الاصلاحية |
وفق إفادات لعدد من تجار البناء وسماسرته فإن نسبة تأثير ما يضخ من الحوالات الخارجية في السوق العقارية لجهة ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة لا تتجاوز بأحسن الحالات الـ10%.
حسن نابلسي | لتبقى نسبة الـ90% الأخرى مثار جدل يفتح المجال لاحتمالات عدة حول مصدر ما يوظف من كتل مالية هائلة في القطاع العقاري، ما بين معاودة النشاط الطبيعي لتجار البناء كما كان عليه سابقاً بعد تحسن الأوضاع الأمنية في عدد من المناطق خاصة المتاخمة لدمشق وريفها، أو توجيه المدخرات نحو السوق، أو أن الأمر مرتبط بتوسع طبقة تجار الأزمة ممن يجدون بهذه السوق ملاذاً لتبيض أموالهم!.
ترجيح
واقع السوق يرجح الاحتمال الأخير، نظراً لأن أغلب صفقات البيع تخضع بشكل ملحوظ لمزاجية البائع الذي يفرض ما يرغب من سعر، مقابل مسارعة الشاري لقبول العرض، خاصة وأن الأخير قد يشتري أكثر من وحدة سكنية أو محل تجاري وبأسعار تعتبر فلكية، مقارنة مع انخفاض القدرة الشرائية ومستوى الدخل الحالي، خاصة وأن بعض المصادر الحكومية أكدت أن تدفق الحوالات الخارجية إلى القطر لا يزال ضمن المعدل بحدود 7 ملايين دولار يومياً كحدّ أقصى، ما يعني أنه لم يستجد أي طارئ في هذه الحيثية بالذات!.
صبغة شرعية
إذاً ما سبق يشي بتحرك أموال طبقة تجار الأزمة نحو السوق العقارية، في محاولة منهم لإعطاء الصبغة الشرعية لأموالهم، وتظهر هذه الحركة ضمن سياقين يتعلق الأول كما أسلفنا بالتوافق شبه الفوري لعدد من الصفقات التي تتمّ بين البائع والشاري وعدم إبداء الأخير لأية ممانعة فعلية لأي سعر يفرضه الأول، وبالتالي إبرام الصفقة بموجب سعر مرتفع يصبح معتمداً في السوق، ويرتبط السياق الثاني بازدياد وتيرة البناء بشكل ملفت للغاية لا يتناسب مع القدرة الشرائية العامة، لكنها تعكس في الوقت ذاته ارتفاع معدل ضخ الكتل المالية في هذه السوق، ما يخلف بالنتيجة مئات الآلاف من الوحدات السكنية الخالية!!.
تجربة سابقة
في هذا المشهد المتلاطم بمفارقاته وتناقضاته المحكومة بالمزاجية البعيدة عن أدبيات التجارة ومنطق الربح والخسارة المتعارف عليها في أغلب القواميس الاقتصادية العالمية، تبرز لدينا إشكالية الاحتكار والمضاربة وانعكاساتها على حرف مسار السوق برمتها، ولاسيما أن ثمة تجربة سابقة في هذا المجال يخشى تكرارها مجدداً، تتمثّل بإقبال أصحاب الرساميل ممن صنفوا أنفسهم ضمن قائمة المستثمرين -خاصة خلال سنوات ما قبل الأزمة- على شراء الأراضي لتكون حاضنة لمشاريعهم الاستثمارية المزعومة، ولاسيما الصناعية منها، ليغيروا فيما بعد اتجاه بوصلتهم نحو المضاربة بما حازوا من أراض، فرفعوا أسعارها لتكون حجة واهية برفع أسعار الوحدات السكنية والتجارية لدى من اشتراها من تجار البناء، حيث يلاحظ أن الأراضي باتت ضمن اهتمام هؤلاء غير المكترثين بجدوى استثمارها، وإنما لتضخيم ثرواتهم عبر المضاربة بها على حساب التنمية ككل..!.
تعويل ولكن..!.
والشيء بالشيء يذكر.. لعل أهم ما كان معولاً على شركات التطوير العقاري إنجازه يتمثل بتنظيم واقع العشوائيات من خلال شراء الأراضي المشيدة عليها وإعادة بنائها وفق أسس فنية ومعمارية حديثة ومخدمة ببنية تحتية جيدة. ويفسر مدير أحد المفاصل الحكومية المعنية بالشأن العقاري إحجام الشركات عن الدخول في مضمار العشوائيات وتطويرها إلى وجود تخوف كبير من قبل المطورين العقاريين لأسباب تتعلق بالقاطنين في مناطق المخالفات، وما يترتب عن ذلك من مشكلات ينجم عنها الحرمان من المنزل وعدم ثقتهم بالحصول على منزل جديد بمواصفات فنية ومعايير حضارية، موضحاً أن الموضوع يحتاج إلى تكاتف جهود عدة جهات رسمية لتوضيح الصورة لدى كل من المطورين وسكان المخالفات، دون أن يخفي أن المسألة شائكة جداً وتحتاج لوقت طويل لحلها جذرياً.
فالمشكلة لا تكمن بمعالجة الأمور القانونية والإدارية لمناطق السكن العشوائي، بل الأهم والأبعد من ذلك هو المعالجة الاجتماعية وضرورة تعاون القاطنين وثقتهم بالمطور وتأمين البديل لهم ريثما يتم تأهيل مناطق سكنهم، وهذا لا يستطيع أن يقوم به المطور وحده بل يحتاج إلى مساندة الجهات المعنية في هذا الأمر، فالمسؤولون لم يأخذوا أهمية للشأن العقاري رغم أهميته الإستراتيجية، لأن أي قصور في مجال التطوير العقاري بشقيه العام والخاص، يؤدي إلى ازدياد رقعة العشوائيات، التي غالباً ما تفرز بؤراً اجتماعية غير صحية، إلى جانب أنها تساهم بالتلوث البيئي والبصري.
المصدر: البعث
Post Views:
0