زياد غصن | اثر برس
إذا كان تدني الرواتب والأجور في المؤسسات العامة سببه سياسة التوظيف الاجتماعي التي اتبعت منذ ما يزيد على أربعة عقود من ناحية، وخسائر شركات القطاع العام جراء سوء الإدارة والفساد من ناحية أخرى، فما هي يا ترى أسباب تدني الرواتب والأجور لدى القطاع الخاص، الذي قد تكون رواتبه أعلى من العام، إلا أنها تبقى مع ذلك أقل بكثير من متوسط الإنفاق المطلوب شهرياً لتتمكن الأسرة السورية من تأمين احتياجاتها الأساسية؟
نادراً ما يتم تناول سياسة الرواتب والأجور في القطاع الخاص ومساهمتها في تعميق الخلل الحاصل في توزيع الدخل القومي، وإذا ما جرى ذلك فإنه عادة ما يتم بطريقة عامة لا تقترب من توصيف الواقع بالأرقام والبيانات والأمثلة بحكم أن القسم الأكبر من النشاط الاقتصادي الخاص مصنف على أنه غير منظم، إضافة إلى غياب البيانات والأرقام الإحصائية المفترض أن توفرها المسوح عن الأنشطة الاقتصادية والخدمية الخاصة النظامية.
في هذه المقالة سنحاول التعرف على ما تشكله “نفقات الموظفين” في واحدة من أهم الشركات المالية المساهمة، والتي يعتقد أنها من بين الجهات الخاصة التي تدفع اليوم أعلى رواتب لعامليها، ونحن هنا نقصد المصارف الخاصة، التقليدية والإسلامية، مستندين في ذلك على ما تضمنته التقارير المالية السنوية للمصارف عن عام 2023، والمعتمدة من قبل هيئة الأوراق والأسواق المالية.
– ثلاثة مؤشرات أساسية:
بحسب بيانات هيئة الأوراق والأسواق المالية فإن هناك 14 شركة مساهمة مصرفية، منها 11شركات مصرفية تقليدية و4 شركات مصرفية إسلامية، وتظهر بيانات الإفصاح المنشورة رسمياً وجود تباين واضح بين تلك الشركات من حيث كتلة نفقات الموظفين، سواء من حيث قيمتها أو نسبتها إلى إجمالي ثلاثة مؤشرات أساسية جرى اختيارها للوقوف على ما آل إليه الخلل المزمن في توزيع الدخل القومي، مع الإشارة إلى أن هيئة الأوراق المالية لم تنشر حتى إعداد هذه المادة التقرير السنوي لبنك سوريا والخليج، وبالتالي لم يتم إدراج البنك ضمن هذه الدراسة.
المؤشرات المعتمدة في مقاربة نفقات الموظفين هي: الدخل التشغيلي، المصاريف التشغيلية، والربح الصافي سنوياً.
في المؤشر الأول المتعلق بنسبة نفقات الموظفين إلى إجمالي الدخل التشغيلي، فإن الاستنتاجات تؤكد أن أعلى نسبة متحققة كانت في البنك الوطني الإسلامي وبلغت حوالي 14.6%، والسبب أن البنك حديث العهد في السوق السورية، وبالتالي فإن دخله السنوي المتحقق لايزال محدوداً، أما النسبة الثانية فكانت في بنك سوريا الدولي الإسلامي 7.6%، ثم بنك البركة ثالثاً بحوالي 6.4%، ورابعاً جاء بنك بيمو السعودي الفرنسي بحوالي 4.4% متقدماً على بنك الشام الذي سجل نسبة وقدرها 4.2%.
أما أقل نسبة متحققة فكانت في بنك قطر الإسلامي 0.7%، وقبله كان بنك بيبلوس بنسبة 2.1% متأخراً بقليل عن بنك الأردن، والذي سجل حوالي 2.3%.
بالانتقال إلى المؤشر الثاني والخاص بنسبة نفقات الموظفين إلى إجمالي المصاريف التشغيلية، فإن أعلى نسبة سجلت كانت أيضاً في البنك الوطني الإسلامي بحوالي 65.7% وللسبب نفسه المذكور سابقاً. وفي المرتبة الثانية جاء بنك الأردن بنسبة 58.8%، تلاه بنك الشرق بنسبة تقدر بحوالي 57.7%، فالبنك العربي ثالثاً بنسبة 51.25% متقدماً بفارق بسيط جداً عن بنك البركة الذي سجل ما نسبته 51.24%، المرتبة الخامسة كانت من نصيب المصرف الدولي للتمويل والتجارة بنسبة 47.7%.
الأقل نسبة في هذا المؤشر كان بنك بيمو الذي سجل حوالي 20.7%، وقبله كان البنك الأهلي بحوالي 22.2%، وسوريا والمهجر بنسبة 30.1%.
نصل إلى المؤشر الأكثر أهمية ودلالة، والذي يرصد نسبة ما تشكله نفقات الموظفين إلى إجمالي الربح الصافي السنوي المتحقق، وهنا أيضاً جاء البنك الوطني الإسلامي المؤسس حديثاً أولاً بنسبة وصلت إلى حوالي 18.9%، ثم بنك سوريا الإسلامي ثانياً بنسبة 9.8%، فالبركة ثالثاً بنسبة بنسبة 7.7%، ورابعاً جاء بنك بيمو بنسبة وصلت إلى 5.5%، وخامساً كان بنك الشام الإسلامي بنسبة 4.7%.
أما المصارف التي سجلت أقل نسبة فكانت على النحو التالي: بنك قطر الإسلامي بنسبة 0.7%، بيبلوس 2.2%، الأردن 2.4%، المصرف الدولي للتمويل والتجارة 2.8%، العربي 2.92%، والأهلي 2.93%.
أربع حقائق هامة:
في قراءته لهذه النتائج، يذهب باحث اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه إلى القول إن “الرواتب والأجور في القطاع الخاص هي جزء من تكاليفه التشغيلية والتي يستطيع التحكم فيها، لكن هذا القطاع حريص على تخفيض الرواتب إلى الحد الأدنى مستفيداً من ضعف الفرص البديلة، ولذلك يحرص على أن تكون رواتبه أعلى بقليل من تلك المعمول بها في القطاع العام ليتمكن من جذب الخبرات والكفاءات، إضافة إلى وجود اتفاقات غير معلنة بين أصحاب الأعمال على التقيد بمستويات محددة للرواتب والأجور، ثم إن الإجراءات والقرارات الحكومية تدفع دوماً إلى عدم توسيع فجوة الرواتب والأجور بين القطاعين العام والخاص”.
ويضيف أن البيانات المتعلقة بالمصارف “تخفي خللاً في توزيع كتلة الرواتب والأجور، فالرواتب الضخمة هي لأعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا وغالباً ما تكون من غير السوريين”.
بالمحصلة يمكن القول إن هذه النسب تقودنا إلى استنتاج مجموعة من الحقائق الأساسية، والتي يمكن إجمالها بالنقاط التالية:
-إذا ما تم استثناء البنك الوطني الإسلامي لحداثه عمله في السوق، وبالتالي وجود قابلية لحدوث تغييرات على مؤشراته، فإن جميع المصارف لا تمنح الموظفين سوى نسبة قليلة جداً من الإيرادات المتحققة أو من الربح الصافي. وهذا يؤشر إلى أن الخلل في توزيع الدخل القومي لا يزال مستمراً بالتعمق والتجذر.
-تشكل نفقات الموظفين الجزء الأكبر من المصاريف التشغيلية لمعظم المصارف، فهناك مثلاً مصرفين اثنين فقط تدنت نسبة نفقات الموظفين إلى إجمالي المصاريف عن 30%، وهذا يعني أنه لا مبرر يحول دون زيادة النسبة التي تشكلها نفقات الموظفين إلى الإيرادات أو الربح الصافي.
-في نسبة نفقات الموظفين إلى الإيرادات يلاحظ أن المصارف الإسلامية هي الأفضل عموماً حيث احتلت المراتب الثلاث الأولى،
-ارتفاع إجمالي الربح الصافي في بعض المصارف جراء فوارق القطع لا يعني أنها يجب أن تكون خارج المقارنة، فهذا الربح يخضع في النهاية للضريبة فلماذا لا يخضع للمقارنة أيضاً مع نفقات الموظفين؟
-على خلاف الصورة المترسخة في أذهاننا، فإن أعلى ربح سنوي متحقق في العام 2023 لم يكن في شركتي سيريتل وإم تي إن للاتصالات، فهناك مصرفان تقليديان وصل ربح الأول 1187 مليار ليرة والثاني 1627 مليار ليرة، ومع ذلك كانت نسبة نفقات الموظفين في المصرفين المذكورين إلى ذلك ربحهما قليلة جداً.
Post Views:
0