فهد كنجو | آثار جانبية |
حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي كان المشاهد السوري محكوم بخيار “القناة الأرضية السورية” ومساءً القناة الثانية باللغة الانكليزية، بين هذين الخيارين ما لا يمكن تسميته “خيار” ونقصد المشاهدة إما بالأبيض والأسود أو بالملون وذلك تبعاً للوضع الاقتصادي للعائلة، برنامج ما يطلبه الجمهور كان هو المساحة الأسبوعية الوحيدة التي تمكن شريحة ضيقة من المشاهدين لاختيار أغنية ستهديها المذيعة ماريا ديب “أم عمار” للأهل للأصدقاء وفقاً لمناسبة سعيدة “خطوبة .. مولود جديد .. زواج .. عودة من السفر .. الخ
في تلك الحقبة لم يكن ثمة مجال لقياس رأي المشاهد السوري فيما تقدمه له شاشته الوطنية، ربما لم يكن من داع لقياس رأيه، طالما أنه لا يعرف بدائل أخرى إلا في حدود ضيقة جداً..
في واحدة من كل ثلاث سهرات “خميس” تقريباً كانت تحظى أغنية “جاني الأسمر جاني” للمطربة السعودية “عتاب” بطلب ذوي الأذواق الصعبة من الجمهور لتنافس نجاة الصغيرة وعبدالحليم حافظ وأم كلثوم ووووو القائمة تطول، وبعد أن تنحت “أم عمار” أغاني ومطربين كثر لم تعد شاشتنا الوطنية تتذكرهم ولم يعد للجمهور ما يطلبه، ففرص العرض ليس فقط للأغاني وإنما لأي شيء باتت تعود لمن بيده دفة قيادة المرئي !!.
ولأن من بيدهم دفة قيادة المرئي الرسمي ليسوا مضطرين للعمل وفق مزاج المشاهد غير المستهدف أصلاً، بحكم غياب التأثير الشعبي على مستقبلهم المهني، باتوا أكثر تعنتاً لجهة فرض رؤيتهم وأهوائهم فيما سيظهر على الشاشة، منذ مدة كانت توقفت العديد من البرامج، وتأجلت دورة برامجية كانت مقررة ريثما تنتهي إدارة المرئي من وضع لمساتها على الهوية البصرية للشاشة الرسمية !! إلا أن ذلك لم يقوض فرصة ظهور برنامج “هجين” تحت عنوان “كلام كبير” !!، ربما حجم “فونت” البرنامج هو الآخر بصمة من جملة البصمات التي ستخلفها الإدارة الحالية لتمحوها فيما بعد الإدارة اللاحقة، (بالمناسبة لم تمر إدارة على مرآنا ومسمعنا إلا ودست “إبهامها” أسفل ومنتصف أو على يمين أو يسار عين المشاهد المعلقة على شاشتنا الوطنية، التي بدورها بدت هجينة توالدتها المحسوبيات مراراً وتكراراً عبر عقود المماتعة تارةً وظروف المسيار تارة أخرى !!
لم تنفع كل الانتقادات التي طالت مقدم البرنامج عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لا ولن تتفطن وزارة الإعلام التي لم يجد المعنيين فيها أي حرج من الكشف عن عوراتهم المادية ليجاهروا بـ “شحادة” لباس المذيعات، “جيب رعاية وتعا قدم برنامج” هو لسان حالهم، نحو 600 أو ربما أقل أو أكثر بقليل للحلقة الواحدة، كان مبلغاً كافياً لظهور الحقبة “الجندلية” ك “عماد” الدورة البرامجية للتلفزيون الرسمي، وكنكتة ثمجة تتناقلها الألسن ليحصد شهرة في أول انطلاقته فاقت شهرة “طرائف من العالم” ليس لأنه الأفضل بل لأنه من فصيل برامج “شر البلية ما يضحك” وربما ما يدعو للإقياء !!
هي موجة ستزول سريعاً، وسيمل رواد الفيسبوك من السخرية، أمر يدركه المعنيون تماماً هذا إذا كانوا أعطوا بالاً أصلاً لكل ذلك الضجر، فالأمر لن يرتقي إلى حالة “رأي عام” إنما سيبقى عند حدود المزاج العام أو شبه العام، سيكتفي المشاهد بالقفز على ترتيب القناة الوطنية إلى آخر الخيارات، ليستمر الكلام كبيراً إلى أن تتوقف منصة الدعم المادي له فيصغر ويتلاشى.
تتابع الفنانة “عتاب” عتابها لحبيبها الأسمر الذي جاءها وافتكر زمانها: “لما كيفه طب وراق جاي نادم عالفراق.. جاي يذكرني بحنين اللي نسيته من سنين”، فمتى سيطيب “كيف” مشغلي شاشتنا الوطني ويقدمون اعتذارهم على سنوات الهجران لرغبات وأمزجة المشاهد السوري ؟!.
يذكر أن الراحلة “عتاب” نفيت من السعودية بأمر ملكي بعد أن تجاوزت الخطوط الحمر فيما قدمته من أغاني وصلت حد الاستعراض، وحده مزاج السوريين كان كفيل أن تظهر على شاشتنا الوطنية يوم كان للجمهور ما يطلبه !!
الاصلاحية | لأنو صار وقتها..
Post Views:
0