أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، مؤخراً عن التوجه نحو تطبيق نظام التعويم المدار لليرة السورية، كمرحلة تأتي بعد توحيد أسعار الصرف.
أوضح الأكاديمي والباحث في الشؤون الاقتصادية، عباس رشيد كعده، إنه في التعويم المدار، يسمح لسعر الصرف بأن يتحدد عبر السوق (العرض والطلب)، لكن مع احتفاظ البنك المركزي بحق التدخل عند الحاجة لتوجيه السعر أو الحد من تقلباته، مضيفاً في تصريحات الحرية:من حيث المبدأ هذا النظام أكثر مرونة من التثبيت الكامل، ويُستخدم في دول كثيرة لتحقيق استقرار تدريجي من دون استنزاف الاحتياطي الأجنبي.
في الحالة السورية، لا يمكن تقييم هذا التوجه بمعزل عن الواقع الفعلي لسوق الصرف حيث لا تزال السوق السوداء تلعب دوراً مركزياً في تحديد السعر، وتتفوّق على القنوات الرسمية من حيث السرعة والجاذبية.
الثقة بالمؤسسات النقدية ما زالت محدودة، نتيجة التجارب السابقة وطول أمد تعدد الأسعار، فضلاً عن أنه لا يوجد بعد سوق شفافة أو منصة رسمية قادرة على استيعاب الطلب الحقيقي على الدولار من المواطنين والمستوردين.
الاتجاه نحو التعويم المدار من دون أدوات تنفيذية واقعية وشفافة، قد لا يؤدي إلى ضبط السوق كما يؤمل، بل قد يفاقم تقلباتها، خاصة إذا تم التدخل بطريقة متأخرة أو غير مدروسة.
الدول تسلك هذا الاتجاه سواء الكامل أو المدار، عندما تواجه ضغوطاً اقتصادية كبيرة مثل نقص احتياطي العملات الأجنبية، و اختلالات في ميزان المدفوعات، أو فشل سياسات تثبيت سعر الصرف في تحقيق الاستقرار.
التعويم يسمح للسوق بتحديد السعر الحقيقي للعملة، ما يعكس الواقع الاقتصادي بدقة ويحفز الإصلاحات اللازمة، لكنه بالمقابل يحتاج إلى مؤسسات نقدية قوية وقدرة على التدخل عند الضرورة لضبط التقلبات الحادة.
التعويم المدار ليس هدفاً بحد ذاته، بل أداة يجب أن تستخدم في الوقت المناسب وبالشروط الصحيحة، أما إذا أطلقت في بيئة غير جاهزة، فسيكون الخطر أن يتحول التحرير إلى تفلت، ويفقد المركزي فرصته في استعادة السيطرة.
للسير نحو تطبيق التعويم المدار بنجاح، على المصرف المركزي أن يبدأ بخطوات واقعية واستباقية تمهّد لبيئة نقدية مستقرة، مثل إطلاق منصة رسمية لشراء الدولار من المواطنين بسعر قريب من السوق الموازية، مع سقوف يومية وضوابط دقيقة لمنع المضاربات، وتوفير السيولة بالليرة لتمويل هذا الشراء بدلاً من ضخ الدولار واستنزاف الاحتياطي.
Post Views:
0