اجتمع عبدالله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، في جلسة مع مجموعة من رجال الأعمال والخبراء السوريين في دولة الإمارات العربية المتحدة، بتاريخ 24 ديسمبر / كانون الأول 2024.
وذكر الدردري الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس مجلس الوزراء في سورية للشؤون الاقتصادية بين أعوام 2006- 2011، أنه متوجه إلى دمشق ليتحدث إلى القيادة الجديدة حول هذه النقاط وغيرها (موعد زيارته إلى سوريا 28 ديسمبر).
اليكم أهم النقاط التي ذكرها:
- السيناريو الأول هو أن نعود إلى عام 2010 بحلول عام 2035، يعني أن يعود الناتج المحلي السوري إلى 62 مليار دولار عام 2035، علماً أن الناتج المحلي يبلغ الآن 18 مليار دولار. وهذا أفضل سيناريو قابل للتطبيق.
- لكن هناك سيناريو أفضل، وإن كان يبدو خيالياً لأول وهلة، لكنه بإمكانيات السوريين في دول الخليج العربي وفي اسطنبول، وفي ببرلين، وفي واشنطن، وفي كاليفورنيا، وفي أصقاع العالم، لا يجب أن يكون أمامنا شيء مستحيل.
و دعوني أحاول أن أفصّل قليلاً في هذه النقطة: - للعودة إلى الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 بحلول عام 2035، نحتاج إلى نمو سنوي 7.5%، يعني من 1% سنوياً النمو الحالي إلى نمو إلى 7.5% نمو.
- لكي ننمو بـ 7.5% سنوياً يجب أن يرتفع الاستثمار العام (أي من قبل الدولة) 10% سنوياً من الآن حتى عام 2035، ويجب أن يرتفع الاستثمار الخاص 10% سنوياً من الآن حتى عام 2035، لكي نعود إلى 2010.
- لكن حتى لو تحققت هذه الزيادة في الاستثمارات، فيجب أن تترافق مع تطوير ونمو في الإنتاجية. وبدون ذلك، لن نعود إلى 2010 بحلول 2035 حتى لو استثمرنا هذه المبالغ.
- المعضلة في سوريا هي المؤسسات، كفاءة المؤسسات، شفافية المؤسسات، حسن الإدارة، التقانة المستخدمة في هذا الاستثمار، ومدى العائد الناجم عن هذا الاستثمار وغيره.
- نحن بحاجة أن نزيد الإنتاجية سنوياً 6% كي نتمكن إضافة إلى الاستثمارات التي ذكرتها، كي نتمكن بحلول 2035 أن نعود إلى 2010.
- هل نريد أن نعود إلى 2010؟
كلا، لأن المشكلة أننا عندما نتحدث عن عام 2010 نحن لا نتحدث عن رقم 62 مليار دولار من الناتج المحلي بشكل صحيح، ربما نعود إلى هذا الرقم، لكن ما مدى عدالة هذا الرقم في عام 2010؟ ما مدى شفافية هذا الرقم؟ كم يسرق من هذا الرقم؟ كم يبقى للناس من هذا الرقم؟ كم يعاد استثماره لتطوير البلاد؟ ما هي القاعدة العلمية التي تنتج 62 مليار؟ ما هو النظام التعليمي الذي ينتج 62 مليار؟ ما هي الحريات الأساسية التي يتمتع بها الناس لإنتاج 62 مليار؟
إذاً، نعم نريد أن نعود إلى 62 مليار، ولكن ليس بالتركيبة التي كنا عليها.
- هناك سيناريو آخر، يجب أن تعلموا أولاً أن سوريا كان من المفترض أن يكون حجم اقتصادها في 2025، هو 150 مليار دولار، هذا ما كنا نعمل عليه. فالخسارة الحقيقية، هي ليست انخفاض الناتج من 62 إلى 18 مليار دولار فقط.
- الخسارة الحقيقية هي تلك الفرصة الهائلة الضائعة التي كان يجب أن نكون قد حققناها اليوم، من حصة الفرد في الناتج اليوم 400 دولار سنوياً مقارنة مع ما كان يمكن تحقيقه في 2025 بحصة الفرد تتجاوز 7500$ سنة من الناتج.
- الخسارة التراكمية بين ما كان يجب أن يتحقق وما حصل فعلاً، تتجاوز 400 مليار دولار خسائر في الناتج المحلي الإجمالي.
- نحن في الاقتصاد لا نعمل بمبدأ المحاسبة، نحن نعمل بمبدأ الفرصة الضائعة، تكلفة الفرصة البديلة (Opportunity Cost) وهذه هي الخسارة الكبيرة في سوريا .
- في 2010 لم نرى هذه الحقيقة، لكننا اليوم، نستطيع أن نقول بأننا لم نكن قادرين على إنجاز هذا النمو المتكامل، لأسباب عدة منها الأجهزة الإدارية والعقلية التي كانت تدير سورية، والقيود التي كانت تكبل إبداع الناس.
- نحن اليوم أمام فرصة رغم أن الوضع يبدو قاتماً، لكننا اليوم أمام فرصة، لأننا بدون الحقوق الأساسية، والحريات الأساسية، والمؤسسات الشفافة التي يسائلها المواطن، حيث يحق له أن يسألها أين أنفقت أموالي؟، مع توفر إدارة حكومية تعرف بأنها تعمل لصالح المواطن وفي خدمة المواطن.
من دون توفر هذه الأساسيات، فلن نحقق شيئاً، فالنقطة الاولى في الإصلاح والتي أحملها معي إلى دمشق، هي إصلاح الحوكمة، المؤسسات، القوانين التشريعات والعقول العقلية التي تدير البلاد.
- هناك فرصة عندما نسمع أولي الأمر اليوم يتحدثون عن اقتصاد تنافسي حر، فرصة يجب أن نغتنمها، لأنه إذا استطعنا أن نرسخ عهداً من الاستقرار والحريات ومساءلة السلطات من قبل الشعب، نحن قادرون على إنجاز هذا التحدي وتجاوزه.
- إذا الأمور ليست سهلة، نحن في سوريا بحاجة إلى أن نخلق أكثر من 500 ألف فرصة عمل سنوياً، لكي نعود بالبطالة إلى ما كانت عليه عام 2010، وهي لم تكن مرضية لأحد.
- نحن يجب أن نستعد لعودة ملايين السوريين، كيف؟
- نحن كنا ننتج 9 آلاف ميغا واط من الطاقة الكهربائية، وكان عندنا انقطاع في الكهرباء، اليوم ننتج 800 ميغا واط فقط.
نحن كنا نبني 200 ألف وحدة سكنية سنوياً، وكان عندنا عشوائيات وهذا الرقم لم يكن يكفي.
نحن خسرنا مليوني وحدة سكنية في الـ 14 سنة الماضية. - إذاً لكي نعود إلى ما كنا عليه في عام 2010 من ناحية عدد الوحدات السكنية، يجب أن نبني 400 ألف وحدة سكنية سنوياً، وهذه الـ 400 ألف وحدة سكنية يجب أن تتطابق أسعارها مع إمكانيات الناس.
لذلك أذا أردتم الاستثمار في العقار في سوريا، فكروا بذوي الدخل المنخفض والمتوسط. أهلاً وسهلاً بالبنايات الجميلة وشقق المليوني دولار، لكن الزبائن لهكذا سوق قليلون جداً. - هناك 6 مليون نازح داخل سوريا، و6 مليون لاجئ خارج سوريا وأكثر. 12 مليون إنسان بحاجة إلى مليوني وحدة سكنية خلال هذه الفترة إضافة إلى 200 ألف الزيادة السنوية الطبيعية في عدد السكان.
- إذا الكهرباء يجب أن نزيد إنتاجها من من 800 ميغا واط إلى 12 ألف ميغاواط، نحن بحاجة لها في أقرب وقت ممكن. محطة الكهرباء بحاجة إلى 5 سنوات حد أدنى للبناء، وكل ميغا واط بمليون دولار، أي ألف ميغا بمليار دولار.
نحن نتحدث عن أرقام كبيرة، لكن أريد أن أختم بأن هذه فرصة العمر. لدينا حكومة لا تملك المال، لا خيار أمامها إلا سبيلين؛ الغرق في الديون، أو تنشيط الاستثمار. - أنتم المستثمرون من يجب أن يبني محطات طاقة كهربائية، لأن الأسعار ستكون حرة، وستستطيع أن تبني محطة طاقة وتأخذ أسعار حقيقية.
أنتم من سيبني محطات معالجة المياه، أنتم من سبيني المدارس والجامعات والطرق. كله من خلال الاستثمار الخاص أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو BOT وكل هذه الأشكال. - نحن أمام فرص استثمارية قيمتها 100 مليار دولار. يبدو عبئاً ولكنها فرصة استثمار للمستثمرين، إذا أُحسن استخدامها.
- خلال زيارتي في دمشق، سأعرض حزمة من المشاريع التي تساعد على تلمس كيفية التخطيط، وضع الرؤية. أهم شيء أن نعرف إلى أين نحن متجهون. تخيل أنت أن تركب السيارة دون أن تقول لنظام تحديد المواقع في السيارة (GPS) إلى أين أنت ذاهب، ستدور في نفس المكان. إذاً لا بد من وضع الرؤية، لا بد من تلمس الطريق لا بد من حساب وهذا ما بدأنا فيه.
- هذه الـ 10% زيادة استثمارات سنوية، في أي قطاعات؟ الجواب يتضمن حسابات معقدة، نحن بدأنا بنموذج رياضي الآن يحسب 100 ألف مزيج من الاستثمارات القطاعية، ويجب أن نسأل أي منها أفضل مزيج لسوريا؟ كيف نزيد كفاءة الإدارة العامة بسرعة؟ تدريب، بناء قدرات، وغيرها.
- في سوريا اليوم، إدارة عامة منهكة، تكاد تكون معدومة الكفاءة، لكن هذا هو الموجود. لدينا مليون وخمسمائة ألف موظف، هؤلاء يجب أن ندربهم، إذا أننا لا نملك بدائل لمليون وخمسمائة ألف موظف. فلابد من اختيار التدخلات التي تساعد أن تعطي هذه الإدارة الكفاءة المطلوبة.
- العقد الاجتماعي القادم هو الذي سيحدد المسارات، نحن نتحدث عن عقد اجتماعي جديد، فالموضوع ليس تقني لأنه حتى لو وضعت مليون نموذج رياضي للاقتصاد، إذا لم يكن هناك عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، وما بين المحكومين فيما بينهم فعن أي سورية نتحدث؟ سيبقى كل ما نقوله على الورق.
Post Views:
0