الاصلاحية | فاصل سياسي |
زادت متغيرات الميدان السوري، ودخول الجنوب دائرة مناطق خفض التوتر، من «منسوب» المؤشرات المتفائلة بإمكانية إعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن. ورغم التصريحات الإيجابية الصادرة عن كلا البلدين حيال ذلك، إلا أن «الكرة» يبدو أنها لا تزال في ملعب آخر
لكن مرت فترة زمنية ليست بالقليلة على ذلك التوقع، من دون أن يشهد وضع المعبر الاستراتيجي أي تغيّر منذ سيطرة المسلحين عليه في آذار من عام 2015، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة عن العائق الحقيقي لإعادة فتح المعبر، ما دام الجانبان مهتمين بوقف مسلسل الخسائر الاقتصادية المتدحرجة، والتأقلم مع متغيرات الميدان السوري.
عاد معبر نصيب الحدودي إلى واجهة الأحداث قبل نحو أربعة أشهر، وذلك تزامناً مع الاتفاق الروسي ـ الأميركي على إدخال الجنوب السوري ضمن ما بات يعرف بـ«مناطق خفض التوتر». وبحسب ما يؤكده مصدر سوري مطلع، فإن «وقف العمليات العسكرية في الجنوب، وتحديداً في محافظة درعا، دفع المسؤولين الروس في فترة ما إلى التباحث مع نظرائهم الأردنيين بشأن إمكانية إعادة فتح معبر نصيب، ومناقشة الترتيبات اللازمة لذلك». وأضاف المصدر في حديثه لـ«الأخبار» أنّ الأجواء، حتى وقت قريب، كانت إيجابية نوعاً ما، عززتها تصريحات أردنية رسمية أبدت الحرص على إعادة فتح المعبر، لكن يبدو أن هناك فرقاً بين وجود رغبة أردنية، وإصرار أميركي ــ إسرائيلي ــ سعودي على استمرار إغلاق الحدود مع سوريا. ويستدل المصدر على ذلك بالإشارة إلى رفض السلطات الأردنية اقتراحاً سورياً قُدِّم في وقت سابق، يتضمن تجهيز وفتح معبر جديد من جهة محافظة السويداء (معبر الروشيد على الجانب الأردني). أما القائم بأعمال السفير السوري في عمان، أيمن علوش، فقد كان أكثر وضوحاً في توصيفه لتطورات الملف، عندما أكد في تصريحات صحفية أن «الرغبة السورية لإعادة فتح المعبر تحولت إلى إرادة أردنية… والعامل الوحيد المعطل هو العامل الإسرائيلي»، مشيراً إلى تقديمه عدة مذكرات لوزارة الخارجية الأردنية للعمل على إعادة فتح المعبر.
من بوابة الاقتصاد
وكما أن إغلاق المعبر كان بمنزلة حرق لآخر «المراكب» التي تجمع دمشق بعمان، فإن إعادة فتحه يمكن أن تمثل بداية مرحلة جديدة في مسيرة علاقات البلدين المتوترة طوال سنوات الأزمة السورية، وتحديداً في الجانب الاقتصادي، حيث من المتوقع أن يعود قرار فتح المعبر بمنافع اقتصادية كبيرة على اقتصاد البلدين. وبحسب ما يذكر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في سوريا الدكتور سامر خليل، فإن المعبر «يحظى بأهمية اقتصادية كبيرة للبلدين، فمن خلاله ستكون الصادرات السورية قادرة على الوصول مجدداً إلى أسواق الخليج ومصر بكميات أكبر وكلفة أقل، فضلاً عن إعادة تنشيط حركة تجارة الترانزيت القادمة عبر المرافئ اللبنانية أو مرفأ طرطوس». ويضيف في تصريح لـ«الأخبار» أنّ «الفائدة ستكون مشتركة للبلدين ولدول عربية أخرى». وفي هذا السياق تظهر البيانات الرسمية المتعلقة بالحركة التجارية للمعبر أن السيارات الشاحنة التي غادرت سوريا إلى الأردن خلال عام 2010، عدا سيارات الترانزيت، بلغ عددها نحو 4425 سيارة، فيما سجلت الصادرات السورية في العام نفسه، من خلال هذا المعبر، ما يقرب من 35 مليار ليرة، والمستوردات نحو 47 مليار ليرة، أي أن قيمة المبادلات التجارية للمعبر تجاوزت ملياري دولار وفقاً لسعر الصرف المعمول به في عام 2010، وهي أرقام لا تعبّر بنظر المسؤولين الاقتصاديين السوريين عن الواقع الحقيقي لقيم المبادلات التجارية للمعبر الحدودي الأهم.
وإلى اليوم، لا يملك اتحاد غرف التجارة السورية أي معلومات جديدة تتعلق بوضع المعبر، وإن كان يأمل أن تحمل الأيام القادمة تطورات إيجابية في هذا الملف، إذ إن معبر نصيب، وفق ما يؤكده رئيس الاتحاد غسان قلاع «لا يعيد إحياء العلاقات الاقتصادية بين سوريا والأردن فقط، بل يسهم أيضاً في جهود استعادة السوق العراقية، وهي السوق الأهم تاريخياً بالنسبة إلى سوريا، إذ إن المعبر يختصر في أحيان كثيرة المسافة، ويخفض التكاليف في التواصل السوري العراقي».
ولبنان أيضاً
الدولة العربية الثالثة التي تنتظر «بفارغ الصبر» إعلان إعادة فتح المعبر هي لبنان، الذي تحمل اقتصاده خسائر كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية. فمن جهة، إن جزءاً كبيراً من صادراته المتجهة نحو الأردن ومصر ودول الخليج توقفت نهائياً، في حين أن الجزء الآخر الذي بقي يحاول الوصول إلى تلك الأسواق اضطر إلى دفع تكاليف إضافية، فرضها خيار الشحن بحراً أو جواً. ومن جهة ثانية، فإن حركة ترانزيت السلع والبضائع، المستوردة عبر المرافئ اللبنانية والمتجهة نحو الأردن والعراق والخليج، أصابها شلل كامل، وهي في النهاية تمثل خسارة سورية لبنانية أردنية مشتركة وفق ما يرى رئيس اتحاد شركات الشحن الدولي صالح كيشور، الذي يؤكد في حديثه لـ«الأخبار» أن «سيارات الشحن الترانزيت التي كانت تعبر المعبر قبل الأزمة وصل عددها يومياً وبالاتجاهين إلى نحو 600 سيارة»، مقدراً قيمة «المبادلات التجارية التي كانت تجري من خلال هذا المعبر باتجاه الأردن والخليج بنحو 3 إلى 4 ملايين دولار يومياً»، أي ما بين 1,1 إلى 1,5 مليار دولار سنوياً، وتالياً كانت هناك عائدات بملايين الدولارات تذهب لخزينة الدول الثلاث، و«هذا يبدو حافزاً للتفكير جدياً في إعادة فتح المعبر أو إيجاد بديل له في أسرع وقت ممكن».
وحتى ينجلي مصير وجود المجموعات المسلحة في المعبر، فإن قرار إعادة فتحه سيبقى رهينة تجاذب مصالح إقليمية ودولية، ولهذا لا يستبعد مراقبون أن يتحرك الجيش السوري في مرحلة ما نحو استعادة المعبر إذا ما تأخرت تسوية إعادته سياسياً، ولا سيما أن المجموعات المسلحة المسيطرة على المعبر إما من «جبهة النصرة» أو محسوبة عليها.
المصدر : جريدة الأخبار