الاصلاحية | آثار جانبية |
تغصّ مدينة دير الزور بأهاليها العائدين إلى الأحياء المؤهلة للسكن فيها، في ظل تذمّر كثير منهم من القرار الحكومي القاضي بـ«عودة كافة الموظفين»، واصفين القرار بأنه متسرع وغير متناسب مع واقع المدينة الحالي
الجزء الصالح للعيش في المدينة، والمتوافر فيه بعض الخدمات منذ أيام الحصار، لا تتجاوز مساحته ثلث المدينة، كذلك أن إمكانية العودة إلى الأحياء المحررة لا تبدو قريبة.
عودة الموظفين إلى المدينة تعني عودة أكثر من ثلاثة أرباع أهلها إليها، وهو أمر قد يهدد بانفجار سكاني، بدأت ملامحه تظهر مع اتخاذ الكثير من المدنيين للجوامع كدور سكن مؤقتة لهم، وذلك بسبب عدم وجود منازل كافية تتسع للأعداد الهائلة من العائدين. وتشير المعطيات إلى عودة أكثر من 100 ألف مدني ليتضاعف عدد السكان إلى نحو 200 ألف، وفق مجلس المدينة. وهو رقم يرجّح أن يزيد على 300 ألف إذا لم يُكتفَ بالحاجة من الموظفين، والاستمرار بقرار إلزام الجميع بالعودة.
عائدون على مضض
تتذمر خلود من القرار الحكومي، وهي ابنة دير الزور والموظفة في إحدى دوائرها الحكومية، التي كُلّفت سابقاً العمل في ريف دمشق منذ ثلاث سنوات، وذلك بسبب عدم وجود منازل كافية لاستيعاب الناس، ولا حتى خدمات مناسبة. وتقول: «جميعنا نحلم بالعودة إلى مدينتنا وبيتنا، لكن منزلنا تدمّر، ولا خدمات تسمح بعودة الجميع، لقد تسرعوا كثيراً بإعادتنا إلى مدينتنا بنحو عشوائي وغير مدروس». ولعل حال خلود يشبه حال الآلاف من موظفي دير الزور الذين تركوا المدينة وانتقلوا إلى محافظات آمنة أخرى واستقروا فيها، ليأتي القرار الحكومي بالعودة السريعة. وبدورها تتهكم ميادة، وهي موظفة حكومية، من «القرار السريع»، بالقول إن «الموظفين العائدين يشعرون بأنهم غير معنيين بمقر وظيفتهم، فلا كرسي أو طاولة تتسع لهم، في ظل اقتصار معظم المقارّ الحكومية على عدد يسير من الغرف، وعدد هائل من الموظفين».
المدينة الخارجة من حصار امتد لأكثر من ألف يوم، لا تزال الأنقاض في عدد كبير من أحيائها على حالها. ولم تسمح إمكانات مجلس المدينة، إلا بفتح بعض الطرقات الرئيسة المؤدية إليها، تمهيداً لدخول الآليات لبدء إزالة الأنقاض، بعد إنجاز العقود اللازمة لذلك. كذلك تعرضت شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء والاتصالات لتخريب شبه كامل في الأحياء التي كانت تحت سيطرة «داعش»، ما يجعل العودة إلى تلك الأحياء أمراً غير ممكن. ورغم الجهود الحكومية التي تبذل، فإن بعض الأحياء القابلة للترميم تحتاج إلى نحو عام، على أقل تقدير، لإعادة الحياة إليها. وبدورها، تعاني الأحياء التي لم تخرج عن سيطرة الدولة السورية، كالجورة والقصور والضاحية والطحطوح وهرابش والموظفين، من غياب كامل للكهرباء، وغلاء أسعار كهرباء المولدات (الأمبيرات)، وضغط على الأفران والمدارس، نتيجة عودة أعداد كبيرة من الأهالي إلى المدينة، وارتفاع كبير في أسعار إيجارات للمنازل، وسط مطالبات بتأمين منازل للموظفين قبل إعادتهم من مناطق استقرارهم المؤقتة. ويرى محافظ دير الزور محمد إبراهيم سمرة، في حديث إلى «الأخبار» أنّ «من الطبيعي أن يعود أهالي الدير إلى مدينتهم، ليعيدوا إعمارها. ولا يمكن الاستسلام للواقع، فالمدينة عانت كثيراً وتحتاج لجهود كل أبنائها لإعادتها إلى ما كانت عليه». ويرى أن «المراحل الأولى ستكون صعبة»، مبدياً في الوقت نفسه تفاؤله بأهالي المدينة، بالقول: «نثق بأن أهل الفرات سيعيدون بناء محافظتهم قريباً».
مدارس ودوائر حكومية وأسواق مكتظة
سببت العودة المكثّفة للسكان ازدحاماً كبيراً في المدارس، إذ وصل عدد الطلاب في الشعبة إلى أكثر من 50 طالباً، وذلك مع قلّة عدد المدارس التي لا يمكنها أن تستوعب الطلاب العائدين. يضاف إلى ذلك اقتصار أسواق المدينة على باعة بسطات في شارعي الجورة والوداي، ما يجعل من إمكانية توفير كل متطلبات السكان صعباً، في ظل غياب وجود محال تجارية كافية. وتضج صفحات التواصل الاجتماعي بالحديث عن أوضاع المدينة، ويقترح الكثير منها إعادة تأهيل سوق هال المدينة (سوق الخضر)، الموجود في حيّ الجبيلة، نظراً لتعرضه لضرر بسيط، ما يتيح إجراء صيانة سريعة له، مع فتح الطرقات التي تربطه بالأحياء المؤهلة، وتسيير باصات نقل داخلي لتخفيف الضغط عن سوقي الجورة والوداي.
مشاريع قيد التنفيذ
وبغياب وجود أي شركات خاصّة مبادرة لإعادة الإعمار، بدأ مجلس مدينة دير الزور بإجراء تعاقدات مع مؤسسات القطاع العام، مستفيداً من الإعانات المادية التي خصصتها رئاسة مجلس الوزراء للمدينة. ووفق رئيس مجلس المدينة، فادي طعمة، «سيُبدأ بترحيل الركام والأنقاض البيتونية من أربعة محاور في المدينة، هي سينما فؤاد، غازي عياش، الجبيلة، والطحطوح، وذلك على مراحل». ويلفت إلى أن «عملية الإزالة تحتاج لجدول زمني قد يطول حسب توافر السيولة التي تغطي نفقات إزالة الأنقاض»، مشيراً إلى أن «المجلس بدأ بصيانة الصرف الصحي في الأحياء المأهولة، وتأهيل بعض الساحات والدورات والشوارع الرئيسية وتجميلها، مع تأهيل كراج البولمان، وإنارة شوارع المدينة بألواح الطاقة الشمسية».
جريدة الأخبار | أيهم مرعي