قال المحامي عارف الشعال إن هيبة القضاء في الشق المدني في عدلية دمشق فقدت منذ أن تم حشرها بهذا الرواق اللعين بدون قاعات محكمة ومنصات قضاء، وأضاف: وما دام الحال باق هكذا، لا يمكن لهذه الهيبة أن تعود حتى لو ارتدى قضاة هذه العدلية ثوباً من الديباج لُحمته حرير مرصعاً بالذهب، في إشارة منه لتعميم وزير العدل الأخير القاضي بإلزام القضاة والمحامين بارتداء الزي المخصص لكليهما في قاعة المحكمة.
منصة التحكيم | الحامي عارف الشعال:
وتحت عنوان “هيبة القضاء وضوابط العلانية” نشر “الشعال” مقالاً عبر حسابه الشخصي على فيسبوك بدأه بالإشارة إلى أن القاضي شخص عادي كغيره من البشر، له احترامه كما يحترم كل الناس، ولكن العمل الذي يقوم به غير عادي، ويختلف عن العمل الذي يقوم به غيره من البشر، مما يفرض إضفاء مظاهر الهيبة على عمله، فهو يأمر بإعدام إنسان آخر لأنه ارتكب فعلاً محظوراً بالقانون، أو يأمر بسجنه عدداً من السنين يحددها بنفسه، فتنفذ السلطة أمره، ويأمر بنقل ملكية عقار من شخص لآخر، أو بإخراج شخص من منزل وتسليمه لآخر، فينفذ أمره، ويأمر بتفريق زوجين أو تسليم طفل لأحد الأبوين فينفذ أمره.
وتابع الشعار ليقول: إن القاضي شخص خطر في المجتمع يأمر فيطاع، وأوامره تمسُّ حياة الناس وحرياتهم وأملاكهم، يفعل ذلك ضمن معايير دقيقة وصارمة مقننة ومتراكمة عبر العصور والأزمان، يعرفها المجتمع بشكل عام، ويتقنها المختصون بالقانون بشكل خاص، وبالرغم من ذلك فقد ارتأت البشرية جمعاء بكافة أجناسها وأعراقها وانتماءاتها، أن هذا الشخص الذي يتمتع بهذه السلطات الخطيرة، فضلاً عن وجوب تمتعه بصفات العلم والنزاهة والاستقامة والعدالة، يجب أن يمارس عمله هذا على مرأى من الناس كافة، في مكان يبعث في نفوس الناس الهيبة والوقار حتى ترضخ لأوامره عن قناعة تامّة، هذا المكان الذي تعارفت عليه البشرية عبارة عن قاعة واسعة (قديماً كانت مسرح) يدخلها كل الناس ليراقبوا عمل هذا الشخص العادي (القاضي)،
هذه القاعة والتي سميت بـ (المحكمة) يدخلها أي كان، الصغير والكبير، الغني والفقير، الشريف والوضيع، ويحظر منع الناس من دخوله، وهذه المسألة نسميها بأدبيّاتنا القانونية بـ (العلانية) التي تعتبر شيئاً مقدساً جداً في العملية القضائية، فلا يوجد أسرار في القضاء، يجب أن يراقب الناس كافة هذا الشخص الذي يأمر فيطاع كيف يمارس عمله، لذلك يحظر نهائياً منع الناس من دخول المكان الذي يحكم به هذا الشخص، ماعدا حالات محدودة جداً تغلق فيها المحكمة أبوابها بوجه الناس، هذه الحالات تقتضيها مصلحة المجتمع ككل صوناً لخصوصيات الخلية الصغرى فيه وهي الأسرة، أو صوناً لأسرار الدولة الحساسة، ولكن في جميع الحالات يحظر على القاضي إصدار حكمه سراً، وإنما يفعل ذلك علناً على مرأى ومسمع من الناس.
الشعار كان أكد في منشورة أنه عندما تنعدم العلانية، تنعدم المحاكمة، وينعدم حكم القاضي، وينعدم كل شيء قام به ويعتبر هباء منثوراً، هذه العلانية نسميها (قضاء الخصومة) حيث يصدر الحكم متمتعاً بحصانة وحجية مطلقة ومحترمة، ولهذا السبب اعتبر الحكم الصادر بغرفة المذاكرة (الغرفة الخاصة بالقاضي جانب المحكمة) مفتقداً لهذه الحجية أو حصانة ويمكن الطعن به في قضاء الخصومة، حيث يراقب الناس عمل القاضي بعلانية، وكذلك الأمر بالنسبة لأحكام قاضي الأمور المستعجلة، ليس لها أي حجية، لأن هذا القاضي ونظراً لدواعي العجلة قد يضطر لإصدار الحكم، في أي مكان خارج هذه القاعة بدون أن يراه الناس،
وقد يصدر الحكم إذا اقتضى الأمر في منزله أيضاً، لذلك لا يوجد حجية لهذا الحكم ويمكن الطعن به والاعتراض عليه بقضاء الخصومة، (قضاء العلانية). وإزاء هذه العلانية والسماح لأي كان بدخول هذا المكان ارتأت البشرية إحاطة هذا المكان الجليل بضوابط تفرض فيه هيبة المكان على الحضور، وتمنع حدوث الفوضى المعتادة في أي تجمع غير منتظم للناس، هيبة هذا المكان تأتي من “المنصة” التي يجلس عليها القاضي، وهي ما نسميه بـ (قوس المحكمة) والتي يجب أن تكون بعيدة عن الناس مسافة تمنع الاحتكاك به، فقد يلجأ بعض الخصوم لمصافحة القاضي من باب كسر الحاجز معه أو استمالته، ويجب أن تكون المنصة مرتفعة بحيث يشاهد الحضور جميعاً هذا الشخص (القاضي) ماذا يفعل، كما أن المنصة المرتفعة لها رمزية بأن القاضي يعلو على مهاترات الأخصام ولجج الخصومة، فالشخص ينظر لخصمه على مستوى نظره لأنه مساوياً له، أما حينما ينظر للقاضي فيجب أن يرفع نظره، فالقاضي ليس مساوياً للخصوم ونداً لهم، وهذا ما عبر عنه الفقيه الشافعي الكبير “الماوردي” أحد كبار قضاة الدولة العباسية، في أحد مصنفاته النفيسة قائلاً: ((مجلس الحكام في الأحكام يتميز عن مجالس غيرهم، وعن مجالس أنفسهم في غير الأحكام من أوجه، منها أن يبعد مجالس الخصوم منه لأمرين: أحدهما ليكون أبلغ في الهيبة، والثاني: لئلا تسبق إليه تهمة أن يشير إلى أحدهما أو يشير إليه أحدهما بما يخالف الحق، وليكن البساط الذي يجلس عليه متميزاً عن بساط الخصوم ليكون أهيب له)) (الماوردي- أدب القاضي – ج1- ص318) ومن مظاهر الهيبة التي يفرضها هذا المكان الرداء الخاص الوقور الذي يرتديه القاضي، وكذلك الكاتب، والمحامين المترافعين عن الخصوم.
ولتحصين هذه الهيبة أعطى القانون للقاضي الحق بأن يخرج من قاعة المحكمة من يخل بالنظام فإن لم يمتثل وتمادى كان له أن يحكم على الفور حكماً مبرماً بحبسه أربعا وعشرين ساعة أو بتغريمه ألف ليرة سورية (المادة 140 أصول محاكمات)، وعليه فإن مقومات هيبة القضاء، منظومة متكاملة مجتمعة تشمل القاعة الواسعة، والمنصة المرتفعة، واللباس الوقور للقاضي والكاتب والمحامين الوكلاء، لا يكفي الاعتناء بإحداها دون الأخريات لتحقيق هذه الهيبة.
وختم “الشعال” منوهاً إلى أن هيبة القضاء في الشق المدني في عدلية دمشق فقدت منذ أن تم حشرها بهذا الرواق اللعين بدون قاعات محكمة ومنصات قضاء، وما دام الحال باق هكذا، أكد الشعال أنه لا يمكن لهذه الهيبة أن تعود حتى لو ارتدى قضاة هذه العدلية ثوباً من الديباج لُحمته حرير مرصعاً بالذهب.
وكان أصدر وزير العدل هشام الشعار تعميماً أكد فيه على ضرورة التزام القضاة والمحامين وفقاً لقانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 98 تاريخ 15/11/1961 أو القانون رقم 30 الصادر بتاريخ 28/6/2010 الناظم لمهنة المحاماة ، حيث يوجب القانونان أن يرتدي القاضي والمحامي الرداء الخاص بهما أثناء المرافعات بغية تكليل الهيبة القضائية، ودور المحاكم بكافة مستوجباتها الشكلية والموضوعية .
ووجه التعميم إدارة التفتيش القضائي والمحامين العامين متابعة تطبيق هذا التعميم وما سبقه لذات الغاية والهدف، والإعلام عن أية مخالفة.
الإصلاحية | لأنو صار وقتها ..
Post Views:
0