تذهب معظم القناعات المتعلقة بظاهرة الاحتكار إلى تفرد أشخاص بنشاط اقتصادي أو خدمي معين بموجب مساعدة حكومية قد تكون مباشرة عبر إجراءات وقرارات معينة تخلق بيئة أعمال غير تنافسية، وقد تكون غير مباشرة من خلال فشل وتراخي المؤسسات الحكومية في القيام بمهامها بمكافحة الاحتكار، وهذه قناعات صحيحة في جانب معين، إنما هي تبدو نظرة قاصرة لجهة الإحاطة بحقيقة انتشار ظاهرة الاحتكار، والتي يمكن وصفها أنها تحولت إلى صفة لصيقة بالاقتصاد الوطني لأسباب وغايات متعددة، بعضها مرتبط بالسياسات والإجراءات المتبعة خلال سنوات الحرب في إدارة الشأن الاقتصادي، وبعضها الآخر مرتبط بالضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية المتمثلة في العقوبات الغربية، احتلال حقول النفط والقمح الرئيسية في البلاد وغيرها.
بيانات للمرة الأولى:
يتصدر الاستيراد قائمة الأنشطة الاقتصادية المتهمة محلياً باحتضانها أو تعرضها لممارسات احتكارية تختلف فيما بينها تبعاً لنوع السلعة المستوردة، مصدرها، وأهميتها للسوق المحلية، ورغم أن القوانين والأنظمة المعمول بها في منح إجازات الاستيراد لا تتضمن أي شكل من أشكال الاحتكار إلا أن استيراد بعض السلع بات مرتبطاً بأسماء محددة يرددها القاصي والداني بغض النظر سواء كانوا فعلاً هم المستوردون الوحيدون لهذه السلعة أو تلك، أم أنهم يتشاركون في استيراد ما تحتاجه البلاد مع أشخاص آخرين فعلياً أم ظاهرياً، إلا أنه ثمة فرق بين ما كونته الصورة الذهنية عن الاحتكار وبين ما هو قائم، وهذا ليس تقليلاً من شأن الظاهرة، وإنما محاولة لتوضيح أبعادها وأشكالها المعروفة وغير المعروفة.
تصنف الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب احتكار الاستيراد في سوريا بثلاثة أنواع: “الأول وهو احتكار الدولة لاستيراد بعض السلع الأساسية مثل القمح والنفط، لكن يفترض أن هذا النوع من الاحتكار لن يؤثر على ندرة السلع أو أسعارها، غير أن العقوبات المفروضة على الحكومة السورية أدت إلى قيام الحكومة بالتعاقد في الباطن مع أشخاص طبيعيين أو اعتباريين لتوفير هذه السلع نيابة عنها، لكن مُنحت امتيازات التعاقد لأشخاص بعينهم وهو ما ألغى مزايا هذا الاحتكار وأدى إلى ارتفاع أسعارها، وتحول احتكار الدولة إلى “إدارة الاحتكار لصالح الدولة”، وبات مشابهاً في أثره للنوع الثاني من الاحتكار “احتكار المحسوبية”.
وتضيف في حديث خاص لـ”أثر برس” فإنه تحت مسمى “ترشيد المستوردات” ووفق آليات تنفيذ تمويل المستوردات وعلى وجه الخصوص تمويل مستوردات القطاع الخاص من خلال بيع القطع الأجنبي للمستورد عن طريق إحدى شركات الصرافة “والتي تعرف بالمنصة”، تحوّل ترشيد المستوردات إلى احتكار شريحة وفئة من المستوردين للعديد من السلع المسموح استيرادها وفق القوائم، حيث تمنح إجازات الاستيراد ويسهّل تمويلها من قبل المنصة لأشخاص محددين، رغم أنه قانونياً لا يوجد ما يثبت ذلك بسبب لجوء المحتكرين إلى تقديم إجازات الاستيراد بأسماء مختلفة، لكن يمكن الاستعانة ببعض الدلالات، على سبيل المثال العديد من السلع انخفض سعرها عالمياً لكن سعرها محلياً ارتفع، وحتى لو ارتفع سعر السلعة عالمياً، لكن نسبة الارتفاع في السوق المحلي أكبر بكثير من نسبة الارتفاع العالمية، فلو كان هناك منافسة لانخفضت الأسعار”.
أما النوع الثالث وفقاً للدكتورة سيروب فهو “احتكار الاستيراد غير النظامي أي “احتكار السلع المهربة”، فرغم تقييد المستوردات وتقليص عدد السلع المسموح باستيرادها إلى ما دون الحد الأدنى، ومع ذلك نجد أن السوق السورية لم تخلُ من جميع أنواع السلع الممنوع استيرادها وبأسعار شبه موحدة في جميع المحال التجارية، وهو ما يعطي مؤشراً على وجود كارتل من نوع ما، ينسق الكميات ويحددون الأسعار”.
عملية البحث الطويلة التي أجريناها في قائمة المستوردات السورية، بهدف تقديم معلومات جديدة تكون مختلفة عما هو متداول حيال ظاهرة احتكار الاستيراد، أوصلتنا إلى جمع بيانات وأرقام تنشر للمرة الأولى وتشكل أساساً لتحليل أعمق لهذه الظاهرة.
في البداية دعونا نتعرف على عدد الشركات التجارية المسجلة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والتي غايتها الاستيراد والتصدير، إذ بحسب بيانات الوزارة التي حصلنا عليها بلغ عدد هذه الشركات مع نهاية العام الماضي تقريباً حوالي 24861 شركة، منها 18.9% كان مقرها في محافظة ريف دمشق، ثم محافظة دمشق في المرتبة الثانية بنسبة 18.2%، فحلب ثالثة بنسبة 14.7%، وحماة رابعة بنسبة 14.1%، واللاذقية جاءت في المرتبة الخامسة بنسبة 13.3%. أما أقل المحافظات ترخيصاً لهذا النوع من الشركات فكانت الرقة بنسبة 0.06% وقبلها جاءت الحسكة بنسبة 0.11%.
عملياً، واستناداً إلى البيانات التي سوف نستعرضها لاحقاً، فإن الجزء الأكبر من هذه الشركات لا تزاول عملها في الاستيراد والتصدير لأسباب عدة منها: رغبة أصحاب الشركة في تسجيل العلامة التجارية لتشمل معظم الأنشطة الاقتصادية سواء المراد ممارستها حالياً أو المؤجلة، وكذلك فإن ضعف الملاءة المالية لشريحة من الشركات المرخصة يحول دون دخولها ميدان الاستيراد والتصدير، فضلاً عن تعثر بعضها في تنفيذ بعض الصفقات نتيجة المنافسة أو تعقيد الإجراءات أو الأوضاع المرتبطة بعملية التصدير إلى سوريا.
تظهر البيانات، والتي تم استخلاصها من مراجعة حوالي 46 مادة رئيسية جرى استيرادها خلال الأشهر العشر الأولى من العام الماضي، أن إجمالي عدد المستوردين لتلك المواد وصل في الفترة المشار إليها إلى نحو 4752 مستورداً، وهذا الرقم لا يمثل عدد المستوردين في البلاد عموماً، وإنما عدد مستوردي المواد المشار إليها سابقاً، وذلك بالنظر إلى قيام بعض المستوردين باستيراد أكثر من مادة، وتالياً فهم يخضعون للإحصاء أكثر من مرة.
في استعراضنا للبيانات المتعلقة بعدد المستوردين تبعاً لكل مادة، سوف نحاول تصنيفها وفقاً لثلاث خانات، وذلك لسهولة تحليل مدى قربها أو بعدها عن ظاهرة الاحتكار:
-الخانة الأولى وتضم السلع والمواد المستوردة من قبل عدد ليس بالقليل من المستوردين (200 مستورد وما فوق لكل مادة)، والبيانات التي وصلنا إليها تظهر أن عدد المستوردين الأكبر كان في قطع التبديل، حيث تم تسجيل حوالي 750 مستورداً، ثم جاءت الأقمشة في المرتبة الثانية بحوالي 354 مستورداً، فالحبيبات البلاستيكية ثالثة بحوالي 331 مستورداً، ثم البطاريات رابعة بحوالي 316 مستورداً، وخامسة الخيوط بحوالي 292 مستورداً، واحتلت مادة الورق والكرتون المرتبة السادسة بحوالي 266 مستورداً.
-الخانة الثانية وتشمل السلع والمواد المستوردة من قبل مستوردين يقل عددهم في المادة الواحدة عن 20 مستورد، وقد تم هنا حصر ثماني مواد رئيسية تصدرتها بذور فول الصويا، والتي جرى استيراد كمياتها خلال الأشهر العشر الأولى لعام 2023 من قبل 5 مستوردين فقط، تلتها مادة حليب أطفال الرضع بحوالي 9 مستوردين، ثم عبوات الألمنيوم بحوالي 10 مستوردين، وزيوت عباد الشمس الخام في المرتبة الرابعة بحوالي 14 مستورداً، فالمتممات العلفية والاسمنت الأبيض والطحين وتقاسمت المرتبة الخامسة بحوالي 15 مستورداً لكل منها، أجهزة الموبايل سادسة بحوالي 16 مستورداً، وأخيراً الزبدة الحيوانية واستوردها حوالي 17 مستورداً.
-الخانة الثالثة وتتضمن بعض السلع والمواد التي يتردد شعبياً وإعلامياً بوجود احتكار في استيرادها، ومنها مادة السكر الخام والأبيض، والتي تكشف بيانات الأشهر العشر الأولى من العام الماضي أنه جرى استيرادها من قبل 53 مستورد، الأرز 55 مستورد، الشاي 54 مستورد، الموز 24 مستورد، السردين 27 مستورد، الطون 23 مستورد، بن غير محمص 140 مستورد.
موجود ومو موجود!
أمام هذه البيانات التي تنشر للمرة الأولى، تطرح جملة تساؤلات تتعلق بنقطتين: الأولى مدى مصداقية أعداد المستوردين بالنظر إلى كونها تنفي وجود احتكار شديد في عملية استيراد معظم السلع والمواد الأساسية، والنقطة الثانية تتمثل في ماهية الموانع التي تحول دون خلق منافسة حقيقية تنعكس أثارها على الأسواق المحلية من حيث أسعار السلع وجودتها.
في الحديث عن مدى صحة أعداد المستوردين، فإنه لابد من التوضيح أن تلك الأعداد مستخرجة من إجازات الاستيراد المنفذة فعلياً خلال الفترة الزمنية المشار إليها سابقاً، وتالياً فهي صحيحة بنسبة كبيرة مع إمكانية حدوث بعض الانحرافات البسيطة، لكن هل هذا مؤشر كاف على عدم وجود احتكار؟
لسنوات طويلة كان الكثير من المستوردين، تجار أم صناعيين، يلجؤون إلى تنظيم إجازات استيراد بأسماء بعض العاملين لديها إما للتحايل على بعض القرارات التي كانت مثلاً تحدد كميات محددة لكل مستورد في بعض المواد، أو للتهرب الضريبي عبر تجزئة الكميات المستوردة وتوزيعها على اسم أكثر من شخص. وبحسب ما يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الاقتصاد والتجارة فضل عدم الكشف عن اسمه فإن هذه الظاهرة كانت حاضرة بشكل كبير، إلا أنها تراجعت منذ القيام بإعادة النظر بكل الإجراءات الخاصة بتنظيم إجازات الاستيراد، ويكشف أنه خلال عملية المراجعة تلك تبين مثلاً أحد المستوردين كان يستورد سلعاً عبر 21 سجلاً تجارياً مستخرجاً بأسماء أشخاص إما موظفين لديه أو تربطهم بهم علاقة من نوع ما، وهذا ما يذهب إليه أيضاً أحد أعضاء لجان التسعير، والذي كشف في حديث له لـ”أثر برس” أنهم في اللجنة كثيراً ما كانوا يلاحظون تكرر أسماء معينة، وأحياناً ترد إرسالية واحدة أو اثنتان أو أكثر بأسماء غير معروفة، وأحياناً ترد أكثر من إرسالية باسم شخص واحد لكن على مراحل عدة أو بأكثر من إجازة، فتارة تكون الإجازة لاستيراد كمية قدرها 500 طن، وتارة أخرى تكون لاستيراد حوالي 50 أو 25 طن فقط، وهكذا.
فعلياً فإن استفراد بعض المستوردين بالكميات الأكبر من استيراد هذه السلعة أو تلك ليس سببه وجود نص قانوني يسمح لهذا الشخص بالاستيراد ويمنع ذاك، أو قيام بعض المستوردين بأعمال غير مشروعة من شأنها بشكل ما الضغط على باقي المستوردين لتحييدهم أو إخراجهم من عملية المنافسة، وإنما المشكلة تكمن في الإجراءات والتعليمات المتعلقة بعملية التمويل، والتي جعلت من العمل في الاستيراد يتطلب حجز رأسمال كبير، وبحسب ما يذكر محمد الحلاق عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق فإن “عدد المستوردين لهذه المادة أو تلك قد يكون جيداً، وهذا ما يجعل من الصعب وصفها بأنها مادة محتكرة، لكن عند التدقيق جيداً في الكميات المستوردة من قبل كل مستورد، فإننا نجد أن هناك مستورد أو اثنين أو ثلاثة أو أكثر يستورد كل منهم حاوية واحدة، وفي المقابل نجد أن هناك مستورداً واحداً أو اثنين يستورد كل منهما 10 حاويات مثلاً”.
ويضيف في حديثه لـ”أثر برس” أن “المستورد اليوم بات بفعل تأخر تسديد المستحقات والالتزامات جراء آلية عمل المنصة والعقوبات الخارجية وما فرضته من عقبات وإشكاليات، بحاجة إلى رأسمال كبير لقاء تلبية متطلبات المنصة أولاً، شراء البضاعة في الخارج وشحنها ثانياً، تخصيص احتياطي لسد فروقات سعر الصرف ثالثاً، ورأسمال آخر للمخزون رابعاً، أي أن المستورد بحاجة إلى أربعة رساميل” وقدم مثالاً على ذلك فيقول: “إذا كانت سعر البضاعة 100 ألف دولار، فإن المستورد بحاجة اليوم في هذه الأوضاع إلى تخصيص 300-400 ألف دولار لإتمام عملية الاستيراد، وبهذا فإن صاحب الرأسمال الصغير أو الذي لم يعد قادراً على تحمل تبعات عدم استقرار التشريعات والتعليمات يضطر للخروج من السوق، والتي تحولت جراء ما سبق إلى سوق احتكارية بشكل أو بآخر”.
يتفق ياسر اكريم عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق مع ما خلص إليه الحلاق، ويشير إلى أنه “من أهم العوامل التي تؤدي إلى الاحتكار هو اضطرار المستورد إلى تجميد رأسمال كبير وطول دورة رأسمال، ومن المعروف اقتصادياً أن المنافسة العالية تأتي من دورة الرأسمال السريعة، فهناك تجار لا تتجاوز نسبة أرباحهم عادة 10% وهم مقتنعون بها، لكن عندما أصبحت دورة الرأسمال طويلة فإن تلك النسبة لم تعد كافية، وكان خيار البعض التوقف عن العمل، واضطرار البعض الآخر إلى زيادة نسبة الربح لتعويض الخسائر المترتبة على طول دورة رأسمال، فكان أن قل عدد المستوردين”.
ويتابع حديثه لـ”أثر برس” أن “القوانين الحالية ليست قوانين احتكار، لكنها تصل بنا في النهاية إلى الاحتكار، فمثلاً يقال إن استيراد الزيت مسموح به للجميع، لكن عملياً هناك اثنين أو ثلاثة تجار يستوردون الزيت أو السكر، والسبب أن هناك قوانين وتعليمات أخرى تتسبب بارتفاع نسب المخاطرة، وهو ما يحول دون تمكن كثيرين من الاستيراد”.
ولا يمكن في هذا السياق تجاهل قيام بعض المستوردين والتجار بحجز ما يستوردونه من بضائع أو طرحها في الأسواق بشكل تدريجي بغية ضمان استمرار “تغذية” مستودعاتهم بالبضائع، وهذا ما يشير إليه الحلاق، الذي يستخدم في تحليله لهذه الظاهرة مصطلحاً جديداً، ففي ضوء صعوبات الاستيراد تلك فإن البضاعة تصبح بنظره “عزيزة” على المستورد أو التاجر، وبالتالي فهو يتعامل مع عملية تصريفها بتأن أو حرص شديدين، ومع انتشار حالة الحرص هذه تزداد أسعار السلع في الأسواق، وتخلق تالياً سوقاً احتكارية بالتعريف القانوني والتجاري لها، إلا أنه “احتكار غير مقصود”، وهذا ما يقودنا إلى السؤال عن أثر حجم الكميات المستوردة من كل مادة على عدد المستوردين؟
في ظل سياسة ترشيد الاستيراد الهادفة لضبط مسألة الطلب على القطع الأجنبي فإن المعيار المتبع في تحديد الكميات المستوردة يتمثل بمتوسط الكميات المستوردة من كل مادة خلال السنوات السابقة، فضلاً عن وضعها في السوق المحلية، وعادة ما يقاس ذلك من خلال تواجد السلعة في السوق، وما إذا كان هناك نقص أو اختناق ما، وتبعاً لما قاله وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في جلسة نقاشية جرت مؤخراً لمراجعة السياسات السابقة والحالية فإنه “من المفترض بالسياسة التجارية مستقبلاً أن تتجه نحو التحرير والتقييد معاً، بتحرير كل ما نحتاجه من مواد أولية ومستلزمات إنتاج ومواد أساسية ضرورية غير متوفرة محلياً، وتقييد كل ما هو كمالي ومتوفر محلياً وغير ضروري”.
وهذا ما حاول الدكتور علي كنعان الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق قوله بشكل آخر في الجلسة نفسها من أن “عملية تقييد الاستيراد تجعل من الاستيراد غير متاح للجميع بل محصور بعدد من رجال الأعمال” وذلك في سياق عدم موافقته لنهج الحكومة الحالي في “تصغير” الاقتصاد من خلال تقييد الاستيراد والسعي نحو تخفيف العجز المالي.
إذا عدنا إلى مقارنة وتحليل بعض الأرقام والبيانات التي حصلنا عليها من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والمتعلقة بحجم وقيمة بعض السلع المستوردة، فإنه يمكن الوقوف على وسطي حصة المستورد من الكمية المستوردة وقيمتها، والأمثلة التالية توضح ذلك:
-بلغت كمية الأرز المستوردة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي حوالي 68.6 ألف طن، وتبعاً لعدد المستوردين السابق ذكره، فإن وسطي الكمية المستوردة من قبل كل مستورد هي 1249 طن، ووسطي حصته من قيمة الكمية المستوردة 928 ألف يورو.
-بلغت كمية السكر المستوردة خلال الفترة المذكورة حوالي 185.7 ألف طن، وتبعاً لعدد مستوردي السكر فإن متوسط حصة كل مستورد تقدر بحوالي 3505 طن، كما أن متوسط حصته من قيمة مستوردات المادة تصل إلى 1.9 مليون يورو.
-بلغت كمية الحبيبات البلاستيكية المستوردة خلال الفترة نفسها حوالي 136.3 ألف طن، وعليه فإن متوسط حصة كل مستورد تصل إلى 412 طن فقط، وبحصة وسطية من قيمة المستوردات تقدر بحوالي 421.5 ألف يورو.
مثل هذه الحسابات الإحصائية تقودنا إلى عدة استنتاجات أهمها أن عملية تقسيم المستوردات العائدة فعلياً لمستورد واحد وتسجيلها بأسماء آخرين هو أمر وارد ومرجح، أو أن هناك شريحتين من المستوردين الأولى تضم المستوردين الكبار الذين يحظون بالكميات الأكبر، ومستوردين صغار وكمية مستورداتهم محددة جداً.
سياسة “استيعاب” المستوردين:
على خلاف المتداول، فإن الأبعاد السلبية لظاهرة الاحتكار المقصود وغير المقصود تتعدى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق المحلية وتدني جودتها أحياناً، لتشمل مختلف جوانب النشاط الاقتصادي في البلاد، وهذا ما تحاول الدكتورة سيروب شرحه بقولها:” طالما نتحدث عن احتكار، الآثار معروفة وحتمية، وهو ارتفاع في الأسعار ونقص في المعروض “من خلال حبس للسلع” بين وقت وآخر من أجل رفع الأسعار لاحقاً -بعد تحييد التغيرات في سعر الصرف شماعة تبرير رفع الأسعار، بالإضافة إلى عدم تناسب سعر السلعة مع جودتها، وطبعاً ارتفاع الأسعار يعني انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وبالتالي زيادة معدلات الفقر. وحيث أن الأنواع الثلاثة للاحتكار ناجمة عن العلاقة غير الشرعية بين البيروقراطية الإدارية والمستوردين، بلغة أخرى سوء استخدام السلطة العامة، أي أن الفساد بات يمس لقمة عيش المواطن، باعتبار أن السلع الأساسية هي السلع المسموح باستيرادها، فضلاً عن أنه يعني عدم الكفاءة في إدارة القطع الأجنبي بما يخدم احتياجات البلد الحقيقية”.
لكن الأثر السلبي للظاهرة المذكورة لا يتوقف على معيشة المواطن، وإنما يشمل أيضاً التجار أنفسهم، وتحديداً أولئك الذين اضطروا بفعل تعقيد الإجراءات والتعليمات إلى إيقاف أنشطتهم وأعمالهم، ووفقاً لتقديرات ياسر اكريم فإن هناك 60-70% أصبحوا خارج دائرة الاستيراد، وهم اليوم يبحثون عن مناخ أفضل للعمل خارج البلاد، مستشهداً بوكلاء بعض الشركات العالمية الذين فقد بعضهم الأمل، وذهبوا بأموالهم إلى دول أخرى للعمل فيها “.،ولذلك فهو يقترح العمل على تبني سياسة جديدة هدفها “استيعاب” المستوردين لضمان تلبية احتياجات الاقتصاد الوطني، وذلك على غرار قانون الاستيعاب الجامعي، الذي وجد لتلبية متطلبات سوق العمل من الاختصاصات العلمية أو مواءمة المخرجات الجامعية مع احتياجات سوق العمل. فيما يختصر محمد الحلاق الأمر بعبارة مفادها “لخفض الأسعار نحن نقول دوماً أننا بحاجة إلى تحقيق معادلة طرفاها الوفرة والتنافسية، فالوفرة يقصد بها أن تتوفر السلعة بشكل مناسب في الأسواق، والتنافسية تعني وجود أكثر من تاجر يبيع هذه السلعة، وعليه فإنه عندما تقل التنافسية رغم أن السلعة متوفرة في الأسواق ترتفع الأسعار والعكس صحيح”.
زياد غصن
المصدر أثر برس
Post Views:
0