رأي | فهد كنجو
ربما لم ينم ليلته السابقة، غالباً فكر ملياً كيف سيكاشف الرأي العام بالأمر الجلل، هل يعقد مؤتمراً صحفياً؟، لا، المؤتمر الصحفي لا يبدو مناسباً، قد يقاطعه صحفي غير لبق، وينقطع تسلسل الأفكار!، هل ينشر مقالاً في صحيفة أو بوستاً على فيسبوك؟، لا طبعاً.. فكشف سر بهذا الحجم يحتاج إلى جمهور تفاعلي حي من لحم ودم يجيد الإيماء بالموافقة والدهشة!، إذاً ليكن اجتماعاً مع المفاصل الإدارية في الوزارة، وليكونوا مديري التموين.. التموين؟، ماذا بقي من التموين؟، جيد هذا سر آخر أضيفه إلى بقية الأسرار التي آن لها أن تتكشف إلى جانب السر الكبير!.
في اليوم التالي كان الحضور مكتملاً، صفين متساويين على الميمنة والميسرة، الكاميرا مثبتة على صدر طاولة الاجتماع حيث يجب أن يجلس، مايكروفونات الإعلام الرسمي حاضرة، عدد من الصحفيين “نسق ثاني” منكبون على أوراقهم وكأنهم يسجلون محضر الاجتماع، الإضاءة جيدة، الجميع هادئ وينتظر، الاجتماع بدأ، الكلام لك سيادة الوزير.. “بق البحصة”.
هو سيناريوا مُتخيل عن تحضيرات ما قبل اجتماع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بمديري “التموين”.. عفواً، أقصد مديري التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات، ذلك الاجتماع الذي باح خلاله الوزير لؤي المنجد بالسر الذي يعرفه أكثر من 23 مليون مواطن سوري، ذلك السر الذي لم يكن سراً على ما يبدو سوى على وزراء الحكومات المتعاقبة من بينهم تسعة وزراء تجارة داخلية ومعاونيهم، وأربعة أو خمسة رؤساء حكومات سابقين ولجانهم الاقتصادية، وبطبيعة الحال على مديري التموين الذين لن يعودوا بعد الاجتماع مديرو تموين!.
وللأمانة تحسب للوزير المنجد القادم بعد تجربة لم تعمر طويلاً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تحسب له جرأته في هذه المصارحة التي سبقه إليها الجميع ما عدا المسؤولين الاقتصاديين الحكوميين طبعاً، فالحكم بفشل سياسة التسعير الإداري التي اعتمدتها الوزارة على مدار سنوات وما سببته من عطب اقتصادي، أو كما قال الوزير بخلل بنيوي في المنظومة التسعيرية أثرت سلباً على الاقتصاد، كانت تحتاج إلى جرأة لم تتوفر لدى تسعة وزراء تجارة داخلية سابقين تعاقبوا على هذه الحقيبة منذ العام 2012، أي منذ فصلها عن وزارة الاقتصاد!.
على كل الحال هذه المكاشفة المكشوفة أصلاً التي أدلى بها الوزير العاشر للوزارة المستهلكة للوزراء (بمعدل وزير كل سنة وشهرين أو ثلاثة أشهر)، هذه المكاشفة تطرح سؤالاً مهماً للغاية هو: ماذا سيكون بعدها؟، كيف ستكون تداعياتها على المستهلك والبائع والمنتج؟، وخاصة أن الوزير الجديد صدم أبطال “التموين” بحقيقة ما حققوه من ايرادات (نحو ترليون ليرة) جراء الضبوط التمونية، ليرددوا ببراءة وبشكل جماعي على السؤال المغلق طرحه الوزير الذي سيوحي بتلك الإجابة الوحيدة..(رقم الترليون على من سيعكسه التاجر أو بائع الجملة أو المفرق؟.. على المستهلك.. وعليه بماذا نكون ساهمنا؟.. برفع الأسعار.. هل واجبنا تحقيق عائدات رقابية للخزينة أم حماية المستهلك؟.. حـماية المستهلك).
طبعاً المنطق يحتم أن تتجه الأمور إلى تحرير الأسعار، بمعنى ترك السوق للعرض والطلب، وهنا يأتي السؤال: وكيف نحمي المستهلك طالما أن هذه العبارة من أصل التسمية للوزارة، الإجابة ستكون: نحميه صحياً، نحمية من الغش والبضائع الرديئة، بمعنى تعزيز الرقابة على نوعية البضائع في السوق لا على أسعارها، الوزير ألمح إلى ذلك في حديثه.
وهنا -في حال كان التوجه للاعتراف بتحرير الأسعار، ونقول الاعتراف كونها محررة أصلاً- يصبح السؤال: هل سيقابل تحرير الأسعار، تحرير وفك عقدة الطرف المكمل لعمليات البيع، وأقصد عمليات الشراء المنوطة بالمستهلكين، وتحديداً ما يتعلق بالرواتب والأجور، ألا تحتاج هي الأخرى لتحرير؟، والحقيقة إذا لم تجرى هذه المقاربة، فإننا وبعد سنوات سيأتينا وزير جديد للتجارة الداخلية ليكشف سراً جديداً يعرفه كل السوريين ومفاده أن سبب تراجع وتيرة الانتاج هو ضعف القدرة الشرائية لدى شرائح واسعة من المستهلكين؟، وأن الفساد ورداءة الخدمات وضعف الأداء وهروب الكفاءات من المؤسسات الحكومية إضافة إلى فشل مشروع الاصلاح الاداري هو يسبب الرواتب الضعيفة!، يمكن إضافة ملاحظة هنا (كشف سر تسبب ضعف الرواتب بفشل الاصلاح الإداري يحب أن يكون من نصيب وزارة التنمية الإدارية).
المصدر: المشهد اونلاين
Post Views:
0