حادثتان قادتا إلى كشف المستور في ملف أسعار المشتقات النفطية، والتي تم رفعها خلال الأشهر القليلة بنسب تسببت بارتفاع معدلات الغلاء إلى مستويات مدمرة لما تبقى من معيشة شريحة واسعة من المجتمع السوري.
الحادثة الأولى جرت منذ فترة خلال جلسة نقاش جمعت عدداً من الاقتصاديين والصحفيين، وفيها تم تقليب الأسباب التي تدفع الحكومة إلى رفع أسعار المشتقات النفطية فيما أسعار النفط عالمياً تنخفض، فكان أن ورد تعقيب هام من أستاذ جامعي قال فيه إن الحكومة تعتمد في تسعيرها على بورصة أسعار المشتقات النفطية العالمية، وهي اليوم في ارتفاع، أجبته: لكن نحن نستورد النفط خاماً ويكرر في مصفاتي حمص وبانياس، رد علي نافياً ذلك، ومؤكداً أن ما يستورد هو مشتقات نفطية وليس نفطاً خاماً، ولأني على يقين من أن البلاد تستورد النفط خاماً بشكل كامل بحكم متابعتي للملف منذ سنوات، فقد سألت بعض المعنيين في وزارة النفط الذين أكدوا صحة ما قلته.
الحادثة الثانية ما تضمنه الكتاب المسرب مؤخراً لوزارة النفط، والمتعلق بتسعير مادة البنزين العادي المباع للقطاع الخاص (مسبق الدفع)، إذ جاء في الكتاب المذكور أن السعر المحدد هو ما خلصت إليه لجنة احتساب وسطي تكلفة الاستيراد التقديرية للمشتقات النفطية.
إذاً.. الحكومة تنطلق في احتسابها لتكاليف المشتقات النفطية من فرضية أنها مشتقات مستوردة، فيما عملياً ما يجري استيراده بموجب الخطوط الائتمانية الموقعة مع الجانب الإيراني هو نفط خام يتم تكريره في مصفاتي حمص وبانياس، ماذا يعني ذلك الإجراء الحكومي؟
يعني التالي:
– أن الحكومة تسعر المشتقات النفطية في السوق المحلية وفقاً لما تحدده بورصة أسعار المشـتقات النفطـية عالمياً، والتي هي غالباً أعلى من بورصة أسعار النفط الخام، وليس وفقاً للتكاليف الحقيقية المدفوعة لاستيراد النفط وتكريره في المصافي المحلية.
-إضافة 10% كرسوم جمركية أثناء عملية احتساب تكاليف المشـتقات النفطيـة وفقاً لما تنص عليه أنظمة التجارة الخارجية عند استيراد المشتقات النفطية، وهذه تكلفة إضافية يتحملها المواطن جراء السياسة الحكومية القائمة على استسهال تحصيل الإيرادات بأي طريقة كانت.
وبذلك فإن تكاليف الإنتاج، التي تتحجج الحكومة بارتفاعها في إصدارها المتواتر لقرارات رفع أسعار المشـتقات النفطيـة، غير صحيحة أو بالأحرى هي مجحفة بحق المواطن في هذه الظروف الصعبة، فإلى جانب أن الكميات النفطية المستوردة لايسدد ثمنها بالكامل بموجب الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإيراني، فإن الحكومة تبيع المشتقات النفطية المكررة محلياً للمواطن وللفعاليات الاقتصادية والخدمية بتكاليف مصطنعة وغير موضوعية، الأمر الذي يزيد من الصعوبات التي تواجه المنتجين في البلاد، ويرفع من مستوى الضائقة المعيشية إلى حدود مخيفة.
وأختم بالسؤالين التاليين: ما هي المبررات القانونية التي اعتمدت عليها الحكومة في تسعيرها للمشـتقات النفطيـة على أنها مستوردة؟ وهل يمكن للجهات الرقابية أن تحقق في الملف بحيادية مطلقة حتى لو خلصت التحقيقات إلى توجيه الاتهام للحكومة؟
زياد عصن – أثربرس
Post Views:
0