تعهدت حوالي عشرين دولة عربية وغربية أمس الخميس في ختام المؤتمر حول سوريا في باريس المساعدة في إعادة بناء سوريا وحماية المرحلة الانتقالية الهشة في وجه التحديات الأمنية والتدخلات الخارجية، بعد سقوط الرئيس بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر.
وجاء في البيان الختامي الموقع من سوريا والدول العربية الرئيسية في المنطقة وتركيا ودول أوروبية بينها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة واليونان ودول من مجموعة السبع مثل كندا واليابان، أن المشاركين يعتزمون “العمل معا لضمان نجاح المرحلة الانتقالية في إطار آلية يقودها السوريون”.
ولم توقع الولايات المتحدة البيان، إذ لم تحسم إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب موقفها بعد، وفق ما أوضح مصدر دبلوماسي فرنسي.
كما تعهدت الدول الموقعة دعم الحكومة الانتقالية السورية في مكافحة “كل أشكال الإرهاب والتطرف”.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا في ختام المؤتمر السلطات الانتقالية السورية إلى المشاركة في التصدي لتنظيم الدولة الاسلامية الذي لا يزال نشطا في هذا البلد.
وقال ماكرون إن “مكافحة داعش (التسمية العربية لتنظيم الدولة الاسلامية) هي أولوية مطلقة” وحض السلطات الانتقالية على “إقامة شراكة وثيقة” مع التحالف الدولي الذي يكافح التنظيمات الجهادية منذ سنوات في العراق وسوريا.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن البيان الختامي للمؤتمر “يشهد على اقتناع الشركاء بأن نجاح سوريا من مصلحة الجميع”.
وكان بارو أعلن عند افتتاحه المؤتمر “من دواعي سرورنا أن نعاود التواصل مع سوريا بعد سنوات من العزلة الدولية”، مرحبا بحضور نظيره السوري أسعد الشيباني الذي يقوم بأول زيارة رسمية له إلى أحد بلدان الاتحاد الأوروبي منذ تولي السلطات الجديدة قيادة البلاد.
ولم يدل الشيباني بأي تصريحات امام الصحافة الدولية.
وقال بارو إن الدول العشرين تقريبا التي اجتمعت الخميس في باريس تريد قيام “سوريا حرة سيدة موحدة ومستقرة”، مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي يعمل من أجل “رفع سريع” للعقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد.
وتوصلت دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 في نهاية كانون الثاني/يناير إلى اتفاق مبدئي على رفع تدريجي للعقوبات بدءا بقطاعات أساسية مثل الطاقة، وهو ما تطالب به بإلحاح السلطات السورية الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
ولفت بارو إلى أن “هذه العقوبات لم يعد من الممكن أن تشكل عقبة أمام نهوض سوريا وإعادة إعمارها” داعيا إلى “تدفق سريع للمساعدة الإنسانية” وتسهيل “التدفقات المالية والتجارية الضرورية لإعادة الإعمار”.
وكان مصدر في وزارة الخارجية السورية قال لوكالة فرانس برس إن “توقعات الادارة الجديدة من مؤتمر باريس هو رفع العقوبات بالدرجة الأولى، لأنها الأساس لتنفيذ كل شيء آخر، سواء إصلاح البينة التحتية وتطويرها وتحسين الواقع الحالي للخدمات والرواتب والكهرباء والماء والمدارس المشافي، والانتقال لاحقا الى مرحلة إعادة الاعمار”.
وقدرت الأمم المتحدة بأكثر من 400 مليار دولار كلفة إعادة الإعمار في سوريا بعد حرب مدمرة استمرت 14 عاما وتسببت بسقوط أكثر من نصف مليون قتيل وأسفرت عن أكثر من عشرة مليون لاجئ ونازح.
واجتمعت جهات مانحة متعددة الأطراف ووكالات دولية صباح الخميس في باريس لوضع “إستراتيجية لتنسيق المساعدة الدولية” التي تبقى مجزّأة حتى الآن.
كذلك دعا بارو إلى “وقف إطلاق نار شامل على كامل الأراضي السورية” و”وقف التدخلات الأجنبية”.
وقال “يجب أن تصمت الأسلحة في كل أنحاء سوريا ولا سيما في الشمال والشمال الشرقي” حيث لا تزال تدور معارك عنيفة بين فصائل موالية لتركيا وقوات كردية.
وبعدما بقيت سوريا لسنوات طويلة ساحة حرب بالوكالة بين دول المنطقة وأبعد من ذلك إذ كان الأسد مدعوما من إيران وروسيا، حذر مصدر دبلوماسي من أن البلد البالغ عدد سكانه 23 مليون نسمة يبقى مجزأ وقد تعمه الفوضى من جديد، مذكرا بأن قوات الأمن الحالية لا تضم سوى حوالي ثلاثين ألف عنصر.
وأعلنت الإدارة السورية الجديدة حلّ الجيش وكذلك المجموعات المسلحة التي شاركت في إسقاط الأسد ودمجها في جيش وطني موحد.
من جهة أخرى، شدد البيان الختامي على الحاجة إلى مرحلة انتقالية تضم كل مكونات المجتمع السوري. وقال بارو بهذا الصدد أن الشيباني أكد الخميس لمحاوريه الدوليين أن الحكومة الانتقالية المزمع إعلانها في الأول من آذار/مارس في سوريا ستعكس “تنوع” البلاد.
كما طالب بارو بـ”جدول زمني واضح وملزم للمرحلة الانتقالية”، في وقت لا يزال الغموض يلف هذه الآلية، وذلك بعدما اعتبر الشرع في مطلع شباط/فبراير أن تنظيم انتخابات في سوريا يتطلب أربع إلى خمس سنوات.
وعلى هامش المؤتمر، شددت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي زارت دمشق مع بارو مطلع كانون الثاني/يناير، على ضرورة تشكيل حكومة “تشمل كل الأطراف”، مؤكدة أن “من الأساسي أن يكون للنساء تمثيل”.
ومؤتمر باريس هو ثالث لقاء من نوعه منذ سقوط الأسد، بعد اجتماعين في الأردن والسعودية.
وكالات
Post Views:
0