الإصلاحية | آثار جانبية |
حين رأته أول مرة ببدلته العسكرية، اقترب منها هامساً بأنها وطنه ورحل.. وحين رأته آخر مرة نظرت في عينيه المتعبتين، أمسكت بيديه بقوة وعرفت بأنه هو أيضا وطنها، هي واحدة من قصص كثيرة كبرت وترعرعت في المساكن المخصصة للعسكريين الذين على راس عملهم، هي أحياء تكاملت وأتمت صيرورتها وخرجت منها أجيال منهم من اختار طريق والده العسكري ومنهم الأطباء والمهندسين والمحامين… الخ،
رولا أحمد | بعد نشوب الحرب باتت تلك الأحياء بيت لأسرار ساكنيها، وبيوتها المترعة بالخوف والعزلة والترقب، ترويها عيون ساكنيا من النساء.. عيون معلقة على أفق الانتظار والأمل بعودة الأحبة ..
لسن كباقي النساء..
تقول “جنى”.. حين قررت الارتباط بزوجي آدم عند بداية الحرب على سوريا أدركت بأن حياتي ستتغير كلياً مثلي مثل اخريات كثر اخترن الزواج من رجل عسكري ..وسكنوا المساكن العسكرية..
ومع اشتداد وطأة الحرب بدأ الوضع يصبح أكثر سوءاً وأصبحت أرى آدم بشكل أقل 3 أيام إجازة كل 15 يوما ..أما توأمي الصغيرين (تيم وورد ) لا يكادان يتعرفان على والدهما حتى تنتهي إجازته ويسافر للالتحاق بقطعته
اضطررت في غيابه لأخذ دور الأم والأب وقمت بجميع الواجبات التي كان يهتم هو بإنجازها كتأمين الغاز والتدفئة وبتاقي الحوائج المنزلية.
“قلق”.. “خوف”.. “ترقب” !
عشت وجاراتي أياما مليئة بالقلق والخوف وخاصة عند تعرضت المساكن العسكرية التي كنا نقطنها للاعتداء في بداية الأحداث، أما الترقب والانتظار رافقانا ليالٍ طويلة مع كل يوم مضى ولم نعرف عنهم شيئاً ( بخير أو لا ..مصابون أو مفقودون ..مخطوفون أم استشهدوا ) لم يواسني شيء إلا حالهم الشبيهة بحالي فكنا نستمد القوة من بعضنا ونستعين بها على مصاعب الحياة
تعتبر محظوظة تلك التي يعود زوجها أو أبيها أو أخيها سالماً بعد معركة حامية الوطيس ..المطالبه بأكثر من ذلك كانت تعدّ ترفاً..
العجز موت من نوع آخر ..
(لينا _ أ ) أم لثلاثة أطفال وزوجة لضابط أصيب إصابة خطرة في آخر معركة له في درعا وبُترت قدمه اليسرى، بكثير من الأسى تروي “لينا” شعورها بعودة زوجها الواقف على رجل واحدة وتقول: لم أكن أدري هل أفرح بعودته على قيد الحياة أم أحزن لهول مصيبته .. لقد احتاج زوجي الكثير من الوقت ليتقبل فقده لجزء أساسي من جسده ، أن تتحول من شخص يضج بالحياة يقدم المساعدة للآخرين دوماً إلى شخص يضطر للاعتماد عليهم هو غصة في القلب.
فيما بقيت فرصة تركيب طرف اصطناعي له عامل إيجابي هون علينا بعض وجعنا، وهي مسألة احتاجت منا لوقت طويل جداً رغم كل التسهيلات التي كان من المفترض أن تُقدّم ..ولكن عبثاً واضطررنا للجوء للوساطات من هذا وذاك للحصول عليه .
الخطف بين الحياة والموت..
(ريم _ س ) خريجة كلية الحقوق وهي أحد أفراد عائلة مكونة من 4 أشخاص تقول: “والدي ضابط تم اختطافه وهو في طريقه إلى قطعته العسكرية في خان الشيح ..جميع المحاولات لمعرفة شيء عنه باءت بالفشل ووجدنا أنفسنا فجأة فاقدين للسند والمعيل .. أوقفوا راتب والدي لمدة سنة فأصبح وضعنا المادي صعباً جداً ..واضطررنا أنا ووالدتي “معلمة امدرسة) إلى إعطاء الدروس الخصوصية لمدة 6 ساعات يوميا لتأمين المتطلبات الضرورية لأسرتنا.
وتابعت: “مرت 4 سنوات كانت ثقيلة علينا ولم يتغير الوضع ولم نعرف شيئا بخصوص والدي المخطوف ..استشرنا الأصدقاء وأكدوا لنا أنه بعض مضي 4 أعوام على اختطافه تعتبره الدولة شهيدا .. ذهبت والدتي لإتمام الأوراق الخاصة بهذا الموضوع علّنا نستفيد من الأمتيازات المقدمة لذوي الشهيد وأحصل على وظيفة أعين بها أسرتي.. لكن فوجئنا بأن الأمر أكثر تعقيدا مما يبدو عليه وتم عرض الأمر على لجنة طلبت منا أن نأتي بثلاثة شهود يشهدون بأن أبي خُطف .. بدت أمي مصعوقة لدى سماعها هذا الخبر وسألتهم “ومن اين نأتي بالشهود .. من خان الشيح مثلا؟؟.. رجل قدم حياته رخيصة كُرمى للوطن يُطلب من ذويه شهود على إنه اختطف ولم ينشق مثلاً ..؟؟؟ أليس هذا الوجع بعينه عدنا أدراجنا ولم نحاول بعد ذاك اليوم القيام بأي محاولة لإثبات استشهاد والدي..
ابتزاز واستغلال وتحرش..
اما (هـ . د ) فكان لها قصة مختلفة تماماً .. استشهد زوجها الذي كان عنصراً في أحد صفوف القوات الرديفة بعد مضي عامين على زواج تكلل ب طفلهما الوحيد ( محمد ) الذي لم يشأ له القدر أن يرى والده…
تروي زوجة الشهيد بأن الحال ساءت بعد استشهاد زوجها وكان لابد لها من طلب المساعدة للحصول على الراتب بشكل دائم.. فقصدت أحد المسؤولين عن زوجها الذي وعدها بالمساعدة ولكنه كان يتلكأ ويقدم الكثير من الحجج في كل مرة وفي النهاية طلب رقم هاتفها واتصل بها عدة مرات وعرض عليها تسهيل أمور الراتب وتسريعها في حال تعاونت معه .. وحالة (هـ _ د) هي واحدة من بين العشرات من حالات مشابهة، تتضمن استغلالا جنسيا وتحرشا واستغلال منصب وللأسف الكثير من الزوجات يلجئن للصمت خوفاً على سمعتهن وخوفا من ضياع الراتب.
شاءت الظروف أن تكون جنى وريم ولينا بطلات قصص حزينة من زمن الحرب لكن ما حدث ليس حكرا عليهن ..قد تتغير الظروف لا سمح الله لتكون أختك أو أمك .. زوجتك أو حبيبتك في مكان كل منهن ..
قدّمن أغلى ما يملكن في سبيل وطن ..أليس الأجدى بالقائمين على هذا الوطن بالنظر إلى حالهن ..وتقديم كل مساعدة من شأنها أن تجنبهن التعرض لمواقف فيها من الإذلال ما يكفي ..؟؟فمن حق زوجة الجريح أو المصاب بعجز جراء إصابة حرب أن يعالج زوجها بشكل كامل نفسيا وجسدياً ..أن يُعاد تأهيله وتأمين وظيفة له تتناسب مع وضعه الجديد ..
ومن حق زوجة المخطوف أن تعطى راتب زوجها فورا فلا يتم استغلالها من قبل الآخرين وخاصة إذا لم تكن تعمل
ومن حق زوجة الشهيد سواء أكان مجندا في الجيش أو إحدى قواته الرديفة أن تعيش بكرامة فلا تُبتز ولا تتعرض للتحرش ..
هن المحاربات المضحيات في سكون ورضا وخوف وألم قد لا يتحمله الكثيرات ممن يعشن في رغد ..كانت أكبر أمنياتهن أن يعود من غاب عنهن بخير وسلامة فهل من منصف لهن ؟؟؟
الاصلاحية | صار وقتا..
Post Views:
0