التهديد الأول: كشف عنه ايهود يعاري، محلل الشؤون العربية في القناة الثانية الإسرائيلية، والمقرب من الجهات العسكرية والأمنية والسياسية، عندما قال ان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، بعث برسالة الى الرئيس السوري بشار الأسد، عبر طرف ثالث، مفادها انه ونظامه في خطر اذا سمح لإيران بإقامة قواعد عسكرية على ارض بلاده، وسيدفع “إسرائيل” الى التخلي عن سياسة “عدم التدخل” التي اتبعتها منذ بداية الازمة السورية عام 2011.
التهديد الثاني: أماط اللثام عنه الجنرال غيرشون هكوهين، ويؤكد ان الاجهزة الأمنية الإسرائيلية تخطط لاغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس″ في الحرس الثوري الإيراني.
ايران لا تحتاج الى إقامة قواعد عسكرية لها في سورية، وان احتاجت فلن تعير اهتماما لمثل هذه التهديدات، والحال نفسه ينطبق على السلطات السورية، فالتحالف القائم بينها وبين دمشق تحالف استراتيجي صلب، والقوات الإيرانية تتواجد على الأرض السورية منذ سبع سنوات، وخاضت المعارك دفاعا عن النظام في مواجهة اكثر من الف تنظيم مسلح مدعوم أمريكيا وعربيا طوال السنوات السبع الماضية، وخسرت المئات، ان لم يكن الآلاف، من ضباطها وجنودها في هذه المعارك والمواجهات، مضافا الى ذلك ضخت المليارات في قنوات الاقتصاد السوري لمنع انهياره، وحققت نجاحا كبيرا في المجالين.
اذا ارادت ايران فعلا إقامة قواعد عسكرية فلن تجد غير الترحيب الواسع، بالطريقة نفسها التي جرى فيها الترحيب بقاعدة “حميميم” الروسية في طرطوس، فليس هناك تحالفات “مجانية” ومن اتجاه واحد، وعبر سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، عن هذه المسألة في احد مؤتمراته الصحافية الأخيرة بقوله “التواجد العسكري الإيراني في سورية تواجد شرعي وقانوني لانه تم بموافقة الحكومة الشرعية السورية”.
نتنياهو قلق من تنامي التحالف الإيراني السوري المسنود بقوات “حزب الله”، ويعتبره تهديدا استراتيجيا للامن القومي الإسرائيلي، لان القوات الإيرانية باتت على حدوده أولا من الشمال ومن الشرق، ولأنه، أي التحالف، بات يملك خبرة عسكرية عالية جدا على صعيد الحرب التقليدية، أي الجيوش النظامية، او عن طريق حرب العصابات ثانيا، وصبر طويلا على الاستفزازات الإسرائيلية، وجاء وقت الرد ثالثا.
اما اذ تناولنا التهديد الثاني، أي اغتيال الجنرال سليماني على ايدي خلية لجهاز “الموساد”، فإن هذا الاغتيال غير مستبعد، لان هذا الرجل دوخ “إسرائيل” وعملائها في الداخل والخارج، وهزم حلفاءها في كردستان العراق، واسس قوات “الحشد الشعبي” العراقي، وسلحها ودربها، وحولها الى قوة ضاربة، وهي القواعد غير تقليدية موازية للجيش العراقي، وباتت تحاكي نموذج “حزب الله” في لبنان، وجماعة “انصار الله” في اليمن، وحركتي “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين المحتلة، فزمن الجيوش الكلاسيكية التي تهرب من اول غارة جوية انتهى الى غير رجعة.
اقدام أجهزة الامن الإسرائيلية على حملة اغتيالات ضد ايران وقادتها وحلفائها، ربما تنعكس دمارا عليها، لانها ستجعل سفاراتها ووفودها وقياداتها ومصالحها، هدفا لاعمال اغتيال انتقامية في جميع انحاء العالم، و”إسرائيل” في هذه الحالة لن تواجه ايران وحدها، وانما العديد من الحركات المتضامنة معها، في العراق ولبنان وفلسطين أيضا، فهل تستطيع “إسرائيل” الخروج منتصرة في هذه الحرب اذا ما تجرأت على اشعال فتيلها؟.
صحيح ان “إسرائيل” اغتالت، عبر عملائها، بعض علماء الذرة الإيرانيين، وكذلك بعض قيادات “حزب الله” مثل الحاج عماد مغنية، وسمير القنطار، وجهاد مغنية، وبعض قادتها الميدانيين الآخرين، ولكن الرد عليها ربما لم يكن أولوية بسبب انشغال هذا المحور في الازمة السورية واعطائها الأولوية المطلقة، اما الآن، وبعد ان اقتربت هذه الازمة من نهايتها، فإن الوضع قد يتغير تغييرا جذريا.
نتنياهو قلق من التهديدات الإيرانية الوجودية لكيانه، مثلما هو قلق من تزايد قوة “حزب الله” العسكرية والسياسية والعلاقة التحالفية الوثيقة مع حركة “حماس″ و”الجهاد” في فلسطين المحتلة، ولا نستبعد ان يقدم على “حماقة ما” خاصة ان حبل الفساد يشتد حول عنقه، ولكن هذه “الحماقة” قد تلحق به و”إسرائيل” هزيمة قاسية لن تفوق منها مطلقا، وان افاقت ستكون منهكة ضعيفة، منزوعة الهيبة والكرامة والقوة، وستعتمد في بقائها على قوى خارجية تماما، مثلما هو حال المانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
سيظل نتنياهو يهدد من الخطر الإيراني، وبما حلفاءه العرب الجدد ويثلج صدورهم، ولكنه لن يجرؤ على تنفيذ تهديداته هذه، لانه يعرف ما ينتظره، من صواريخ وحرب عصابات شاملة، وطائرات بدون طيار مفخخة، وعشرات الآلاف من المقاتلين الذين يحملون اكفانهم على اكتافهم، طلبا للشهادة في “ام المعارك” الحقيقية.
عبد الباري عطوان / راي اليوم