الاصلاحية | منصة التحكيم |
كتب ثامر قرقوط | تعاني الحكومة من مرض عضال، لا يمكن أن تستقيم الأمور المعيشية دون استئصاله. ومن نتائج هذا المرض، تفتق عبقريتها بفكرة استهداف شرائح معينة لتحسين مستوى معيشة الناس، وتتخلى عن الأسلوب التقليدي المتبع عادة في زيادة الرواتب والأجور لجميع العاملين.
هذا الحذر الحكومي، ينطلق من الرغبة في تحقيق هدفين، الأول تفويت الفرصة على رافعي الأسعار ومصاصي الزيادات. والثاني أن تكون الزيادة حقيقية، وتحدث فرقاً في حياة الشريحة المستهدفة. أما الهدف الذي لا تتحدث عنه الحكومة فهو محاولتها، اخفاء الشمس بالغربال.
طبعاً لن يكون صعباً على الحكومة أن تقوم بذلك، لأنها بهذه الفعلة غير المنطقية، تشتري وقتاً إضافياً، يخفف العبء عنها، وتكسب إلى جانبها شرائح طبقية معينة، تزعم بأحقيتها في الزيادة، وأولوية احتياجاتها. وهذا سيقابله ردات فعل سلبية من الشرائح الأخرى التي سيطول انتظارها أولاً، ولن تطالها زيادة وازنة في دخولها ثانياً.
وإذا كانت الحكومة تعتقد أن هذا نهجاً اقتصادياً صحيحاً، فإن فكرتها “ملطوشة” من دول أوروبية، تقوم النقابات فيها والاتحادات، بتنظيم مظاهرات واحتجاجات واضرابات منطقية، لتحسين أوضاع الشرائح التي تمثلها ـ الذي هو بالأساس أكثر من جيد ـ أو للحصول على مزيد من المكاسب. وغالباً يقوم بهذه الاضرابات عمال النقل أو عمال المهن الشاقة، فيما تندر اضرابات المعلمين أو موظفي البنوك والقضاة.
السؤال: من هي الشريحة الطبقية في سورية التي لا تنتظر زيادة في رواتبها؟ أو أن وضعها يحتمل مزيداً من التأجيل للحصول على زيادة مرتقبة في الأجور؟.. الجواب بالنفي، ليس من قبيل المبالغة، بل هو تعبير دقيق عن الواقع المعيشي المعقد الذي يعصف بحيوات الناس جميعاً، ويزيد من مروحة مطالبهم، أمام ضيق الخيارات الممكنة، لتجاوز المحنة الأشد في تاريخهم المعيشي المعاصر. ويخطىء من ينظر إلى القضية على أنها موجة غلاء تقدر نسبتها بخمسة أضعاف، ويتجاهل الأسباب الموضوعية الأخرى المتعلقة بالتضخم الذي وصل معدلات قياسية، وانعدام فرص العمل، وتراجع الانتاج، وانخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة 90%.
أمام هكذا واقع معقد وسلبي، لايصعب على الحكومة تحديد الشرائح الطبقية التي يجب البدء فيها، والاستجابة لمطالبها. لأنها لو أغمضت عينيها، ورمت بزيادة في الأجور عشوائياً على الناس، فإنها لن تخطىء الرمية حتماً، وأينما حلت الزيادة ستكون في مكانها الصحيح. هكذا هو التخطيط في سورية.
يخضع الناس حالياً لظروف معيشية تزداد تعقيداً، وينتظرون فرجاً حكومياً ما، زيادة في الرواتب، أو تغييراً في خطط ودراسات “طبختها” الحكومة على نار هادئة، فكانت الحصيلة: “تمخض الجبل فولد فأراً”.
يعبر وقوف الحكومة في دائرة الطباشير دائماً، عن عجز في الرؤى، وافتقار حقيقي للأدوات والأساليب المطلوبة لاتخاذ القرار. فتحسين المستوى المعيشي، لايعني حتمية زيادة الرواتب والأجور التقليدية، بل هناك أساليب أخرى تتبعها الحكومات التي تفكر من خارج الصندوق، منها تقديم الخدمات المجانية في بعض المجالات الحيوية، كالصحة والتعليم والنقل. أو استهداف الأسر حسب تصنيفات الفقر وخرائطه، وتقدير مستوى الاحتياجات. أو يمكن اتخاذ اجراءات تضمن للجميع مستوى الحياة الكريمة، وعدم الانزلاق إلى الفقر. لكن في الحالة السورية، مع استثناءات بسيطة، تخضع كل الشرائح المجتمعية حكماً لضرورة الحصول على زيادة في الدخل، مترافقة مع تحسين شروط الحياة المعيشية.
اذا أرادت الحكومة أن تمضي قدماً في هذا التوجه غير المعقول، والمرفوض شعبياً، وغير المتوافق مع وعودها وواقع الناس المعيشي، فأكثر الخوف أن تبدأ بتحسين مستوى معيشة كبار مسؤوليها من رتبة الوزراء والمديرين العامين، نزولاً عند مطالب الناس، كما فعل وزير حماية المستهلك الأسبق عند رفع سعر الخبز والمحروقات، ومن ثم تعلن أنها لم تك على صواب. لكن ما لاتريد الحكومة البوح به، وهو مرضها العضال، أنها عاجزة عن تحقيق زيادة في الدخول، وتضع لنفسها أهدافاً تستطيع بلديات صغيرة تحقيقها.
صار وقتا..
Post Views:
0