الإصلاحية | آثار جانبية |
تزداد الأمراض النفسية في الأزمات والحروب، ومع العدد القليل جداً من الأطباء النفسيين السوريين، ما كان أمام الجهات المختصة إلا تدريب غير المختصين على تقديم الخدمات الطبية النفسية، لتقدم في العام الفائت نحو 200 ألف خدمة من هذا النوع، بنسبة لا تتجاوز 20% مما يجب تقديمه
يشير مدير الصحة النفسية في وزارة الصحة، الدكتور رمضان محفوري، إلى أن نسبة الاضطرابات النفسية عامةً متشابهة في كل البلدان، وتزداد في وقت الأزمات وتصل إلى الضعف في الأزمات المعقدة كما الأزمة السورية. ويقول لـ«الأخبار»: «تقسم تلك الأمراض بنحو طبيعي إلى ثلاثة أقسام: الاضطرابات النفسية الشديدة التي تراوح بين 1 و2% من العدد الكلي للسكان، ويمكن القول إنها ارتفعت في سوريا بعد سبع سنوات من الحرب لتصل إلى 5%، والاضطرابات المتوسطة الشدة التي تكون عادة بين 8 إلى 10%، وفي أحسن الأحوال قد وصلت نسبتها إلى 15%، والاضطرابات الخفيفة التي تكون بحدود 20 إلى 25% حسب التقديرات العالمية».
ويضيف الاستشاري في الأمراض العصبية والنفسية، أنه «بما أن سوريا تتعرض لأكثر الأزمات شدةً وتعقيداً، من الممكن القول (بين الجد والمزاح) إن المجتمع السوري كله مصاب باضطرابات نفسية خفيفة وبحاجة إلى إسعاف ودعم نفسي».
ولتحديد أعداد المرضى النفسيين في سوريا بنحو تقريبي، ووفقاً لآخر تصريح للمكتب المركزي للإحصاء بأن عدد سكان سوريا نحو 28 مليون نسمة، واعتبار أن النسبة يمكن حسابها على 20 مليون نسمة (وفقاً للدكتور محفوري) فإن مليون سوري على الأقل يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، ومن الضروري والعاجل تقديم الخدمات الطبية النفسية إليهم، و3 ملايين يعانون من اضطرابات متوسطة الشدة بحاجة بالحد الأدنى إلى دعم نفسي.
20% فقط من الأمراض
وعن عمل وزارة الصحة وما قدمته إلى هؤلاء المرضى، أكد رمضان أنه منذ نهاية عام 2013 وحتى اليوم دُرِّب 1400 طبيب من غير التخصص النفسي بين القطاع الحكومي والخاص على تقديم الخدمات الطبية النفسية، وأُخضع 23 مرشداً ومعالجاً نفسياً فقط التابعين لوزارة الصحة لدبلوم تدريب عملي ونظري في مجال المعالجة النفسية، مع تدريب نحو 75 متطوعاً من الجمعيات الخيرية على الدعم النفسي الاجتماعي، وتدريب 4000 ممرض على الإسعاف النفسي الأولي. وخلال عام 2017 قدّم هؤلاء الأطباء نحو 200 ألف خدمة طبية نفسية في المحافظات السورية، باستثناء إدلب والرقة ودير الزور. ويضيف: «هو عدد قليل رغم كل الجهد الذي بذلته وزارة الصحة والجهات المعنية، إذ لا يشكل هذا العدد نسبة 20% من المليون شخص الذين يعانون اضطرابات نفسية شديدة»، مشيراً إلى أن الطموح إليه في العام القادم بالحد الأقصى «أن يكون ربع الأطباء العاملين على الأراضي السورية مدربين على تقديم الخدمات الطبية النفسية، وخاصة مع قلة عدد الأطباء النفسيين المختصين، فلا يتجاوز عددهم 75 طبيباً نفسياً، نصفهم متمركز في دمشق».
وبشأن أكثر الأمراض النفسية المنتشرة، أوضح محفوري أن مرض الاكتئاب تصدّر المركز الأول بين تلك الأمراض كما هو متعارف عليه عالمياً، تليه الاضطرابات الذهانية (الفصام وأشباهه)، وهي من الأمراض التي تزداد في حالة الأزمات، ثم الصرع الذي يتفاقم بسبب الهجرة والصعوبات المالية، بالإضافة إلى اضطرابات الأطفال النفسية، والاضطرابات الإدمانية والكحولية، واضطرابات كبار السن، وأخيراً اضطراب قليل الحدوث، هو الانتحار.
نسب متفاوتة
مصدر في وزارة الصحة، رفض الكشف عن اسمه، زود «الأخبار» بإحصائيات عن أعداد المرضى النفسيين في المشافي الحكومية الثلاثة الخاصة بالاضطرابات النفسية، حيث ازداد عدد المرضى المقيمين في مشفى ابن رشد (دمشق) من عام 2014 حتى 2017 بنسبة 13.3% تقريباً، فبعد أن كان عددهم 420 مريضاً مقيماً عام 2014، وصل إلى 476 عام 2017، وفي مشفى ابن سينا (ريف دمشق) كانت الزيادة بنسبة 41% تقريباً، فكان العدد 365 مريضاً عام 2014 وصل إلى 514 عام 2017، وفي مشفى ابن خلدون (حلب)، الذي انقطع عن الخدمة منذ منتصف عام 2015، بلغ عدد المرضى 3940 مريضاً مقيماً عام 2015، ووصل العدد إلى 4163 عام 2017، أي بنسبة زيادة 5.7% تقريباً.
وأشار المصدر إلى أن هذه الإحصائيات لا تمثل الخدمات المقدمة لكل مراجعي المشافي في العيادات الخارجية، وإنما فقط المرضى المقيمين الذي أقاموا على الأقل ليوم واحد في المشفى، وبالتالي هؤلاء هم ممن يعانون اضطرابات نفسية شديدة ويشكلون خطورة جدية على أنفسهم أو على الآخرين، ويحتاجون إلى إشراف طبي مركّز. ويضيف المصدر: «إن ارتفاع معدل المراجعين السنوي بين عامي 2014 و2017 دليل على ارتفاع نسبة الأمراض النفسية من جهة وارتفاع الوعي عند المواطنين لمراجع المشافي والمراكز الطبية المختصة والاعتراف بوجود مشاكل واضطرابات نفسية والعمل على معالجتها».
وعي مجتمعي
محمود العلي، اختصاصي علم نفس في جامعة دمشق، أوضح أنّ المجتمع السوري في هذه المرحلة أصبح أكثر وعياً بالصحة النفسية، ويقول: «أغلبية المواطنين يعترفون بما يعانونه من أمراض نفسية، وبالتالي أكثر استجابة للعلاج، إلى جانب انتشار العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بالدعم النفسي الاجتماعي وخدمات الإسعاف النفسي، والتي تدرب المتطوعين والعاملين على التدخلات النفسية وتقديم الخدمات والأنشطة في مجال العلاج والدعم النفسي».
من جانب آخر أشار العلي إلى وجود مشكلة في المناهج التي تدرس في كليات التربية أقسام علم النفس والإرشاد النفسي، فهي قديمة جداً وتعتمد على مراجع ستينيات القرن الماضي وخمسينياته، ويلقن فيها الطلاب نظريات قديمة، والمناهج نظرية من دون أي تدريب عملي، مقترحاً أن تعمل وزارة التعليم العالي على تعديل تلك المناهج لكي تتناسب مع الوضع الحالي.
“الأخبار”