء حلم. هباء أحلام، وريشة التراب تخدعنا فى كل حين.. قريباً سأعيد أمانة التراب، وأطلق العصفور من صدرى نحو بلاد الشمس.. آه أيتها السنونو سأفتح لك القفص بهذا المسدس
القرمزي يسيل دم أم نار؟
غليونى يشتعل: الأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادي. للرمادى احتمالات لا تنتهي: رمادى أحمر، رمادى أزرق، رمادى أخضر. التبغ يحترق والحياة تنسرب. للرماد طعم مر بالعادة نألفه، ثم ندمنه، كالحياة تماماً: كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقا بها… لأجل ذلك أغادرها فى أوج اشتعالي.. ولكن لماذا؟! إنه الإخفاق مرة أخرى. لن ينتهى البؤس أبداً…
وداعاً يا ثيو، سأغادر نحو الربيع
Post Views:
0