اعتبر الخبير الاقتصادي، نبال نجمة، أن المصارف السورية تحولت خلال الفترة الماضية من ممارسة وظيفتها الأساسية في تمويل الاقتصاد الوطني إلى التركيز على أنشطة ادارية ذات طبيعة خدمية كالدفع والسحب وجباية العمولات، مضيفاً:لا يمكن تحقيق أي نهوض اقتصادي ملموس في سوريا دون معالجة حالة التراجع المصرفي العام، والقيام بعملية إعادة هيكلة كاملة للمصارف العاملة.
إعادة هيكلة القطاع المصرفي في سوريا عملية متداخلة، تتطلب خطة شاملة، تمتد على عدة مراحل، وتأخذ في الاعتبار الوضع الاقتصادي الحالي، والتحديات الناجمة عن سنوات العزلة، والعقوبات الاقتصادية الدولية، وانخفاض قيمة الليرة السورية، وارتفاع معدلات التضخم.
تقوم خطة إعادة الهيكلة في المرحلة الأولى على إجراء مسح دقيق وتقييم شامل لأوضاع المصارف، عبر فحص الميزانيات العمومية، وتحليل نسب السيولة، وكفاية رأس المال، وتحديد حجم الأصول والديون المتعثرة، ومعدلات الكفاءة التشغيلية، ومراجعة الأنظمة التقنية والرقمية للمصارف، وتقييم عملياتها التمويلية، ومؤهلات العاملين فيها، ودرجة امتثالها للوائح التنظيمية والقوانين السارية، وغير ذلك من النواحي الائتمانية والعملياتية.
في المرحلة الثانية تبدأ معالجة مواطن الخلل ونقاط الضعف، حيث تحتاج المصارف إلى إعادة جدولة الديون المتعثرة، وشطب ما لا يمكن استرداده، والعمل على تطوير العمليات وتقليص التكاليف، وتعزيز رؤوس اموال المصارف، أو بيع أصول غير أساسية مثل الفائض من العقارات أو بعض الموجودات المتداولة، وغير ذلك من الإجراءات والوسائل الكفيلة بتدعيم بنيتها المالية ورفع قدرتها التنافسية.
في المرحلة الثالثة يتم التركيز على بناء الثقة في القطاع المصرفي وتأمين استدامة عمله من خلال سن القوانين العصرية لحماية المودعين، وضمان الحد الأدنى من حقوقهم المالية، وإطلاق برامج التدريب والتأهيل لإعداد العاملين في القطاع المصرفي، ورفع كفاءتهم في التعامل مع التقنيات الحديثة والمخاطر المالية، بالإضافة إلى التواصل الشفاف مع الفعاليات الاقتصادية، وإطلاع الجمهور بانتظام على الخطوات المتخذة، والنتائج المتحققة.
يرافق ذلك عملية في غاية الأهمية وهي إعادة هيكلة المصرف المركزي نفسه إذ ان المصرف المركزي ليس مجرد مؤسسة مالية عادية، بل هو صانع السياسة النقدية والضامن الرئيسي لعمل القطاع المصرفي، لذا من الضرورة إعادة النظر في التشريعات التي يعمل بموجبها، والقوانين التي تحدد صلاحياته وأهدافه، واستقلاليته، وتطوير أدواته النقدية، وتعزيز مصداقيته والثقة بقراراته.
بالتوازي مع ما سبق، تنطلق عملية التكامل مع النظام المالي العالمي التي تشمل العمل على رفع العقوبات المفروضة على المصارف السورية، والتفاوض على إلغاء القيود، ووضع معايير صارمة لمكافحة غسيل الأموال، وإعادة ربط المصارف السورية مع أنظمة التحويلات الدولية، وضمان الامتثال للمعايير العالمية، وإنشاء شراكات إقليمية ودولية لتطوير البنى التحتية وأساليب العمل.
خطة إعادة هيكلة المصارف ذات إسقاطات كبيرة على الاقتصاد السوري، ودور أساسي في جلب الاستثمارات الخارجية، ومن الضروري النظر إليها من منظور وطني تنموي، والعمل على إنجازها باسرع المهل وأفضل الشروط المتاحة، كما أنها عملية تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، ودعم حكومي فاعل، وخبرات مهنية تتمتع بالكفاءة والمصداقية.
Post Views:
0